في الوقت الذي تشهد فيه الخليل جنوب الضفة الغربية استنفارًا أمنيًا واسعًا بعد التفجير المزدوج الذي أصاب 3 جنود بينهم قائد لواء "عتصيون" في جيش الاحتلال، وقعت عملية إطلاق نار أخرى صباح اليوم الأحد أسفرت عن 3 قتلى جنود قرب حاجز عسكري غرب المدينة؛ في رسالة تحدٍ واضحة للأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية.
ونقلت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي عن مصدر عسكري كبير قوله أنّ منفذي عملية اليوم يمتلكون مستوى عال من القدرات، وأنهم نفذوا عملية إطلاق النار من مسافة كيلو متر واحد فقط قرب حاجز ترقوميا العسكري، وهذا يؤكد أن هناك خبرات كبيرة لافتة عند الشباب الفلسطيني، وفق مراقبين.
كما ذهبت وجهات نظر متابعين للشأن الفلسطيني، إلى أنّ عمليات المقاومة التي تشهدها الضفة هي رد فعل طبيعي على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة التي تنتهك حرمة الدم الفلسطيني والمقدسات والأرض.
الخليل تنخرط بفعالية أكبر..
وقال رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة، إن عمليات الخليل هي رد فعل طبيعي، "طالما هناك احتلال؛ فلا يمكن إلّا أن تكون المقاومة حاضرة بكل أشكالها في وجه الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية التي لا تتوقف".
وأوضح أبو سنينة في حديثٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" أنّ الاحتلال حوّل الخليل لسجن مفتوح، بعدما فرض عليها إجراءات مشددة وأغلق مداخلها، وهذه الظروف تعيشها مدن الضفة بشكل عام، نتيجة العدوان المتواصل منذ شهور، وتصاعد في الأيام الأخيرة الماضية.
ولفت أنّ الخليل مهيأة أكثر من أي وقت مضى لاندلاع انتفاضة حقيقية فيها، نظرا للتغول الإسرائيلي الاستيطاني المرعب في المدينة تحديدا البلدة القديمة ومحاولة السيطرة على المدينة القديمة.
هذه الأوضاع _ تبعًا لرأي رئيس البلدية_ أوجدت إحباطًا حقيقيًا لدى سكان الخليل من الوضع القائم، خاصة مع تمدد عملية التهويد والتي طالت السطو على مساجد جديدة في المدينة بعد إغلاقها.
واعتبر أنّ أعمال المقاومة بمنزلة استجابة حقيقية لما يحدث في الضفة وقطاع غزة من مجازر وحرب إبادة، مؤكدًا أنّ الخليل تنخرط دائما في المواجهة بفعالية كبيرة، ويكون اندفاعها أكبر.
الجنوب سيناريو مرعب
من جهته، قال الخبير في الشؤون العسكرية اللواء واصف عريقات، إنّ انخراط جنوب الضفة الغربية في المواجهة المباشرة والفعّالة يعد السيناريو الأكثر رعبًا للاحتلال، فعلى مدار الشهور الماضية كان الخوف من هذه العمليات ينتاب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وتحسب لصّدها حسابات دقيقة.
لكنّ عريقات يعتقد في حديثٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" أن هذا الانخراط كان متوقعًا أمام التغول الإسرائيلي في الدماء الفلسطينية خاصة مع تصاعد جرائم الاحتلال في مخيمات شمال الضفة في الأيام الأخيرة.
وأضاف أنّ الخليل دائما تراقب الأوضاع بشكلٍ حذر، وتنخرط بدافعية أكبر، وهذا ما يدركه الاحتلال وكان يخشى تمدده.
وعدّ اللواء واصف عريقات انخراط الخليل متغيرًا جوهريًا في خارطة الأحداث؛ مستطردًا: "عمليات الخليل تعبير عن انهيار حالة الردع الإسرائيلية، وفشل القدرة على الإنذار المبكر رغم تسييجه للخليل بطوق وإجراءات أمنية محكمة ومشددة".
وأشار إلى أنّ قدرات المقاومين توجه ضربات استراتيجية للمنظومة الأمنية الإسرائيلية ليس في الإمكانات العسكرية، بل في التخطيط المحكم والمنظم لعملياتهم والقدرة على تنفيذها رغم كل الاحتياطات الأمنية، مردفًا: "نستطيع القول أنّ الاحتلال أخفق في تقسيم الضفة لكانتونات وعزلها".
يشاركه الرأي الخبير في الشأن الإسرائيلي عمر جعارة، حيث قال إنّ "ما يحدث هو انهيار لمنظومة الأمن الإسرائيلية القائمة على عزل الضفة لكانتونات منعزلة ومنفصلة عن بعضها البعض، وغير قادرة على التأثير المشترك فيما بينها".
وأضاف جعارة في حديث خاص بـ "وكالة سند للأنباء" المستويات الرسمية الإسرائيلية كانت تعتقد أنه من السهل تدجين الشعب الفلسطينيين، وراهنت على الخليل كنموذج بعد افتعال أزمات داخلية فيها، لكنها فشلت.
وبيّن أن أخطر ما يواجه المشروع الإسرائيلي يتمثل في فشل سياسته تجاه قراءة المجتمع الفلسطيني، وما كان يعتقد من نجاح الهندسة المجتمعية في تصنيف المجتمع وتقسيمه وعزله.
وأكد جعارة أنّ هذا الانهيار لا يعبر عن تراجع ميداني أو خلل في الوسائل والأساليب، بقدر ما يعبر عن فشل استراتيجي، وهو حتما مثار صدمة، وسيضفي أزمات مركبة لدى المؤسسة الأمنية لدى الاحتلال.
وكان محلل موقع "واللا" الإسرائيلي قد علّق على عملية اليوم بالقول: "3 عمليات وقعت بالخليل في ذروة الاستنفار الأمني في أقل من 24 ساعة، فيما أشارت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن هذه العمليات "تتطلب تخطيطًا مسبقًا، وهناك بنية تحتية، وهناك من ينظم هذه العمليات، ومن يجهز العبوة، ومن يمولها".
وتزداد الضفة الغربية سخونة، ولم تعد الساحة الثانوية حتى قبل العملية هذا الصباح، كانت محاولات العمليات الاستشهادية الأخيرة تمثل تصعيدًا كبيرًا قد يشير إلى عودة العبوات الناسفة من الانتفاضة الثانية، ومع وجود معظم القوة المدربة من الجنود النظاميين والاحتياط في غزة وعلى الحدود الشمالية، فإن فتح جبهة رئيسة في الضفة الغربية يشكل تحديًا حقيقيًا، وفق "يديعوت أحرنوت".