وصف خبير دولي ما يجرى في قطاع غزة بأنه يعبر عن "المأساة المطلقة" لحصيلة الضحايا المدنيين في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ عشرة أشهر، والتوقعات بحصيلة مروعة ودامية للشهداء سواء بشكل مباشر للهجمات العسكرية أو غير مباشرة لإجراءات التجويع ونشر الأوبئة والأمراض.
ويقول جان فرانسوا كورتي، وهو طبيب إنساني ورئيس منظمة أطباء العالم غير الحكومية: "إن التوقعات بوصول حصيلة الضحايا إلى نحو 186 ألف شهيد والتي وردت في مجلة (لانسيت) الطبية، تتوافق مع الوضع الصحي والعسكري والجيوسياسي بسبب الحصار البحري والجوي والبري المفروض على قطاع غزة. وهذا التقدير يعكس بشكل حقيقي المأساة المطلقة التي يعيشها السكان على الأرض".
وبحسب "رسالة" نشرت على موقع مجلة "لانسيت" الطبية البريطانية، فإن "186 ألف شهيد أو حتى أكثر من ذلك يمكن أن يعزى إلى الحرب الإسرائيلية في غزة".
وبناء على " تقدير عدد سكان قطاع غزة بحلول عام 2022 بـ 2,375,259 نسمة، فإن هذا سيمثل 7.9% من إجمالي السكان في قطاع غزة"، يكتب مؤلفو هذه الرسالة المنشورة في قسم "المراسلات" على الموقع الإلكتروني.
وهذه الأرقام أعلى بشكل كبير من حصيلة الشهداء البالغة 38345 والتي أعلنتها وزارة الصحة في غزة يوم الخميس 11 يوليو/تموز، والتي تنشر أرقاما يومية منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية.
خبراء دوليون توقعوا الحصيلة
شارك في كتابة هذه الرسالة رشا الخطيب، الباحثة في معهد أبحاث أورورا في الولايات المتحدة ومعهد الصحة المجتمعية والعامة في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية المحتلة؛ ومارتن ماكي، أستاذ الصحة العامة الأوروبية في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي وعضو اللجنة الاستشارية الدولية للمعهد الوطني الإسرائيلي لسياسة الصحة وأبحاث الخدمات الصحية وسليم يوسف، أستاذ الطب المتميز في جامعة ماكماستر وهاملتون للعلوم الصحية في كندا.
وعلى الرغم من أنها ليست تقريرًا أو دراسة علمية، إلا أن هذه الرسالة، التي تتضمن عددًا تقديريًا للوفيات المباشرة وغير المباشرة نتيجة للحرب الإسرائيلية، تصدرت عناوين الأخبار العالمية.
ويكتب المؤلفون المشاركون أنهم انطلقوا من المبدأ القائل بأن "الصراعات المسلحة لها آثار صحية غير مباشرة تتجاوز الضرر المباشر الناجم عن العنف" للوصول إلى حصيلة الضحايا البالغة 186 ألف شخص.
ولذلك فقد طبقوا "تقديراً متحفظاً" بأربع وفيات غير مباشرة لكل وفاة مباشرة، واستندوا في حساباتهم إلى الرقم 37396 حالة وفاة سجلتها وزارة الصحة في غزة في التاسع عشر من يونيو/حزيران ـ
ويكتب المؤلفون المشاركون أنه من الصعب جمع أرقام دقيقة بسبب الصعوبات التي يواجهونها في إجراء التقييمات اليومية على الأرض.
وللتوصل إلى تقديرهم لـ "أربعة وفيات غير مباشرة لكل وفاة مباشرة واحدة"، اعتمد المؤلفون المشاركون على تقرير نشرته أمانة إعلان جنيف بشأن العنف المسلح والتنمية في عام 2008.
وينص التقرير على أنه في المناطق التي تشهد صراعات مسلحة "تظهر الدراسات أن عدد الأشخاص الذين يموتون بشكل غير مباشر يتراوح بين ثلاثة وخمسة عشر ضعفًا لكل شخص يموت بعنف".
وقد قوبلت حصيلة ال مجلة بتشكيك وهجوم إسرائيلي. وذكرت صحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية أن "المنصة التي وفرتها مجلة لانسيت المرموقة أعطت الرسالة "جوًا موثوقًا به. وهذا دفع المستخدمين المناهضين لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي إلى نشر التشهير الجديد بشكل جماعي".
ومع ذلك، فإن الرسالة، التي التقطتها العديد من وسائل الإعلام الدولية، لاقت ترحيبا كبيرا وتم تداولها على نطاق واسع للتعبير عن الدعم لسكان غزة والدعوة إلى إنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
على سبيل المثال، شاركت فرانسيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية ، الفيديو على حسابها على موقع X كدليل على ما وصفته بـ "9 أشهر من الإبادة الجماعية" التي تجري في غزة.
تقديرات "معقولة" بحسب أطباء العالم
ومن المؤكد أن بعض المنظمات غير الحكومية العاملة في الأراضي الفلسطينية تشعر بأن التقديرات الواردة في هذه الرسالة جديرة بالثقة.
يقول جان فرانسوا كورتي "لقد قلت منذ نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول إن الأرقام التي يتم طرحها أقل من الواقع، في سياق يحيط فيه قدر كبير من الدعاية بعدد الضحايا، كما هي الحال في العديد من الصراعات وليس في غزة فقط".
ويضيف "منذ بداية الجدل حول أرقام وزارة الصحة في غزة، قلت إنها ربما تكون خاطئة، ولكن لأن أرقامها أقل من الواقع".
ويؤكد كورتي أن أرقام وزارة الصحة في غزة تأخذ في الاعتبار الضحايا الذين تم تحديدهم ووصولوهم إلى المستشفيات "دون الأخذ في الاعتبار جميع الضحايا الذين تركوا تحت أنقاض القصف، أو الضحايا غير المباشرين الذين ماتوا بسبب نقص الرعاية أو الوصول إلى الرعاية، أو من نقلهم إلى مركز صحي".
ويشير رئيس منظمة أطباء العالم ـالتي لديها حالياً فريق مكون من نحو 50 شخصاً في دير البلح، وسط قطاع غزة ــ إلى أن هناك 35 مستشفى عاملاً في غزة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، "بمستوى جيد من الرعاية الطبية وعشرات، إن لم يكن مئات، من المراكز الصحية المحلية".
ويقول "لكن اليوم، لم تعد أغلب هذه المستشفيات صالحة للعمل، ولم يتبق منها سوى خمسة إلى عشرة مستشفيات فقط، وهي مكتظة بالمرضى، وهي لا تستقبل المرضى فحسب، بل تؤوي أيضاً أسر النازحين، وقد نفد منها كل شيء ــ الوقود لمولداتها، والأدوية، والمعدات الطبية والجراحية".
ويخلص كورتي إلى القول: "إذا أضفنا أولئك الذين من المرجح أن يموتوا بسبب سوء التغذية أو نتيجة للجروح التي أصيبوا بها نتيجة للقصف الإسرائيلي في الأسابيع والأشهر المقبلة، بسبب مخاطر العدوى الإضافية ولأن أمراضهم سوف يتم علاجها في وقت متأخر، فإن الرقم 186 ألف حالة وفاة المذكور في مجلة "لانسيت" هو رقم معقول".