أيُّ حرب هذه التي قد تسلب طفلاً مقدرته على الكلام، أو تربط لسان طفلٍ آخر عندما يرى والده ينزف وفي نزعه الأخير أمام عينيه؟ وكثيرٌ من حكايا مخبأة بين ضلوع أصحابها لا صريخهم يُسمَع، ولا مُصابُهم يُرى (..)
ما زالت الحرب الشعواء ماضية في يومها الـ 330، وقد تسببت بآلام لا تعد ولا تُحصى، كان إحداها سلب الأطفال مقدرتهم على النطق والكلام جراء الصدمات النفسية المتتالية؛ إلا أن مبادرة فردية جديدة نشأت في محاولة لتخفيف الألم ومعالجة هذه المشكلة.
علاج النطق ومشاكل الكلام، مبادرة ذاتية أنشأتها وقامت عليها الأخصائية شيرين البزم؛ نظراً للحاجة الماسة في ظل ما يعانيه الأطفال نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما سببته لهم من صدمات نفسية شديدة أثرت على حياتهم بشكل عام وعلى مهارات التواصل والنطق واللغة والكلام بشكل خاص.
"157 حالة والعشرات ينتظرون.."
وعن البدايات، تقول الأخصائية "البزم" لـ "وكالة سند للأنباء"، إنها أنشأت مبادرتها في مراكز الإيواء شمال قطاع غزة حيث تواجد الأطفال، وما يعانوه من مشاكل وظروف صعبة في هذه الأماكن، إذ شرعت في مركز إيواء مدرسة خليفة في مشروع بيت لاهيا، ومدرسة الفاخورة في مخيم جباليا شمال القطاع.
وتوضح "البزم" أن أكثر الأطفال مصابون بالتأتأة وعدم القدرة على الحديث بطلاقة؛ نتيجة الصدمات النفسية التي تعرضوا لها والمشاهد المروعة التي شاهدوها وما زالت أمام أنظارهم كل يوم.
تستهدف هذه المبادرة الأطفال من سن ثلاثة سنوات حتى 15 سنة، وسُجِّلت 85 حالة من داخل مركز الإيواء بمدرسة خليفة وخارجه، بينما ما زال العشرات على صفوف الانتظار، وفقاً لحديث "البزم".
وتزيد، تم تجديد المبادرة منذ أسبوعين في مدرسة الفاخورة بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، حيث سُجِّلت 72 حالة محتاجة لهذه المبادرة لمعالجة مشاكل النطق والكلام لدى الأطفال.
وتلفت ضيفتنا النظر إلى أن نسبة إصابة الأطفال بمشاكل النطق والكلام مرتفعة جداً، حيث بدأت بالتعامل مع أطفال يعانون من تأثيرات الحرب بشكل واضح، معظمهم ظهرت عليهم الصدمات النفسية، ما أثَّر على قدراتهم وتسبب لديهم بمشاكل مباشرة.
حصار الشمال..
أما حصار شمال قطاع غزة، والمجاعة التي فتكت بأجساد الأطفال، كان لها بالغ الأثر في التأثير المباشر على زعزعة نفسية الأطفال.
وتؤكد "البزم" أن الأغذية الصحية ومتطلبات الأطفال غير متواجدة من 10 أشهر، كذلك مشكلة المواصلات وصعوبة التنقل فاقمت الأزمة، ما يضطر الأطفال للسير مسافات طويلة للوصول إلى مكان العلاج، حتى ينتهي بهم المطاف بجسد هزيل مُنهَك لا يملك طاقة للعلاج.
وتتبع ضيفتنا عدة أساليب في معالجة أطفالها تبدأها بجلسات فردية للتفريغ النفسي؛ نظراً لاختلاف الحالات واختلاف الطرق العلاجية، ثم تنتقل لوضع خطة علاجية تناسب كل حالة.
وتمضي الأخصائية "البزم" بإمكانياتها المحدودة وأدوارها البسيطة في معالجة مشاكل النطق والكلام لدى الأطفال، مبينةً أن أدواتها لا تكفي ولا تراعي علاجهم.
وتستخدم البزم أدوات بسيطة مثل الشمع لتمارين النَّفَس، كذلك صفارات الأطفال، بينما تمتلك جهازاً لتحفيز عضلات اللسان.
قصص لم تُروَ..
وتروي ضيفتنا شهادات بعض حالات الأطفال التي فقدت القدرة على النطق؛ إثر صدمات نفسية ألمَّت بهم.
فهذا الطفل الصغير خالد الشمالي الذي لم يتجاوز عمره الثامنة، كان محاصراً رفقة عائلته في مدرسة الشيخ زايد من طائرات "كواد كابتر"، حيث أصيب والده على مدخل الفصل، وبقي ينزف حتى اليوم التالي، إلى أن استشهد أمام نظر طفله.
وبسبب الحصار المستمر اضطرت العائلة لكسر بلاط الصف ودفن جثة والدهم، إلى أن تمكنوا من الخروج بعد أسبوعين ودفنه في مكان آخر.
وأثَّرت هذه الحادثة على الطفل "خالد"، بفقده القدرة على الكلام، بعد أن كان طليقاً فصيحاً في سن مبكرة (..)
أما الطفل عبد الرحمن أبو عيدة، تعرض لموت مُحتّم وفقد والده وجميع أقاربه- من جهة الأب-، ثم خرج من تحت الركام صامتاً لا يقوى على الحديث بعد مصابه، وقد بدأ جلسات العلاج للتمكن من استعادة نطقه من جديد بعد هذه الصدمة.