كذبت أوساط في الأمم المتحدة ووسائل إعلام دولية، مزاعم جيش الاحتلال الإسرائيلي بشأن التزامه ب"التوقف التكتيكي" لهجماته منذ ثلاثة أيام على الطريق الواصل من منطقة "كرم أبو سالم" إلى شارع صلاح الدين وشماله لأغراض إنسانية.
وصرح فيليب لازاريني، مدير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بأن الهجمات الإسرائيلية مستمرة ولم تنعكس أي تغييرات على الأرض في غزة، بعد أن أعلنت إسرائيل عن "وقفات تكتيكية" على طول طريق في رفح.
زعم جيش الاحتلال بأن الوقفات تهدف إلى السماح بدخول المزيد من المساعدات عبر طريق محدد مسبقا إلى الجنوب.
لكن الجيش تراجع في وقت لاحق، بعد تعرضه لضغوط من الحكومة، قائلا إن العمليات في رفح، المركز الرئيسي لعملياته في جنوب غزة، لن تتوقف.
وانتقدت الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحلفاؤه اليمينيين المتطرفين، وزير المالية بتسلئيل سموتريش ووزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، هذا التوقف.
كذبة إسرائيلية
أكد موقع Middle East Eye البريطاني أن الحديث عن "وقفات تكتيكية" هو "كذبة إسرائيلية" لتجميل القيود المستمرة على إدخال الإمدادات الإنسانية.
وأبرز الموقع إضرام قوات الاحتلال الإسرائيلي، صباح يوم الاثنين، النار في صالة المغادرة على معبر رفح الواصل بين قطاع غزة ومصر.
وقال الموقع إن الأضرار التي لحقت بالمعبر، وهو نقطة الخروج غير الإسرائيلية الوحيدة للفلسطينيين مع العالم الخارجي، قد تجعله غير صالح للعمل في المستقبل القريب، مما يترك سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة محاصرين داخله.
وشدد على أن غزو رفح والاستيلاء على المعبر مع مصر سبباً في تعميق الأزمة الإنسانية المحفوفة بالمخاطر بالفعل، مع إغلاق طرق المساعدات الحيوية عبر معبري رفح وكرم أبو سالم.
وقد دعا المكتب الإعلامي لحكومة غزة إلى فتح المعابر مع غزة بشكل عاجل للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في شمال القطاع.
استمرار العوائق
قال المتحدث باسم منظمة اليونيسيف "جيمس إلدر" - الموجود حاليا في غزة - إن إحدى شاحنات الوكالة التي تحمل الأدوية ومستلزمات التغذية لعشرة آلاف طفل في غزة، عادت أدراجها قبل أيام على الرغم من حصولها على الموافقات اللازمة.
وصرح "إلدر" بأن فريق اليونيسف احتُجز لمدة ثماني ساعات عند نقاط التفتيش، وقد استغرق الأمر 13 ساعة للتحرك مسافة 40 كيلومترا فقط.
وقال برنامج الأغذية العالمي إنه يخشى برنامج الأغذية العالمي أن يشهد جنوب غزة قريبا نفس المستويات الكارثية للجوع التي تم تسجيلها سابقا في المناطق الشمالية.
وشدد البرنامج على ضرورة استمرار التحسن في تقديم المساعدات في شمال قطاع غزة وتوسيع نطاقها لضمان إمدادات الأغذية الطازجة، مضيفا أن الوصول إلى المياه النظيفة والرعاية الصحية والوقود اللازم للمخابز والإمدادات الطبية ضروري أيضا لتحقيق أمن غذائي مستقر.
مطالب أممية برفع كافة القيود الإسرائيلية
أكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنه يجب تسهيل عمليات الإغاثة بشكل كامل، ورفع كافة العوائق، حيث لا تزال الأسر النازحة تواجه ظروفا مزرية وتحديات كبيرة في الوصول إلى الخدمات الأساسية.
وقال نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق خلال مؤتمر صحفي عقد في نيويورك "إن عمليات توزيع المواد الغذائية غير منتظمة وقد أبلغ السكان عن مجموعة من المشكلات الصحية مثل التهاب الكبد الوبائي، والأمراض الجلدية، وأمراض الجهاز التنفسي. كما أن الوصول إلى المياه منخفض للغاية".
وأفاد شركاء الأمم المتحدة على الأرض أن التكثيف الأخير للعمليات العسكرية أدى إلى خسائر إضافية في أصول المياه والصرف الصحي الرئيسية، بما في ذلك خمسة آبار مياه في جباليا في الشمال، وكذلك في آبار مياه ومحطات تحلية المياه في رفح في جنوب القطاع.
