مع بزوج فجر موت جديد لا يعرف للحياة طريقا بقطاع غزة، ووسط رحلة البحث عن النجاة المتواصلة منذ بدء هذه الإبادة الجماعية، تشهد مراكز الإيواء مأساة إنسانية متكررة، شعارها الفقد والقهر المنتشر بين كل زقاق، وفي كل ممر، ليضع البؤس بصمته الخاصة التي تخيم على كل مجزرة بحق النازحين في مدارس الإيواء، الذين باتوا بمرمى الاستهداف الإسرائيلي.
وفي وقت تكون فيه ركعتان بمثابة الدنيا وما فيها، حيثُ التفاف مئات المصلين بمدرسة التابعين بحي الدرج وسط قطاع غزة، وأداء صلاة الجماعة، والدعاء الذي يُبتهل إلى الله، والرجاء برفع الكرب والغمة، كانت المجزرة الإسرائيلية المروعة فجر اليوم.
فاستيقظت مدينة على غزة على فاجعة استشهاد 100 فلسطيني وإصابة العشرات بمدرسة "التابعين" بحي الدرج وسط قطاع غزة ، بعد قصفهم بـ 3 صواريخ تزامنت مع أدائهم صلاة الفجر بمصلى المدرسة، في جريمة جديدة مروعة، شاهدة على غدر الاستهداف الإسرائيلي المتواصل بحق المدنيين والنازحين بمراكز الإيواء.
نيران لم تجد لها ملاذا لتشتعل بها إلا أجساد المصلين والنازحين، وجثامين ملقاء على الأرض، وأشلاء مقطعة، ودماء وضحايا متناثرة في كل مكان، وثقتها المشاهد المصورة لهذه الجريمة المروعة التي أدت لاستشهاد 90% من النازحين بالمدرسة وفقا للدفاع المدني.
مجزرة كارثية
"من هول المذبحة وأعداد الشهداء الكبيرة، لم تتمكن الطواقم الطبية وفرق الإنقاذ من انتشال جثامين جميع الشهداء حتى الآن" صرح المكتب الإعلامي الحكومي.
وقال مدير مستشفى المعمداني، إن أغلب حالات الجرحى التي استقبلناها بمصابة بحروق كاملة وبتر في الأعضاء، وهناك جرحى استقبلناهم استشهدوا على طاولات الجراحة بسبب نقص التجهيزات الطبية.
ومن حيث حجم الكارثة لمجزرة مدرسة "التابعين"، فقال الدفاع المدني الفلسطيني إنها تعد المجزرة الثالثة الأكثر كارثية بعد مجزرتي مستشفى "المعمداني"، ومحرقة الخيام بمواصي خانيونس.
وتأوي مدرسة التابعين 350 عائلة، وتتبع إداريا لمركز الدعوة والتبليغ، وتتعامل معها مؤسسات دولية، واستقبلت مؤخرا عشرات النازحين من بيت حانون شمال القطاع، بعدما أجبرهم الاحتلال لترك منازلهم تجاه المنطقة التي يدعي أنها آمنة.
وجرى الاستهداف لمصلى المدرسة الذي يتكون من طابقين، أثناء تأدية صلاة الفجر تماماً، والطابق الثاني للمصلى يأوي فقط نساء وأطفالا.
ووفق جهاز الدفاع المدني، فإن الاحتلال استخدم صواريخ أمريكية الصنع تطلع درجات حرارة عالية تصل إلى ٧ آلاف درجة مئوية تتسبب في ذوبان الجثث واشتعال النيران.
وجميع الشهداء أشلاء متناثرة، وغالبية الإصابات في المناطق العلوية الرأس والصدر، ومصابة بحروق من الدرجتين الأولى والثانية، إضافة لبتر في الأطراف، وفق إدارة مستشفى المعمداني.
وهذه ليست المدرسة الوحيدة المستهدفة خلال الأيام القليلة الماضية، فتم استهدف 5 مدارس شمال غزة خلال الأسبوع الماضي، وتم استهداف 13 مركزا لإيواء النازحين منذ بداية الشهر الحالي، بحسب جهاز الدفاع المدني.
تنديدات وإدانات فصائلية
تنديدات وإدانات واسعة عقبت المجزرة المروعة بمدرسة التابعين، واعتبرتها الفصائل الفلسطينية في بيانات منفصلة لها تابعتها "وكالة سند للأنباء"، "تصعيدًا خطيرًا في سلسلة الجرائم التي ينفذها الاحتلال ضد المدنيين العزل.
وقالت حركة "حماس" إن مجزرة مدرسة التابعين بحي الدرج وسط مدينة غزة، تأكيد واضح على استمرار الحكومة الإسرائيلية في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، مضيفةً أن جيش الاحتلال يختلق الذرائع لاستهداف المدنيين، والمدارس، والمستشفيات، وخيام النازحين، وهي ذرائع واهية وأكاذيب مفضوحة لتبرير جرائمه.
