لم يُثنِ قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الهدى العريق في رفح، الأطفال عن التمسّك بِحُبّ القرآن الكريم، فقاموا بالبحث عن صفحاته المُمزّقة بين الأنقاض.
ومع تباشير صباح أمس الإثنين، جمع الأطفال صفحات القرآن الكريم المُمزّقة بعنايةٍ فائقة، ووضعوها في مكانٍ آمن.
ولم يتوقف إصرار الأطفال عند هذا الحد، بل قاموا بالبحث عن المُصاحف الكاملة تحت الأنقاض، وبعد ساعاتٍ من البحث، تمكّنوا من جمع حوالي 100 مصحف من تحت الأنقاض، ومعظمها كانت في حالةٍ سليمةٍ، رغم انهيار سطح وجدران المسجد بشكلٍ كامل جراء سلسلة غارات إسرائيلية.
يقول الطفل محمد الهمص 12 عاما: "كنا نُصلّي ونحفظ القرآن الكريم في هذا المسجد، ونشعر بالحزن الشديد لقصفه وتدميره".
ويضيف الطفل الهمص "جمعت مع الأطفال حوالي 100 مصحف في حالة جيدة كما جمعنا كتب في السيرة والحديث النبوي إضافة للصفحات الممزقة بفعل القصف".
وتساءل الطفل الفلسطيني: ما ذنب هذا المسجد أن يتم قصفه بهذه الطريقة الهمجية؟
بينما قال الطفل أحمد الكرد وهو يرفع الأنقاض بحثًا عن متعلقات المسجد، "الاحتلال يريد أن يحرمنا من الصلاة وحفظ القرآن لكننا لن نتوقف عن حفظ القرآن الكريم، وسنبحث عن مكانٍ آخر للصلاة وحفظ كتاب الله."
وأضاف الكرد (14 عاما) "كنت أقضي كل يوم بين أربع إلى خمس ساعات في المسجد لأداء الصلاة وحفظ القرآن والاستماع للدروس الدينية".
وتابع قائلًا "انتظر للأطفال كيف ينقبون عن كتاب الله هذا الأمر يظهر مدى تعلّقنا نحن أطفال فلسطين بالقرآن الكريم، وإصرارنا على مواصلة تعلّمهم وحفظهم له".
وعاش أطفال مخيم يبنا جنوبي مدينة رفح، مشهدًا مؤثرًا بعد تدمير مسجد الحي الرئيس الذي كانوا يُصلّون فيه ويحفظون القرآن الكريم.
ويعود تاريخ تأسيس المسجد المشيد على مساحة 1200 متر إلى عام 1952، وكان يُعدّ أحد أهمّ المعالم الدينية والثقافية في المدينة وفق ما يقول إمام المسجد الشيخ حسين عياد.
ويضيف الشيخ عياد أن "هذا المسجد ذنبه الوحيد أنه يرفع فيه الأذان ويذكر فيه اسم الله، الاحتلال المجرم يريد حرمان الفلسطينيين من العبادة وقراءة القرآن في إطار حربه الوحشية المتواصلة على قطاع غزة".
ووفق إمام الهدى فإن أعداد المصلين في المسجد يصل في الصلاة الواحدة إلى حوالي 1500 مصل، كما يقدم خدمات مثل حلقات تحفيظ القرآن ودروس في السيرة والعقيدة لتعليم أهالي الحي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
ودمرت جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023، وحتى 8 فبراير/ شباط الجاري، (183) مسجدا بشكل كلي، بينما تعرض (264) مسجداً للتدمير بشكل جزئي معظمها في مدينة غزة وشمال القطاع، خلال الحرب المتواصلة وفق أحدث الإحصاءات الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
وخلف القصف الإسرائيلي لمسجد الهدى حطامًا وأنقاضًا غطّت المكان وتسببت في تدمير واجهات المنازل المجاورة واستشهاد وإصابة عدد من سكان الحي.
وقالت سيدة فلسطينية عرفت اسمها باسم أم حسن إن قصف المسجد تشبب في تدمير منزلها المجاور واستشهاد إحدى قريباتها التي نزحت في منزلها وإصابة خمسة اخرين بجراح".
وأضافت أم حسن "المال معوض والمسجد ومنزلي وجميع المنازل المدمرة سنعيد بناءها من جديد وسوف نعود للصلاة في المسجد وحفظ القرآن أيضًا".
وشهدت مدينة رفح التي تعد الملجأ الرئيسي للنازحين، حيث يعيش أكثر من مليون فلسطيني، ليلة مروعة بعد عملية إنزال إسرائيلية استهدف مخيم الشابورة، وتخللها سلسلة غارات عنيفة استهدف مناطق مختلفة في المدينة، ما أسفر عن استشهاد 63 فلسطينيا وإصابة أكثر من مائة فلسطيني بجراح مختلفة وفق ما أفادت مدير مستشفى أبو يوسف النجار في رفح الدكتور مروان الهمص.
