في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية والحصار الإسرائيلي الخانق، تغيب مظاهر الفرح والتجهيزات الخاصة بعيد الأضحى المبارك عن قطاع غزة للعام الثاني على التوالي، فالأسواق فارغة تمامًا من أصناف الأضاحي والمواشي والعجول، فيما لا تزال دماء الفلسطينيين النازفة وحالة المجاعة وندرة الموارد هي سيّدة الموقف.
إذ كانت تعج أسواق القطاع في مثل هذه الأيام من كل عام بأصناف مختلفة من المواشي والعجول مع حركة نشطة للمواطنين لاختيار أضاحيهم وسط فرحة ظاهرة على وجوه الصِغار والكِبار، إحياءً لهذه الشعيرة الدينية رغم الظروف الاقتصادية العامة.
لكن الاحتلال عمد خلال حرب الإبادة المتواصلة منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023، إلى تدمير المزارع الخاصّة بتربية المواشي في القطاع، رافق ذلك منع دخول أصناف اللحوم الحمراء والبيضاء، منذ تشديد الحصار بإغلاق المعابر مطلع مارس/ آذار الفائت، وذلك في إطار العمل الممنهج لإعدام الأمن الغذائي لسكان غزة.
وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة الفلسطينية، محمد أبو عودة، إن قطاع الإنتاج الحيواني في غزة تعرض لدمار شبه كامل بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر، مؤكداً أن نسبة الدمار وصلت إلى ما لا يقل عن 95%.
وأوضح أبو عودة في تصريح خاص بـ "وكالة سند للأنباء" أن غزة كان تعتمد بنسبة 39% على الإنتاج الحيواني المحلي، حيث كانت تضم نحو 100 مزرعة عجول، بإنتاج سنوي يقارب 50 ألف رأس، إلى جانب 5 آلاف حظيرة للأغنام والماعز، تضم حوالي 70 ألف رأس محلي.
وكانت الأسواق في غزة تستعد لموسم عيد الأضحى عبر استيراد قرابة 15 ألف رأس عجل سنويًا و25 ألف رأس من الأغنام والماعز لتأمين الاكتفاء الذاتي، لكن اليوم هذا السيناريو أصبح من الماضي، وفق أبو عودة.
ولفت أن توفر الأضاحي بشكلها المعتاد لم يعد متاحًا، ونتيجة لذلك شهدت الأسعار قفزات كبيرة، مضيفًا أنّ سعر الكيلو الواحد من اللحوم (قبل الذبح) كان يصل لـ 30 شيقلا، فيما ارتفع سعره اليوم ليصل 500 شيقل.
فيما ارتفع سعر الخاروف الواحد من 300 دينار أردني ليصل في بعض الحالات النادرة إلى 5 آلاف دينار، مؤكدًا أنّ المقدرة الاقتصادية على شراء الأضحية غير متاحة لدى الغالبية العظمة من سكان غزة؛ في ظل الظروف غير المسبوقة التي يشهدها القطاع.
كما أنّه من الصعب اليوم إيجاد الأضحية المناسبة وذلك لعدم توفر الأوزان المطلوبة والأنواع الجيدة، واقتصار المتوفر منها على الأوزان الخفيفة جدًا.
وشدد أبو عودة في ختام حديثه، أنّ واقع الإنتاج الحيواني بات صورة أخرى من صور الكارثة الإنسانية التي تعيشها غزة.
بدوره أكد رئيس نقابة مربي الدواجن واللحوم في غزة، مروان الحلو، أنّ قطاع الثروة الحيوانية يعاني من انهيار شبه كامل بسبب استمرار العدوان والحصار الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن الاستيراد والمحلي من المواشي وصل إلى مستوى الصفر تقريبًا مع دخول موسم الأضاحي هذا العام.
وأوضح الحلو في تصريح خاص بـ "وكالة سند للأنباء"، أن الإنتاج الحيواني كان يُغطي قرابة 30% من مجمل الإنتاج الزراعي في قطاع غزة، ويؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي والاقتصادي.
بينما تعرض هذا القطاع الحيوي خلال حرب الإبادة للتدمير بكل فروعه، ما أعدم الإنتاج المحلي تقريبًا، مع توقف الاستيراد من الخارج كليًا، ما يضعنا أمام مشهد اقتصادي صعب للغاية ولا مثيل له في التاريخ الحديث، يشير ضيفنا.
وقدّر الحلو خسائر قطاع الأبقار والأغنام تُقدّر خلال العامين الأخيرين، بنحو مليار دولار تقريبًا، مشيرًا إلى أنّ القطاع الحيواني كان يشغّل قرابة 10 آلاف عامل، إلا أن هذه المنظومة أصبحت "غير موجودة على الأرض".
وأضاف: "هؤلاء المزارعون والعمّال أصبحوا اليوم بلا مأوى مشردين هنا وهناك، فيما يعجز كثيرون منهم عن توفير حتى لقمة العيش لعائلاتهم. والمزارع إما دُمّرت أو توقفت بالكامل نتيجة تداعيات الحرب والحصار".
وكانت تعتبر مواسم الأعياد السابقة لحرب الإبادة فرصة لتحريك الاقتصاد المحلي الفلسطيني، لكن اليوم كل القطاعات متوقفة، فلا طعام ولا بضائع ولا قدرة شرائية لدى المواطنين المشردين بظروف إنسانية صعبة.
ويعيش أكثر من 90% من سكان قطاع غزة تحت خط الفقر، في حين تجاوزت نسبة البطالة 83%، بينما كانت تعتمد أغلب العائلات على المساعدات الإغاثية، في ظل الانهيار المعيشي للسكان بفعل الحرب.