ثمانية أشهر، ثقيلة كأحمال الجبال بل أكثر على قلوب أهالي قطاع غزة، وكل لحظة منها شهدت معاناة لا تعد ولا تحصى، ووسط هذا الجحيم المدمر، يتجسد صوت الشباب الأردني كقوة إنسانية متجددة، يرفع شعار الإنسانية والتضامن مع إخوانهم في غزة، فهم ينظرون بعيون العاطفة والقلق، يحملون في قلوبهم آلام الآخرين ويتساءلون عن دورهم ومسؤوليتهم في هذا السياق الصعب.
وفي قلب هذا الجحيم الذي يلتهم غزة، تنبض قلوب الشباب الأردني بحماسة العطاء وروح التضامن، فهم يشاهدون بعيون الصدمة والغضب، ينتقلون من حالة الصمت المريب إلى صراخ الاحتجاج، لا يقتصر دورهم على التحليق في أفق الأماني بل يمتد ليُسهموا في رسم معالم التغيير والتحرر.
هكذا، يتحول صوت الشباب الأردني إلى نداءٍ صاخبٍ للعالم، ينادي بوقف المجازر والقتل الجماعي، يستنجد بالإنسانية المنسية والعدالة المنسية، ويجسد في كلماته وأفعاله وعزيمته قوةً لا يمكن تجاهلها، فهو يعلم أن الصمت المريب لن يحقق السلام، بل يتطلب الأمر إصرارًا وتضحية وعزيمة لنزرع بذور الأمل في أرض اليأس.
وفي هذا التقرير، سلّطت "وكالة سند للأنباء" الضوء على دور الشباب الأردني تجاه الحرب الجارية على قطاع غزة، والتزام الأردنيين بمظاهر التضامن والدعم لأهل غزة.
"حرب ظالمة وغير عادلة"..
يقول الكاتب والروائي الأردني أيمن العتوم، "في الأردن، نحن نعتبر أنفسنا جزءًا متجانسًا من النسيج الاجتماعي الممتد بيننا وبين الأشقاء في فلسطين. ننظر إلى الحرب الجارية على أنها حرب ظالمة وغير عادلة يقودها جيش استعماري دمر الأرض والشجر والحجر، ونرى في هذه الحرب عدوانًا صارخًا ونسأل الله أن تنتهي سريعًا، ونحن نقف دائمًا بجانب أهل غزة وندعمهم في محنتهم".
ويُتابع "العتوم"، الحرب في غزة مأساوية للغاية. على الرغم من إيماننا بالله وثقتنا بوعده بالنصر، إلا أننا نرى الأوضاع تتدهور من سيء إلى أسوأ، والناس تموت كل يوم وصيحات المذبوحين ترتفع إلى السماء دون أن تجد من يستجيب، ولا يوجد معتصم ولا قطز ولا صلاح الدين ليهب لنجدتهم".
ويسرد، "الأوضاع في غزة تتجاوز القدرة على الوصف، ولا يمكننا أن نصف حجم الألم أو معاناة أهلها، لكننا نشعر بهم ونتألم لمعاناتهم، إذ يُقتلون ويُذبحون في كل ساعة".
ويُكمل، الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يشكل أكبر قضية تستحوذ على اهتمام الشباب الأردني، خاصة الشباب المثقف والواعي الذين يؤمنون بأهمية قضية فلسطين. هؤلاء الشباب لديهم وعي بأن الصراع لا يمكن حلًا إلا من خلال التضحية والنضال، ويعتبرون أن المفاوضات والمساومات لا يمكن أن تحل الصراع، ولا يمكن الانحياز لأي تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي باسم عمليات المفاوضات.
ومن وجهة نظر "العتوم"، فإن سبب تحول الوعي وزيادة اهتمام الشباب بقضايا فلسطين هو ما يُعرف بـ "معركة طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. هذا الطوفان، الذي نظمته المقاومة، لم يؤثر فقط على الشباب الأردني والعربي، بل أيضًا على شباب العالم بأسره.
ويتابع، شهدت الجامعات والشوارع الرئيسية في الدول الداعمة للاحتلال احتجاجات شبابية تعبر عن تضامنها مع أهل غزة في مواجهة المجازر، مُضيفًا: "هذه الأحداث غيرت تفكير الشباب ووجهتهم نحو هذه القضية، وحددت الكثير من أولوياتهم، وفتحت أعينهم على الواقع المأساوي في غزة وأثرت في قلوبهم، حتى الذين لم يكونوا مهتمين سابقًا بالقضية الفلسطينية".