وقدّروا أن أكثر من ثلثي مرافق المياه والصرف الصحي والبنية التحتية في غزة قد دمرت أو تضررت بسبب النزاع خلال الأشهر الثمانية الماضية.
المدنيون يكافحون في مواجهة المجاعة
أكد موقع Middle East Eye أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يقيّد المواد الغذائية المنقذة للحياة، خاصة في شمال قطاع غزة، مما يعيد شبح المجاعة من جديد في وقت تكافح الأمهات من أجل إطعام أطفالهن مع تصاعد التحذيرات من شبح المجاعة.
وأبرز الموقع فرض جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ أكثر من ثمانية أشهر، حصارًا مشددًا على قطاع غزة، مما حد بشدة من تدفق المواد الغذائية والطبية الأساسية المنقذة للحياة.
وكان الحصار أكثر صرامة على شمال غزة، وهي المنطقة التي حاول الاحتلال الإسرائيلي إفراغها من سكانها الذين يزيد عددهم عن مليون نسمة في بداية حرب الإبادة في أكتوبر/تشرين الأول.
وعلى الرغم من الدمار والقتل واسع النطاق الذي ترك المنطقة في جحيم لا يمكن العيش فيه، رفض مئات الآلاف من الفلسطينيين مغادرة المنطقة.
وإلى جانب القصف المستمر والاستهداف المتعمد للمستشفيات، استخدم الجيش الإسرائيلي تجويع السكان كسلاح حرب، وفقًا لمحققين مستقلين تابعين للأمم المتحدة.
وبلغت أزمة الجوع ذروتها في شهر مارس/آذار، حيث استشهد عشرات الأطفال بسبب سوء التغذية وقتل قوات الاحتلال بشكل متكرر طالبي المساعدة.
"المجاعة وشيكة"
في ظل ضغوط دولية متزايدة، قامت
إسرائيل" بشكل طفيف بتحسين إمكانية الوصول إلى الغذاء في بعض المناطق بعد أن قتلت قواتها العديد من عمال الإغاثة الأجانب وحذر تقرير مدعوم من الأمم المتحدة من أن المجاعة وشيكة.
لكن الآن، تقوم السلطات الإسرائيلية مرة أخرى بتقييد عمليات توصيل المواد الغذائية المنقذة للحياة، وفقًا للموقع البريطاني الذي حذر من أن أزمة الجوع الثانية جارية في ظروف أكثر قسوة وبتغطية إعلامية أقل.
ووفقاً للدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان، فإن أكثر من 200 ألف طفل فلسطيني ظهرت عليهم أعراض سوء التغذية في شمال غزة.
وحذر أبو صفية من أن المجاعة تلوح في الأفق، مما يهدد بـ “كارثة إنسانية” في غزة.
فالمواد الأساسية نادرة في الأسواق، وعندما تتوفر، غالباً ما تباع بأسعار باهظة.
وفي حين أن أزمة الجوع هي الأكثر حدة في الشمال، إلا أنها أثرت على قطاع غزة بأكمله.
توفي يوم الجمعة الطفل مصطفى حجازي (10 أعوام) في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح متأثرا بسوء التغذية.
وهو واحد من 32 طفلاً على الأقل ماتوا بسبب سوء التغذية خلال حرب الإبادة الجماعية.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قال تيدروس أدهانوم غيبريسوس، رئيس منظمة الصحة العالمية، إن نسبة كبيرة من سكان غزة يواجهون "جوعًا كارثيًا وظروفًا شبيهة بالمجاعة".
وأضاف: "على الرغم من التقارير التي تفيد بزيادة توصيل المواد الغذائية، لا يوجد حاليًا أي دليل على أن الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها يتلقون كمية ونوعية كافية من الغذاء".
وكان قطاع غزة يحتاج إلى ما لا يقل عن 500 شاحنة محملة بالكامل بالمساعدات والسلع التجارية يومياً في ظروف ما قبل حرب الإبادة الإسرائيلية.
ويخشى الفلسطينيون في غزة أن تكون أزمة الجوع هذه المرة أسوأ مما كانت عليه في وقت سابق من هذا العام.
وذلك لأن معبر رفح مع مصر، وهو طريق حيوي للمساعدات، قد تم الاستيلاء عليه وإغلاقه من قبل الجيش الإسرائيلي في أوائل شهر مايو.
ويعود السبب أيضًا إلى أن الجيش الإسرائيلي دمر المزيد من مراكز توزيع المساعدات في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك في مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة.