عاد المحرر الفلسطيني نبيل خلف إلى جنوب قطاع غزة، بعد رحلة عذاب دامت 45 يومًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تعرض خلالها لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، تاركًا وراءه ذكرى عائلته التي فقدها في بداية الحرب التي عصفت ولا تزال بالقطاع المكتظ بالسكان.
يروي خلف (40 عاما) تفاصيل ما حدث معه بصوت متهدج، قائلاً: "لقد اعتقلني جيش الاحتلال من منزل قرب مجمع الشفاء دون أي سبب يوم 20 مارس/ آذار الماضي. أول يومين وضعونا في بيت مهجور ونحن مجردون من الملابس ومقيدي اليدين والرجلين ومعصوبي الأعين دون طعام أو شراب".
اعتقال وفرز
ويضيف في مقابلة مع مراسل وكالة سند للأنباء "بعد ذلك أعادونا لمستشفى الشفاء وهناك تم فرزنا فمثلا أنا كنت مع ثلاثة أشخاص من أنسابي أطلق سراح نسيبي الثاني وابنه، لكن فوجئت بعد خروجي من سجون الاحتلال أنه تم إعدامه بدم بارد في مستشفى الشفاء".
وخلف كان بين 62 أسيراً بينهم أسير شهيد أفرج عنهم جيش الاحتلال الإسرائيلي في 2 مايو الجاري، ونقلهم من معبر كرم أبو سالم الواقع عند مثلث الحدود بين قطاع غزة ومصر والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وأطلق جيش الاحتلال عشرات الأسرى الأحد الماضي، لكن هذه المرة من شرق دير البلح، في ظل إغلاق معبر كرم أبو سالم ومعبر رفح عقب اجتياح دبابات الاحتلال شرق المدينة المتاخمة للحدود مع مصر.
الأيام العصيبة
يتذكر خلف بمرارة تلك الأيام العصيبة: "لما نقلونا اليهود من الشفاء في حفلات مفتوحة كان على أرضية الشاحنة أسرى مرضى وبعضهم مبتوري الأقدام ممدين ويئنون من شدة الألم وتكدسنا فوقه فاقم م أوجاعهم".
ويصف الأسير المحرر أيام التحقيق بالمروعة والقاتلة، "يسحبك على تحقيق طبعا وأنت مكلبش من أيديك ورجليك من الخلف، تطلع في الحافلة وطول الطريق وأنت تتعرض للضرب والإهانة حتى تصل للمحقق وعندما تنتهي وتعود في الحافلة لتعود للسجن تتعرض للمزيد من الضرب والإهانة".
خلال مدة اعتقاله التي استمرت 45 يوما، عاش خلف تجربة قاسية لن ينساها أبدًا. فقد قُدّر له أن يقضي 48 ساعة في زنزانة (الديسكو) وهو مكان أرضيته من الحصى ومخصص لتعذيب أسرى غزة قبل عرضهم على محققي جهاز (الشباك) الإسرائيلي.
وعن ذلك يقول: "قبل ما تدخل زنزانة الديسكو يعصبون عيونك بقطعة قماش رقيقة بشكل محكم بحيث ما تقدر تشوف نفتت فضة من تحت، بعد هيك لازم تظل قاعدا على ركبك فوق الحصى. انا (خلف) قعدت فيها 48 ساعة طبعا فش حمام فش نوم فش اكل".
ويضيف "طبعا نسيت أخبرك عن سماعات كبيرة لدرجة أنني كنت أتمنى الموت ولا أكمل في هذا المكان من شدة الصوت. ما عشته كان مروعا ووحشيا".
ومثل معظم الأسرى واجه خلف أيام الاعتقال القاسية بالصبر والدعاء، لكن وجعة والجرح النازف في قلبه ليس مثل جميع الأسرى.
مجزرة المعمداني
فقد خلف زوجته إيمان (30 عاما) الحامل في شهر التاسع، وبناته الثلاث "لارا" (7سنوات) و"جوان" (5 سنوات) و"جمانة" (2 سنوات) اللواتي فقدن حياتهن إثرة مجزرة مستشفى المعمداني وسط مدينة غزة يوم 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
يشير خلف إلى أن أكثر ما كان يؤلمه خلال فترة اعتقاله هو التفكير في عائلته، "كنت أشعر بالذنب لأنني لم أتمكن من حمايتهن. كنت أتمنى لو كنت معهن في تلك اللحظات."
وخلف من سكان حي الشجاعية كان يعتقد مثل آخرين أن المستشفيات مكان آمن في ظل الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي، لكن اعتقاده قوضه جيش الاحتلال مع المجازر التي لا تنتهي بحق القطاع الصحي وسكان غزة.
لا مكان آمن
ويقول "اليوم بعد ما فقدت عائلتي وعشت تجربة الأسر أستطيع القول أن لا مكان آمن في قطاع غزة لأن هذا العدو المجرم لا يعرف معنى الإنسانية".
بعد 45 يومًا من المعاناة، أفرج عن خلف، وعاد إلى جنوب قطاع غزة حيث كان في استقباله شقيقته وعدد من أقربائه على بوابة معبر رفح المغلق للأسبوع الثاني على التوالي.
ويتعرض الأسرى الفلسطينيون من قطاع غزة لدى جيش الاحتلال إلى جرائم قتل عمد وإعدام تعسفي وخارج نطاق القانون والقضاء، بما في ذلك القتل تحت التعذيب وفق توثيق مراكز حقوقية دولية أشارت إلا أن ألاف الفلسطينيين اعتقلوا خلال الهجوم البري على مدينة غزة وشمال القطاع وخان يونس لكنها لا تمتلك قاعدة بيانات دقيقة حول أعداد المعتقلين في سجون الاحتلال.