الساعة 00:00 م
الجمعة 03 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.67 جنيه إسترليني
5.26 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.73 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

معروف: معلبات مفخخة يتركها الاحتلال بمنازل غزة

تسليم الفلسطينيين أنفسهم للاحتلال.. لماذا كل هذا القهر؟

حجم الخط
تسليم الفلسطينيين أنفسهم للاحتلال.png
غزة/ القدس – فاتن الحميدي – وكالة سند للأنباء

بخطوات مثقلة، مقيدة بقرار جائر، يُجبَر الفلسطيني على تسليم نفسه لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، لقضاء مدة حكم صدرت بحقه، بعد جولات وصولات في المحاكم يتخللها أحيانًا أحكامًا بالحبس المنزلي، يتبعها السجن الفعلي.

مشاهد الوداع على عتبات السجن، دموع الأهل والأصدقاء، الحضن الأخير قبل الفراق لأشهر وربما لسنوات طويلة، هي سيدة الموقف، لكنها لا تخلو من ترديد عبارات الحمد لله، وكلمات الثبات وأجر الرباط.

وتسبق خطوة إرغام الفلسطيني على تسليم نفسه، العديد من الإجراءات العقابية التي تستنزفه، وتقضي على نفسيته ونسيجه الاجتماعي، وربما تقضي على حياته أيضًا، أبرزها الحبس المنزلي وهو ما يعرف بـ "الإقامة الجبرية".

ويأتي تسليم الفلسطيني/ة نفسه للاحتلال نتيجة محاكمة انتهت إجراءاتها، فبعضهم تنتهي معهم القضية بتسليم أنفسهم، وآخرون يفرض عليهم الاحتلال تقديم خدمات مؤسساتية لصالح المستوطنين، كتنظيف دورات المياه، وترتب مدارس المستوطنين، في محاولةٍ لإذلال الفلسطيني.

تسليم قسري..

المحامي المقدسي مدحت ديبة يقول لـ "وكالة سند للأنباء"، إنَّ إجراء تسليم الفلسطيني نفسه بنفسه ينقسم إلى قسمين، الأول أن يكون قد صدر قرار حكم ضد المعتقل، -سواء كان من سكان القدس أو الضفة الغربية أو الداخل المحتل-، وكان في مرحلة المحاكمة قد أطلق سراحه بكفالة، ففي هذه الحالة يتم إرغامه على تسليم نفسه للسجون خلال فترة يتم تحديدها بقرار المحكمة.

أما القسم الثاني _والكلام للمحامي_ فيتمثل بلجوء سلطات الاحتلال إلى التسليم القسري الإجباري، وهو إرغام الفلسطيني على تسليم نفسه، وفي حال ذهبت قوات الاحتلال إلى منزل المعتقل ولم تجده، يُوضع للمعتقل استدعاء ليتوجه إلى السجن قسرًا.

وبحسب "ديبة"، فإن سلطات الاحتلال تتبع هذه السياسة منذ صدور قانون عام 1972، يقضي بـ "أنه من يُطلق سراحه بكفالة، يتوجب عليه تسليم نفسه لسجون الاحتلال في مرحلة صدور الحكم، أما إذا أُدين المعتقل بإصدار حكم بالسجن الفعلي، يتم تحديد موعدٍ لسجنه".

ويشير ضيفنا، إلى أن هذه السياسة لا تقتصر على الشخصيات الاعتبارية في القدس والداخل المحتل، بل تشمل جميع الفئات من نساء وأطفال ورجال وكبار سن، وتُنفذ بشكل شبه يومي، معتبرًا هذه جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني.

ويبيِّن "ديبة" أن قوات الاحتلال تتبع إجراءات المساومة لإرغام المعتقل على تسليم نفسه، وذلك بأخذ أحد أفراد عائلته كرهينة إلى حين التسليم، وفي بعض الأحيان تكون المساومة خديعة دون أن تعتقل أحد أفراد عائلته، ما يجبره على الوقوع في الفخ.

إلى المرحلة الأصعب..

من جانبه، يقول رئيس لجنة أهالي الأسرى في القدس أمجد أبو عصب، تسليم الفلسطيني نفسه يكون بقرار صادر من محكمة الاحتلال بتاريخ وساعة ومكان يحددهما القاضي، للتوجه لسجن "الرملة" أو "المسكوبية" أو "الدامون".

ويتابع: "هي مرحلة صعبة تحمل الكثير من حرقة القلب وشعور العجز أمام احتلال متغطرس، يجبر الفلسطيني أن يسير بقدميه إلى السجن، فيبدأ الانكسار في اللحظة الأولى لفتح باب السجن حين يتحول الإنسان من حر طليق إلى معتقل، وتختلف كل تفاصيل حياته رأساً على عقب".

وتنتهج سلطات الاحتلال الإسرائيلي، سياسة تسليم الفلسطيني نفسه بنفسه في محاولة لإذلاله، وإيذائه نفسياً بسياسة الحرب الباردة التي يتبعها الاحتلال، وفق ما أورده "أبو عصب" لـ "وكالة سند للأنباء".

