في يوم الجمعة، الذي كان عادةً ما يكون للفلسطينيين يومًا يعجّ بالحركة والنشاط، حيث يتدفقون إلى الأسواق للتسوق والتزود بمستلزمات الأسبوع، تبدو الصورة اليوم مختلفة تمامًا في أسواق محافظتي غزة وشمال القطاع.
بينما كانت الأسواق تفيض بالبضائع والمشترين في مثل هذا اليوم، بدت اليوم شبه خاوية، حيث يتجول السكان بين عدد قليل من البسطات المتبقية التي تعرض بضع علب من المعلبات، بينما أغلقت العديد من البسطات أبوابها، وكأنها تواسي بعضها في صمتٍ كئيب.
أمّا عن أنواع الخضار والفواكه واللحوم، اختفت تمامًا من المشهد، إذ منع الاحتلال إدخالها منذ ما يقارب الشهر. في هذا اليوم الذي كان يُفترض أن يكون ينبوعًا للحياة والأمل، تحولت الأسواق إلى مساحات تعكس الفراغ والحرمان، وتطغى عليها مشاعر العجز والقلق، كأنما باتت الشوارع والأسواق تروي قصة صراعٍ مريرٍ مع الحصار والقيود التي تكبل كل جانب من جوانب الحياة اليومية.
وبالرغم من ذلك، يعرض التجار بسطاتهم المتواضعة على أطلال الأسواق التي دمرتها آلة الحرب، تظهر الركام المتناثر والأنقاض المتفرقة كشاهد على الويلات التي حلت بهذه المناطق، وسط هذا الخراب الذي يراوح بين الرمادي المحبب والأسود الداكن، ينصب التجار بضائعهم كتحدٍ وصمودٍ أمام جبروت الظروف، فلا يتوانون عن عرض ما يملكونه، بينما يجتاحهم شجن الفقد والصمت على ما فقدوه، ولكن يتحلون بالإصرار والعزيمة على استمرارية الحياة وتحقيق العيش الكريم.
شبح الجوع يواجه الغزيين..
يقول المواطن محمود الشوبكي لـ "وكالة سند للأنباء"، "يتوفر الطحين بأسعار مقبولة هنا في شمال القطاع، لكن الحقيقة المُرة هي أنه لا يوجد سوى ذلك. لا شيء آخر يُعتبر متاحًا بالمقارنة".
ويضيف "الشوبكي" بحزن مزدوج: "لا يتوفر أي نوع من اللحوم والدجاج منذ ثلاثة أسابيع تقريبًا، فالأمر ليس مجرد نقص في التنوع، بل هو انعدام تام".
بينما يجد الصحفي محمد السوافيري متنفسه في لحظات الكتابة عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، التي يعكس فيها حالة اليأس والاستياء، قائلاً: "لقد مرّ أسبوعان، ولم يصلنا في مدينة غزة وشمالها سوى الطحين!".
ويُكمل "السوافيري" في منشوره بكل ألم، "عادت المجاعة لتخيم مجددًا على أرض القطاع".
قيود على المساعدات..
ومنذ نحو شهر، فرض الاحتلال الإسرائيلي قيودًا على دخول السلع الأساسية مثل السكر والزيوت والقمح والحليب والخضروات والفواكه إلى قطاع غزة، وذلك حسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
ووفق مصادر خاصة لـ "وكالة سند للأنباء"، " فإن الاحتلال لا يسمح بدخول سوى شاحنات محملة بالطحين وبعض المعلبات، عبر معبر زيكيم الجديد شمالي القطاع".
وتضيف المصادر ذاتها، أنه بالرغم من بدء إدخال المساعدات عبر الميناء الأمريكي، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يرفض إدخالها إلى مدينة غزة وشمال القطاع، بل ينقلها لوسط وجنوب القطاع.
وكانت جماعات إغاثة دولية قد حذّرت من تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة، مع توقعات باندلاع مجاعة هذا الشهر إذا لم تتم رفع القيود عن دخول المساعدات الإنسانية من "إسرائيل".
وقبل ما يقارب الشهرين، وفيما كانت المجاعة تتصاعد ويضطر الناس إلى تناول الأعلاف والشعير للبقاء، عمل الاحتلال على تخفيف حدة الأزمة المؤقتة وتأجيل حدوث المجاعة. وفي محاولة لتحسين صورته، قدّم الاحتلال تسهيلات سطحية وغير حقيقية، من خلال إدخال بعض شحنات المساعدات، معظمها محملة بالطحين، وفتح عدد محدود من المخابز بإشراف برنامج الغذاء العالمي.
وفي ضوء تلك التسهيلات الوهمية، غابت المطالبات الدولية والتحذيرات الأممية بشأن وقوع مجاعة، وكأنّ أسبابها انتهت ولم تعد قائمة، حسب تصريحات المكتب الإعلامي الحكومي.
ويُقدّر عدد السكان في محافظتي غزة والشمال حوالي 700 ألف شخص يرفضون ترك منازلهم رغم تدميرها والمجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال طوال الأشهر الماضية.