وفيما يتعلق بالمبادرات، يوضح "العتوم"، "أعتقد أن الشباب منذ البداية كان لديهم العديد من الطرق لدعم أهل غزة من خلال المشاركة في المظاهرات والوقوف بجانبهم بكلمة "لا" للاحتلال والمجازر والتدمير الذي يتعرضون له".
ويُكمل حديثه، "وعلى الصعيد المادي، قام الكثيرون بالتبرع بالمال أو بإقامة مبادرات تستهدف توفير المساعدة المباشرة، مثل إنشاء مخابز في شمال غزة لمواجهة المجاعة، وشراء الأغنام لتوفير الغذاء لسكان غزة".
ويُبين "ضيف سند"، "المنشورات التي أنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تلك التي تتناول وضعية غزة وبشاعة الحرب، تجلب تفاعلًا هائلًا، موضحًا: "أنا أرد على كل استفسار يتعلق بهذه القضية، حيث أرى أنه من الضروري توعية الناس وتسليط الضوء على معاناة السكان في غزة وأثار الحرب الوحشية عليهم".
ويلفت النظر "العتوم"، الشعور بالآخر والتضامن معه هو قيمة أساسية، فكل منا يهتم بأمور المسلمين ويشعر بمعاناتهم، فتجربة الجوع في رمضان فتحت أبواب التعاطف والتضامن مع أهل غزة، حيث يتشارك الشباب في تجربة الجوع القاسية التي يعيشها أهل غزة، وهذه التجارب تعلمنا قيمة الصبر والتحمل التي يظهرها أهل غزة، ويمكن أن يلهمنا صبرهم وتضحياتهم.
ويرى أن تجربة التضحية توسع الأفق ومعرفة قيمة التضحية من أجل المبادئ والتحرير. فعندما نرى الأمهات تقول "فدا فلسطين" حين يصبح ابنها شهيدًا، ونسمع الشباب يقولون "فدا المقاومة"، ندرك أهمية التضحية من أجل القضية وتحرير الوطن.
ماذا عن رسالة الشباب الأردني للعالم، يسرد "العتوم"، "أننا لن نترك غزة وحدها، ونظهر بشاعة الاحتلال بأن التدمير لا يفرق بين صغير وكبير، ومحاولة إظهار الدموية في التعامل مع أهل غزة وكشف القناع الذي كان يتستر به الاحتلال بإصابة الأهداف المطلوبة في حين أن 99 % من الضحايا هم من المدنيين".
ويختم "العتوم" حديثه، "لا خلاف على الدم" ولا شك في أن المثقف والكاتب يجب أن ينحازوا إلى قضايا أمتهم، ويستخدموا قوة الكلمة في دعم القضايا الكبرى مثل قضية فلسطين ومعاناة السكان في غزة، وهذه الصراحة في التعبير عن الموقف تؤثر بالتأكيد في آراء الشباب الأردني تجاه غزة.
حرب غير مسبوقة..
أمّا مؤسس منصة تمكين قصي العسيلي، يقول: إن الشاب الأردني ينظر إلى غزة بعينين ممزوجتين بالخوف والرجاء، عين الخوف تعكس المخاوف من المزيد من الألم والأذى والضرر، في حين تتمنى عين الرجاء أن تتوقف هذه الحرب في أسرع وقت ممكن، وأن تستعيد غزة قوتها وعافيتها وهمتها ونشاطها.
ويُعبر "العسيلي" لـ "وكالة سند للأنباء"، "ما رأيناه وسمعناه وشاهدناه من أصوات وأهداف وآلام في غزة يدل على أن الحرب مخيفة وغير مسبوقة، كل ما فيها يؤلم، لكن ما يطمئننا هو أن أهل غزة أهل الصبر والثبات والتضحية. يعلموننا بصمودهم، هم الذين يحتاجون دعائنا، لكن والله نحن الذين نحتاج دعائهم.
ويستطرد في حديثه، "الصراع القائم ليس إلا صراعًا عقائديًا ووطنيًا وأهليًا، حربًا على الهوية والثقافة والتاريخ. هو صراع مع عدو غاصب، كيان محتل فاسد، كل تسمية له تشير إلى أنه ينتزع منك حقوقك وكرامتك ووطنك وأرضك، يجعلك غريبًا عن نفسك وعن وطنك، هذا الكيان الغاصب ليس له حق في شيء".