من جهتها، صرحت حركة "فتح"، أن المجزرة الدمويّة التي ارتكبها الاحتلال بمدرسة التابعين، تمثل ذروة الإرهاب والإجرام لدى حكومة الاحتلال الفاشية، مشددة على أن حكومة الاحتلال بارتكابها لهذه المجازر، تؤكد بلا شك مساعيها لإبادة الشعب الفلسطيني عبر سياسة القتل التراكمي والمجازر الجماعية التي تروع الضمائر الحية.
بدورها، اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي استهداف مصلى مدرسة التابعين "جريمة حرب مكتملة الأركان"، لافتةً أن اختيار الاحتلال توقيت صلاة الفجر لتنفيذ هذه المجزرة يؤكد نيته إيقاع أكبر عدد ممكن من الشهداء بين صفوف المدنيين، بما فيهم الأطفال وكبار السن.
من ناحيتها، شددت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين على أن حكومة اليمين الفاشي بإسرائيل لم تكن لتتمكن من ارتكاب هذه المجزرة ومواصلة جرائمها لولا الغطائين السياسي والعسكري الذين توفرهما الولايات المتحدة الأميركية، والصمت العربي والدولي إزاء تلك الجرائم.
إلى جانبها، أكدت لجان المقاومة الشعبية بفلسطين أن "هذه المجزرة تمثل فصلًا جديدًا من فصول جرائم الحرب التي ينفذها العدو المجرم وقادته النازيين في غزة بهدف إبادة وذبح المدنيين العزل لاقتلاعهم وتهجيرهم من أرضهم".
سياسة إسرائيلية ممنهجة ومتصاعدة
وصعّد الاحتلال في الآونة الأخيرة من استهدافه الإجرامي، لمدارس ومراكز الإيواء التي تضم آلاف العائلات الفلسطينية بقطاع غزة، بعد أن دُمرت منازلهم وأحياؤهم، واضطروا على النزوح تحت النار إليها، ظنًا منهم أنها آمنة.
وقبل يومين، قال المكتب الإعلامي الحكومي في بيان له إن الاحتلال استهدف منذ بدء الإبادة الجماعية بقطاع غزة أكثر من 174 مدرسة ومركز إيواء، بعضها مدارس حكومية، وأخرى تابعة لـ "أونروا"، وتجاوز عدد الشهداء في تلك المجازر 1050 شهيداً.
وخلال 8 أيام فقط قصف الطائرات الإسرائيلية بكل مباشر 9 مدارس تستخدم مراكز إيواء لآلاف النازحين في مدينة غزة، وتدميرها على رؤوس من فيها، بحسب توثيق المرصد الأورمتوسطي لحقوق الإنسان في بيان نشره أمس الجمعة.
وأشار "الأورومتوسطي" إلى أن هذه الاستهدافات أدت لاستشهاد 97 فلسطينيًّا، وإصابة 143 آخرين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إلى جانب فقدان آخرين تحت الأنقاض ويتعذر انتشالهم لعدم وجود معدات مناسبة لطواقم الإنقاذ.
فعصر الخميس، 8 أغسطس/ آب الحالي، قصفت الطائرات الإسرائيلية مدرستي "عبد الفتاح حمودة" و"الزهراء" في حي "التفاح" شرقي مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد 17 مدنيًّا، وفقدان 16 آخرين، وإصابة العشرات، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء.
والأحد الماضي، 4 أغسطس/آب، استهدفت طائرات الاحتلال مدرستي "النصر" و"حسن سلامة" في مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد 30 فلسطينيًّا، وإصابة 19 آخرين بجروح.
والسبت الماضي، 3 أغسطس/ آب، قصفت الطائرات الإسرائيلية تجمعًا من أربعة مدارس تستخدم مراكز إيواء في حي "الشيخ رضوان"، ما أدى إلى استشهاد 17 فلسطينيًّا، وإصابة 60 آخرين بجروح خطيرة.
وفي الأول من أغسطس/ آب الجاري، استهدفت طائرات الاحتلال مدرس "دلال المغربي" في حي "الشجاعية" شرقي غزة، ما أدى على استشهاد 15 فلسطينيًّا، وإصابة 29 آخرين بجروح.
وأوضح "الأورومتوسطي" أن قصف المدارس وتدميرها على رؤوس النازحين فيها لم يكن له أي مبرر فعلي، وغابت عنه الضرورة الحربية، رغم أن الجيش الإسرائيلي في كل مرة حاول تبرير القصف باستهداف أحد النشطاء العسكريين أو السياسيين، دون أن تثبت صحة هذا الادعاء.
وأكد أن التحقيقات الأولية التي أجراها فريقه الميداني تشير إلى تعمد الجيش تدمير ما تبقى من مراكز الإيواء لحرمان الفلسطينيين مما تبقى من أماكن قليلة تؤويهم بعد التدمير الممنهج للمنازل ومراكز الإيواء، بما فيها المدارس والمنشآت العامة طوال الأشهر الـ 10 الماضية.
وبيّن أن تتبع منهجية القصف الإسرائيلي يشير إلى وجود سياسة واضحة ترمي إلى نزع الأمان عن كل قطاع غزة وحرمان الفلسطينيين من الإيواء أو الاستقرار ولو لحظيًّا، من خلال استمرار القصف على امتداد القطاع، والتركيز على استهداف مراكز الإيواء.