ويُعيدنا "أبو عصب" إلى الإجراء الذي يسبق إرغام الفلسطيني على تسليم نفسه، موضحًا: "تشترط سلطات الاحتلال في معظم الأحيان تحويل المعتقل للحبس المنزلي، بحيث يمكث في مكان تحدده المحكمة، قد يكون منزله أو أحد منازل أقاربه، وربما يمتد ليكون منزلاً خارج الحي أو المدينة التي يسكنها".

ويصف "ضيف سند" هذه السياسة، بأنها "عقوبة جماعية، تبدو في ظاهر الأمر فعلاً إيجابياً، لكنها، تحمل بعداً نفسياً مرهقاً على كاهل المعتقل خاصة إذا كان طفلًا، مشيرًا إلى أنّه "يتبعها خطوة أصعب، وهي إرغامه على تسليم نفسه، فيخرج من معركة قاسية إلى أخرى أشد قسوة".

ويستهدف الاحتلال تدمير النسيج الاجتماعي للمعتقل بالحبس المنزلي، ويكبّد عائلته تكاليف مالية باهظة حال خروجه بكفالة، كما أنها قد تضطر لإيداع مبالغ أخرى في صندوق المحكمة؛ للتأكيد على تنفيذ شروط الإفراج، والالتزام بالحبس المنزلي، فيُمنع حينها المعتقل من التوجه إلى المدرسة أو تلقي العلاج، أو مغادرة المنزل.

ويكمل "أبو عصب": "هذا الإجراء يحوِّل المنزل إلى سجن والأهل إلى سجانين، ما يؤثر نفسياً على المعتقل وعائلته، قد ينجم عنها عند الأطفال التبول اللاإرادي، وحب الانعزال، وقد تؤدي لمشكلات صحية أخرى كتساقط الشعر، ونشر العدوانية، ومحاولات للانتحار".

ورغم قسوة الحبس المنزلي، إلا أن مدته لا تُحسب ضمن حكم السجن الفعلي، فيمدد قاضي محكمة الاحتلال الاعتقال بدون تحديد سقف زمني، قد يمتد لسنوات قبل إعطاء الحكم، ويفتح ملفاً جديداً ضد الأهل في حال خرج المعتقل من منزله.

وعن سؤالنا لماذا يلجأ الاحتلال لاتخاذ هذا الإجراء؟ يجيبنا: يحاول الاحتلال التخفيف عن نفسه العبء داخل السجون من أيدي عاملة، ومأكل ومشرب والمرافقين، فترمي بهذا على كاهل العائلة لاستنزافها اقتصادياً، وتدمير نسيجها الاجتماعي.

سياسة مجحفة..

وفي حال عدم الالتزام بقرار المحكمة بتسليم نفسه، يتعرض الشخص لتهمة جديدة وخرق جديد وقضية أخرى، هي رفض تنفيذ قرار المحكمة والإساءة لها، ما قد يفرض عليه أحكاماً إضافية.

ويلفت ضيفنا، أن فترة الحبس المنزلي لا تُحسب ضمن فترة العقوبة، بينما بوجود المعتقل داخل السجن تتحدد فترة أقصاها 9 أشهر؛ لإنهاء ملف الأسير فيها وإصدار الحكم الفعلي، وعلى إثر ذلك قد يُلاحظ طلب عشرات الفلسطينيين من المحامين قراراً بتسليم أنفسهم بدلًا من الاعتقال المنزلي.

يستخدم الاحتلال هذه السياسة بنسبة كبيرة جداً في القدس والداخل المحتل، نظراً لفرضه سيطرته الكاملة على هذه الأماكن، فالانتشار الشرطي الكبير، ومقدرة الاحتلال على مراقبة المعتقل في الحبس المنزلي في كل لحظة يسهل عليه اتخاذ قرار الحبس وتسليم النفس ذاتياً، تبعًا لضيفنا.

ويستدرك "أبو عصب"، لكن يصعب تنفيذ هذه الإجراءات في الضفة الغربية، نظراً لعدم مقدرة الاحتلال للتأكد من وجود المعتقل في حبسه، وقد يضطر لإرسال كتيبة جيش للتأكد، ما يكلفه كثيراً.

وينوه إلى أنّ "أكثر من 90% ممن يخضعون لسياسة الحبس، يعودون للسجن لقضاء مدة المحكومية، وآخرين يتم فرض غرامات مالية بالإضافة للحبس الفعلي".

ويؤكد ضيفنا في ختام حديثه، أنّ الحبس المنزلي سياسة قديمة متواجدة في الدول العربية، بتحويل شروط الاعتقال من اعتقال فعلي لاعتقال منزلي، وهو ما يطلق عليه "الإقامة الجبرية"، لكن الاحتلال يستخدمها بصورة مفرطة وبتشريعات إجرامية ما يتناقض مع القانون الدولي وحقوق الطفل.