الساعة 00:00 م
السبت 19 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.89 جنيه إسترليني
5.2 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.19 يورو
3.69 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

هل تبقى قرارات "يونسكو" بشأن فلسطين حبراً على ورق؟

"نتنياهو" والمفاوضات بشأن حرب غزة.. "لعبة تضييع الوقت"

ضحكة في وجه الحرب.. صانعو المحتوى في غزة يروّضون أوجاعهم بالفكاهة

ستة نعوش.. وقلب أبٍ لا يتّسع للفقد.. رصد تفاعل مؤثر عبر مواقع التواصل الاجتماعي

خاص "نفِر من الموت إلى الموت".. شهادات بالدم يرويها ناجون من مجزرة النصيرات

حجم الخط
مجزرة النصيرات.jpg
غزة - فاتن الحميدي- وكالة سند للأنباء

مشهد مهول لا تسع السطور وصفه، ولا تنقذنا الكلمات من الهروب منه، سِعته ضيق، وضيقه قبر ضم فيه 274 شهيداً في مجزرة مروعة في سوق مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، الذي يضم بين جنباته عشرات آلاف السكان والنازحين اختصروا ما حدث بقولهم: "القيامة قامت في لحظة"..

صوتان لا ثالث لهما "القصف، والصراخ"، مشهد تلوَّن بالدم، انهالت الصواريخ والأحزمة النارية على المدنيين، وحاصرت الدبابات جنبات المخيم شرقاً وغرباً، وسط تغطيةٍ مدفعية على طول شريط شارع صلاح الدين باستهداف على مدخل كلٍ من منطقة دير البلح، الزوايدة، المغازي، النصيرات والبريج، ومحاصرة مَن فيهن وسط القطاع، أما البوارج البحرية فكان لها شأن آخر غرباً"، وتكررت مشاهد النزوح من جديد تحت حر الصيف والظهيرة وحرارة نيران الاحتلال.

شهادات مروعة.. "نجونا من الموت"

وتحت ناظر مراسلي "وكالة سند للأنباء" شهادات لأطفال كانوا يشترون الخبز، وآخرون يتجولون في السوق بحثاً عن قوت يوم، والمئات ممّن هُم في بيوتهم يلتفون بالستر والهدوء في هذا العدوان، حتى باغتتهم سيارة مدنية وشاحنة للمساعدات على متنها قوة إسرائيلية خاصة متنكرة بزي مدنيين نازحين تتسلل خلسة بين الأبرياء، لتدمر مربعاً كاملاً مكتظاً وتقصف 89 منزلاً ومبنى سكنيا مأهولا بالسكان خلال ارتكاب مجزرة النصيرات مقابل 4 من الأسرى الإسرائيليين.

وفي إطار متابعة "وكالة سند للأنباء" للمجزرة المروعة وسط القطاع، وثقت شهادات الناجين والنازحين الذين نفدوا بروحهم وأعادونا إلى الليلة السابقة لما قبل المجزرة.

تصف الشابة رولا عليوة أحد النازحين من مدينة غزة إلى مخيم النصيرات، هول الليلة السابقة لمجزرة المخيم، بأنها ليل تحول إلى نهار فجأة، ورعب انتشر في الطرقات.

تقول "عليوة" شرعت آليات الاحتلال ليلة الجمعة- السبت باستهداف كثيف شرق مدينة النصيرات وسط تطاير للقذائف بصوتها المفزع وتصفيرتها المرعبة، كذلك الحال شرق المحافظة الوسطى بأكملها، حتى ظننا أننا لن نبيت الليلة في خيمتنا، وهذا الصوت كنا نسمعه عند الدخول البري للوسطى سابقاً".

وتضيف، استمرت الآليات بقصفها حتى ساعات الصباح التي اشتدت فيه الاستهدافات، "وفجأة إذا بالصواريخ تتطاير من فوق رؤوسنا والأحزمة النارية تشتد، وطائرات الكواد كابتر والأباتشي تُطلق نيرانها على كل مَن يتواجد في المكان، دون أن نعرف لماذا"!

