"العمل الحر عن بُعد".. كان بوابة قطاع غزة مع العالم الخارجي في محاولة للقضاء على نسب البطالة المرتفعة، وتشبيك العلاقات لأجل الحصول على فرص عمل تلبي حاجة الفرد من بين عشرات الاحتياجات في القطاع، ولكن كان للحرب على غزة رأيٌ آخر.
"توقفت محطة عملي"..
"الحرب وما أدراك ما الحرب.. هُنا توقفت محطة عملي"، الشابة حنان عقيلان (27 عاماً)، لم تترك لها الحرب مجالاً لاستكمال عملها الذي شرعت به قبل الحرب بيوم في السادس من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، فسرعان ما أوصدت الأبواب أمامها وأعادتها إلى نقطة البداية من جديد.
تقول "عقيلان" في حديثها لمراسلة "وكالة سند للأنباء"، "قبل الحرب بيوم كنت في مقابلة مع إحدى الشركات السعودية وتم الاتفاق على العمل وطُلب مني خلال المقابلة عمل اختبار لبعض التصاميم، وكان من المفترض تسليم الاختبار في الأيام التي قامت بها الحرب".
وتتابع بنبرة حزينة: "تم إلغاء العقد لعدم تواصلي مع الجهة العاقدة وانقطاع الإنترنت من منطقتنا ثالث أيام الحرب".
ليس هذا فحسب، بل كانت "عقيلان" إحدى الناشطين في العمل بالقطعة على موقع "خمسات"، إلا أنه توقف طيلة أيام الحرب نظراً لطلب العملاء السرعة في إنجاز المواد.
أصبحنا نتمنى يوماً طبيعياً..
تفاصيل سابقة أصبحت أمنيات "حنان" في وقتنا الحالي، تسردها لنا قائلةً: "كنت أنجز عملي قبل الحرب في يوم واحد، سواء كانت تصاميم أو موشن جرافيك أو مونتاج".
وتضيف أن الكهرباء كانت متوفرة 24 ساعة، كذلك الإنترنت متوفر بأعلى سرعة لرفع الملفات والتحميل.
"الكابوس الذي لا نستطيع الاستيقاظ منه، دمر أحلامنا وطموحاتنا"، بهذه الكلمات تعبر "عقيلان" عن مأساتها المتكررة في العمل، وهي واحد من عدة مآسي أبرزها استشهاد أخيها المقرب، ونزوحهم من شمال إلى القطاع إلى جنوبه، والعيش بين خيام النازحين.
وبصوت متحشرج ونبرة طَموحٍ هدّت الحرب آماله، تردف "من أول يوم في الحرب اعتذرت لجميع عملائي بعدم مقدرتي على العمل، ومن هنا كانت بداية تحطيم آمالي، كنت أرسل الرسالة للعميل بالاعتذار، وقلبي يعتصر ألماً من فقدان ما بنيته في السنوات الماضية.
العمل وسط الجوع والنزوح..
وتستمر المأساة في الحصول على عمل أكثر شمال قطاع غزة، كحال الشابة سندس أبو كرش التي لا زالت تصارع حرب مدينة غزة ومرارة النزوح والجوع؛ لأجل التمسك بعملها الذي يُعد مصدر الدخل الوحيد لها.
توضح "أبو كرش" لـ "وكالة سند للأنباء"، أن أزمة توقف عملها بدأت مع انقطاع الإنترنت عن مدينة غزة خلال الأيام الأولى للحرب، لكن ما عايشته ضيفتنا من النزوح المتكرر والفقد المستمر، جعل عودتها للعمل أمراً صعباً، ما فاقمه فقدها جهاز اللابتوب الذي كان يسهل جزء كبير من عملها.
وتضعنا "سندس" في صورة بعض التحديات التي واجهتها وحاولت التغلب عليها، مثل انقطاع الإنترنت، وذلك بحصولها على شريحة إلكترونية -ورغم بعض عيوبها- إلا أنها تقوم بشحنها بشكل متكرر، للحفاظ على استمرارية العمل.
أما عن أزمة شحن الجوال وتوفير الكهرباء، تصف لما "سندس" ذلك بـ "الصعب للغاية"، مضيفةً "نحن في غزة نعتمد بشكل كبير على ألواح الطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء والتي أصبح سعرها مرتفع جدًا، كونها المصدر الوحيد لدينا مع وقف شركة الكهرباء وتدمير البنية التحتية للمدينة".
ولا تزال مدينة غزة منطقة يسميها الاحتلال "منطقة قتال خطيرة"، فإن ضيفتنا تعاني قسوة النزوح المستمر وهذا ما يزيد من معاناتها، "فالنزوح يعني أن نترك كل أحلامنا وأمنياتنا كي ننجو بأرواحنا من الموت".
هل من مساحة آمنة؟..
وتقدم فلسطينية أخرى من غزة هي بشرى جودة خدمات الترجمة والتدقيق اللغوي باللغة الإنجليزية عن بعد قبل أن تعطل الحرب مسيرتها المهنية.
وتلفت "بشرى" في حديثها إلى أنها تضطر إلى قطع مسافات طويلة بين مكان نزوحها في خان يونس وبيت أصدقاء لها في رفح، حتى يتسنى لها الاتصال بالإنترنت المنزلي الأفضل حالا من شبكات شركات الاتصالات، قبل أن تنزح مجددا إلى المحافظة الوسطى.
وبعد جهود مضنية في البحث عن مساحة عمل آمنة، تمكنت "جودة" من العثور على مقهى، يوفر اتصالا بالإنترنت وبطاريات طاقة شمسية لشحن الهواتف وأجهزة الكومبيوتر مقابل عشرة شواكل (نحو ثلاثة دولارات) في الساعة الواحدة.
ولا زالت حرب قطاع غزة ماضية في يومها الـ 291، وسط تدمير لكل ما يعج بالحياة والأمل، وتحطيم للشجر والحجر والبشر، في انتهاك صارخ لا يسمعه أحد.