ويؤكد "العسيلي"، أن الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي ليس مؤقتًا أو عابرًا، بل هو صراع حتى ترتفع كلمة الله ويسود المسلم في وطنه، وحتى يستعيد الفلسطينيون حقوقهم ووطنهم ومفتاح بيوتهم. فليس حرًا من يُخلَبَ منه حقه، ولا بد للشاب من أن يثور على هذا الظلم ويدافع عن حريته وحقوقه.
وفي سؤالنا، كيف ترى تفاعل الشباب الأردني مع الحرب الجارية في غزة؟" يُجيبنا: "تفاعل الشباب هو تفاعل جميل، ولكن يحتاج إلى تنظيم أكبر، يجب توزيع هذه الجهود والأفكار بشكل منظم وواضح، لا يجب أن تكون فردية وعبارة عن هبات شبابية تفتقر إلى الاستمرارية، بل يجب أن تكون منظمة لتحريك الشارع العربي والشباب".
أما عن مقاطعة المنتجات في الأردن، يُبيّن "ضيف سند"، أنّ "حملات المقاطعة في الأردن لم تكن سوى تجسيدًا لحركة الرأي الاجتماعي ومشاعر الناس، فمواقع التواصل الاجتماعي هي وسيلة لمخاطبة شعور الناس وقلوبهم، وعلى الرغم من بعد المسافات، فإننا نستطيع تحريك الشعور والشعوب بفعالية".
ماذا عن الكتابة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يقول "العسيلي"، "التفاعل مع الكتابات هو تفاعل جميل ومميز، حيث يمكن للحروف أن تحرك النفس، ولكن يجب علينا ألا نسمح للكتابة بأن تكون مخدرًا لنا، وألا يشعر الإنسان بالإنجاز عند كتابة حرف واحد ويتراجع عن الحركة والتواجد في الميدان".
ويُكمل إجابته على السؤال السابق، "نحن بحاجة إلى تحول الانخراط في المواقع الاجتماعية من مجرد ديدن إلى موافقة بين المواقع والواقع، وحركة فعلية وثبات وتحرك على الأرض، ويجب أن يكون هناك نشاط في كل مكان لدعم القضية، لا يقتصر على الكلمات المكتوبة والتعليقات فقط".
ويُشير "العسيلي" إلى أن دور الكاتب يشبه دور أي مسلم أو غير مسلم في الحفاظ على دينه وعرضه، وفن الكتابة والقراءة يتطلب من الكاتب تحمل مسؤولية أكبر من غيره، ويجب أن يوجه الناس بصدق ووضوح، وأن يكون صادقًا وواضحًا فيما يكتب، دون تضليل أو إخفاء الحقيقة.
تحديات..
يقول الناشط (ع.م) الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، إن الشباب الأردني لا يُعتبرون مجرد متفرجين على الحرب، بل يرون أنفسهم مشاركين فيها بطريقة أو بأخرى. قد لا تكون هذه المشاركة حقيقية من خلال المقاومة المسلحة، ولكنهم يواجهون تحديات حقيقية في حياتهم اليومية.
ويُفسّر (ع.م)، أن هذه التحديات قد تكون نتيجة للبيئة والمجتمعات التي يعيشون فيها، حيث يحاولون إثبات أنفسهم وقدرتهم على التصدي للمصاعب.
ويُشير إلى أن الشخص الذي يعيش في غزة قد نشأ في بيئة متمردة ومقاومة، في حين أن هذه البيئة ليست متاحة بنفس القدر للشباب في بعض المجتمعات الأخرى.
ويُكمل، الشاب الأردني لم يعد ينظر إلى القضية الفلسطينية فقط كمسألة خارجية، بل أصبح يسأل أسئلة أكثر عمقًا حول الوجود والمقاومة والصمود، ويتساءل عما إذا كان قادرًا على تحمّل المواقف الصعبة مثل أهل غزة والصمود فيها. ورغم أن تلك الصعوبات تؤثر على الشباب الأردني، إلا أنهم يظلون قويين ومستمرين في مواجهة التطبيع.
ويسرد أن الشباب الأردني لم يترددوا في التبرع بالمال عندما فُتحت الفرصة أمامهم، ويتحدثون عن ضرورة المزيد من التبرعات المعنوية والمادية.