الساعة 00:00 م
الأحد 28 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.84 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

يُعاني من مرضٍ نادر..

"صلاح الدين" مات اختناقًا من دخان الصواريخ الإسرائيلية.. ألا يشعر بنا أحد؟

حجم الخط
423686820_642617921303965_6189358016172186512_n.jpg
غزة - وكالة سند للأنباء

لم يُسعف صلاح الدين موسى المقيد (17 عامًا) الذي يُعاني من مرضٍ نادر، كل محاولات والديه الحثيثة؛ لحمايته من آلة الحرب الإسرائيلية؛ التي لم تتوقف منذ خمسة شهور، عن تنفيذ سياسة قتل ممنهجة ضد الغزيين؛ بكل الأساليب، قصفًا، وجوعًا، وتحت الركام!

رحل "صلاح الدين" قبل نحو 10 أيام، بجسده النحيل، وألمه الذي كان يخنقه بصمت؛ فهو لا يقوى على الحديث، كما أنّه طريح الفراش منذ أن خُلق، محلقًا في سماء الله الواسعة، تاركًا خلفه لوعة الفقد تُحسّر قلوب عائلته.

سَمع "صلاح الدين" كغيره من الغزيين أحزمة الموت كل ليلة، وعاش "الهَلع" الذي كان يُصاحب عائلته مع كل رحلة نزوح؛ بحثًا عن ملجأ آمن، ليرحل أخيرًا مختنقًا بقنابل الغاز ودخان الكثيف المنبعث من مئات آلاف الصواريخ والقذائف الإسرائيلية.

وفي هذا التقرير تروي والدته أم عز الدين المقيد من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، لمراسلة "وكالة سند للأنباء" قصّة نجلها التي تُشبه قصص آلاف المرضى الذين عاشوا تجارب نفسية مؤلمة خلال الحرب، فاقهما الجوع والتهجير.

لم تبدأ معاناة "صلاح الدين" مع بدء حرب الإبادة على قطاع غزة، فقد عانى ويلات كثيرة أبرزها الحصار الإسرائيلي، وأثر الخلافات الفلسطينية الداخلية، على مسار علاجه، حيت تأخرت تحويلات علاجه في الخارج أكثر من مرّة، حتى قوبلت بالرفض أخيرًا.

وتقول "أم عز الدين"، إنّها ووالده لم يدخرا جهدًا في البحث عن سبيل يُؤمّن صحّة طفلهما، فبعد محاولات عديدة تمكنا من تحويله إلى أحد المشافي بالداخل الفلسطيني المحتل، وهناك تم تشخيص حالته بأن مرض نادر ناتج عن طفرة جينية، مشيرةً إلى أنّ الحالات المشابهة له في العالم لا تتجاوز الثمانية.

ومنذ ذلك الحين، ترعى العائلة ابنها بكل حبٍ وحنان وتوفر كل ما يلزم من غداء ومستلزمات طبية وأدوية، وتضيف: "أدركت حالته جيّدًا، وعاملته بعناية فائقة(..) كنت طبيبته الخاصة أُقدم له ما يلزمه قدر المستطاع، بما في ذلك العلاج الطبيعي".

كَبر "صلاح الدين" عامًا بعد آخر، صار يعرف أهله جيدًا، يُحبهم ويُبدي استجابةً تدريجية للعلاج المقدم له، تُخبرنا والدته "كان يُحب من يداعبه ويضحك له"، أما الطعام فلم يكن يقبله من غير والديه.

وتنّبه إلى أنّ والده استطاع قبل قرابة العام، الوصول لصنع طعام خاص لـ "صلاح الدين"، مكوّن من القمح والشوفان والكورنفلكس، وبعض المقويات، بالإضافة للبسكويت والسيريلاك، وكان لهذا الغذاء أثر طيب على تحسن صحته وتحسين جهازه الهضمي.

وتلفت إلى أنّ كان يتحرك حبوًا، ومع قلّة العلاج الطبيعي أُصيبت أطرافه بـ "التيبس" حتى قلّت حركته، موضحةً أنه تعرض خلال سنوات حياته لوعكات صحية جسيمة كادت تودي بحياته، لكنّ كان ينجو في كل مرة، إلى أن جاء موعد رحيله في حرب الإبادة التي نعيش تفاصيلها المرّة منذ خمسة شهور.

وكغيره من الأجيال الصاعدة في قطاع غزة، عاش "صلاح الدين" حروبًا متتالية بينها جولات تصعيد، وفي كل مرة كانت ظروفه الصحية تزداد تعقيدًا؛ نظرًا ما يفرضه الاحتلال من قيود على كافة القطاعات، بما فيها القطاع الصحي.

أما في الحرب الحالية، فقد تعرض "صلاح الدين" للكثير من الغازات السامة واستنشق بشكلٍ مكثف الدخان المتصاعد؛ جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على مختلف مناطق شمال القطاع؛ ما أثر سلبًا على رئتيه.

وتشرح لنا تداعيات ذلك على صحته: "أُصيب بالتهابات في الجهاز التنفسي، وأصبح يتنفس بصعوبة بالغة، زاد الأمر تعقيدًا في الشهرين الأخيرين، وكان من المستحيل الذهاب به لأي مستشفى؛ بعدما عطّل الاحتلال غالبية مشافي القطاع بقصفها وحصارها، ومنع إمدادها بما يلزم من مستلزمات طبية".

ولم تنعدم السبل أمام والديه، إذ تُخبرنا "أم عز الدين" أنّ والده خاطر بنفسه أكثر من مرة والقصف ينهال عليهم من جميع الاتجاهات جوًا وبرًا؛ وذلك من أجل إحضار الغذاء والعلاج المناسبين له، وتخفيف وطأة الألم عليه.

وتزيد: "مع بداية الحرب وفرنا له كمية من الغذاء اللازم له، ما تكفيه لما يُقارب الشهرين، وعند نفاذها، سعينا لتوفير كل المتطلبات لإعداد كمية جديدة له تكفيه لشهرين أخرين، بالرغم من شح الموارد وغلاء الأسعار في مناطق الشمال".

كذلك تمكن والده _كما تُحدثنا ضيفتنا_ من توفير البديل عن أدوية نجلهما، بعدما انقطع دواؤه من الصيدليات؛ جراء انقطاع الأدوية والمستهلكات الطبية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.

وتختم "أم عز الدين" بالقول: "لم نيأس ولم نكل يومًا، بالرغم من انعدام كل سبل الحياة حولنا، حاولنا بقدر ما نستطيع ليبقى فلذة الكبد بيننا، لكن قدر الله كان أسرع وبقي الغذاء والدواء ورحل صلاح الدين"، داعيةً أصحاب الضمائر الحية لنجدة غزة وإغاثة ما تبقى من أهلها قبل فوات الأوان.

وتشنّ سلطات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر الماضي حربا مروّعة على قطاع غزة، راح ضحيتها أكثر من 30 ألف شهيد، وآلاف المفقودين، وأكثر من 71 ألف جريح، بالإضافة إلى تدمير واسع للمنازل والبنية التحتية.