وبصدمة عارمة تقول، "اقتربت منا حلقة النيران وبدأنا بالنزوح من جديد في محاولة لإنقاذ أرواحنا دون أن نعرف لماذا، متجيهن إلى أي منطقة أبعد لنحتمي من الموت، تحت أزيز الرصاص وبين دخان الركام وقذائف المدفعيات، وأُعيدت أمامنا مشاهد النزوح من جديد بتعب ورعب وقسوة".

وتتابع بذهول:" رأينا أشلاء، وأجساد مقطعة، وأمعاء خارج أجساد أصحابها، لا نستطيع المساعدة، ولا سيارات إسعاف تستطيع الاقتراب من المكان، والطرق مُكسَّرة، وكأنه يوم القيامة"..

"تعبت يا الله"..

واستكمالاً لما سبق، وثقت مقاطع فيديو اللحظات الأولى لتساقط الصواريخ والأحزمة النارية والقذائف المدفعية بالإضافة إلى أزيز الرصاص المتواصل من الطائرات على المخيم، في محاولة لتغطية حدثٍ كبير وسطه انتهى بمقتل ضابط إسرائيلي وتحرير 4 رهائن إسرائيليين، مقابل 274 شهيداً وما يقارب 700 جريح.

أما الكاتبة آلاء القطراوي، وصفت ما حدث في مخيمها وأمام منزلها بكلمات خطتها على صفحتها الشخصية في فيسبوك قائلةً: "حرقوا السماء من فوقنا والأرض من تحتنا، كان الدخان يملأ كل ذرات الهواء من حولي، صوت أخي يخترق الغبار الكثيف وهو يصرخ عليّ بأن أسرع لنغادر، ذهبت لأحضر حقيبتي الصغيرة التي تحوي هوّيتي الشخصية، لأنني لا أريد أن يضيع اسمي أو أن أتحول إلى مجهولة هوية في هذا الموت الجماعيّ، فأنا أحب اسمي وأحب تاريخ حياتي الصغير والذي يشبهني كثيرا وأحب قصائدي وابتهالاتي وروحي التي تحبّ الله والسماء كثيراً"..

وتُتابع: "أخذت الحقيبة بينما أخرج تذكرت ملف شهاداتي الجامعية في حقيبة اللاب توب، تلك الشهادات التي استغرقت مني 10 سنوات متواصلة من الدراسة والتعب الحثيث والسهر والمكابدة، يصرخ شقيقي عليّ أن أسرع، إلا أنني شعرت بقوة ما وصرخت بأنني لن أخرج من البيت بثياب الصلاة أريد ارتداء عباءتي التي أحبها وإذا كنت سأموت فإنني أفضّل الموت في البيت على الشارع".

وتكمل: "ارتديت عباءتي ولففت شالتي التي من نفس لونها وثبّتُّ دبابيسها بعناية ووضعت حقيبة شهاداتي على ظهري وحقيبة صغيرة على كتفي ونزلت الدرج وأنا أسمع الصواريخ تقتات أعمارنا بصوتٍ عالٍ، حين وصلت إلى الباب وجدت الناس يهربون في كل اتجاه، وقبل أن أسأل بيأس: إلى أين سنذهب؟، قلت : أنا تعبت يا الله، تعبت والله، تعبت ".."كُله مهدد.. وين نروح؟".

ووثقت عدسات الكاميرات مشاهد النزوح وصراخ الأطفال، من بينهم طفل كان يقود دراجته الصغيرة مع صديقه الذي باغتت جسده الهزيل طائرة الأباتشي وقتلته برصاصة غادرة.

أما السيد إياد عبد الله، ينقل ما حدث قائلاً، "كنا متواجدين في السوق حتى باغتتنا دبابات الاحتلال من محطة أبو عاصي للغاز، ودخلت إلى وسط المخيم مطلقة قذائفها ونيرانها بتغطية ناريةً كثيفة".

ويتابع: "بدأتُ بنقل المتواجدين في المكان على عربتي التي يجرها حصان للابتعاد عن مكان المجزرة والحفاظ على أرواحنا، حتى توجهنا إلى محيط مستشفى شهداء الأقصى، والذي وجدناه مهدداً بقصف خيمةٍ داخله، هربنا من الموت إلى الموت، وكالعادة السؤال الذي يطرح نفسه ويُهلكنا "وين بدنا نروح؟".