الساعة 00:00 م
الأحد 20 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.89 جنيه إسترليني
5.2 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.19 يورو
3.69 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

وجبة من السم يوميًا.. الطهو على نيران البلاستيك خيار المضطر في غزة

هل تبقى قرارات "يونسكو" بشأن فلسطين حبراً على ورق؟

بالفيديو والصور عندما تنطق جدران غزة في الحرب.. هكذا تبدو الحكاية (صورة قلمية)

حجم الخط
جدران مدينة غزة خلال الحرب
غزة_ هداية عصمت حسنين_ وكالة سند للأنباء

في مدينة كغزة، لا تشبه سواها، ويصعب للشعور أو للأبجدية اتقان الحديث عنها بكل ما فيها، إذ لا تسعفك اللغة في حضرتها، لا يمكن لكَ أن ترى الجدار فيها جمادا، أو مجرد حائط يخلو من أي رُوح وحكاية ورواية، فالحوائط هنا ناطقة بلسان شاهد على تفاصيل الإبادة كلها ومشاعر أكثر.. هي هكذا تبدو الجدران في مدينة منهكة لكنها وفي الوقت ذاته تكفر بالاستسلام، فلا تتوقف معارك أهلها الممتدة _وهي أبلغ من أن تحكى_ والتي يخوضونها خلال حرب ضروس اقتربت من حلول عام حتى الآن.

وما لأهل هذه المدينة من ملاذ كالجدار_حتى وإن انقضّ أو صمت_ ليكتبوا عليه شيئا من القصة بعيونهم وبروايتهم، فستجدُ وسط بقايا حائط وصيةَ مقهور مكلوم تحكي عزيمةً غزيةً، وبين ثنايا ركام ودمار حنيناً ممزوجاً بوجع لكنه لا ينفك عن اليقين بالبقاء، وحكايا أخرى، فالجدران في غزة كما اللسان، وقد قالوا قديما إن اللسان ترجمان لما في القلب، فهذه الحوائط يتخذها الغزيون كترجمان لحكاية البقاء التي يحاولون دوما.

عنما تطبطب الجدران على القلوب..

ووسط إنهاكٍ يواجه المدينة وأهلها ولم يتوقف بعد، ورغم ضبابية الحياة التي توسم مجازا هنا في غزة بالحياة لمن بقوا على قيدها حتى هذه اللحظة وقد يفارقونها بأي لحظة، إذ يحكي الموت في كل وقت وحين كلمته، ليس للأجساد وحسب، وإنما للشعور والروح.. تلفظ المدينة أنفساها، وتطبطب على قلب محبيها ما استطاعت، فتتحدث جدرانها وحجارتها الباقية بأن "لكل مدة شدة" غير متناسية أنها "بتهون"، ومؤمنةً بيقين المتعبين الذين لا يقين للمرء مثلهم رغم بؤسهم بأن "هذا الوقت سيمضي".

ستعرف غزة بقلبك في جولة بين شوارعها المدمرة، وجدرانها أو ما تبقى منها، ستدرك أنه "رح تبقى أرضك يا غزة"، وكأن هذه المدينة تحارب لتبقى حتى بأبسط ما فيها، بكلمة على جدار، أو بقايا دمار، كتبت بمداد من الصبر، والتحدي، والثبات الممزوج بالقهر والحنين، وستعرف البلاد كما كانت وستظل عصية على الانكسار؛ لا لأنها أسطورة، بل لأنها تحاول، ولا تنفك عن ذلك.


454396724_464006956522990_1937056148661403291_n.jpg

460477902_18462312655025750_5077715268455226252_n.jpg

449218119_17936554082848990_4955035446270343158_n.jpg

تعيش البلاد ولن نُهزم..

في مشهد يتكرر عند إمكانية عودة مَن بقي مِن أهل كل حي أو شارع لمنطقتهم بعد توغل إسرائيلي بري خلال الحرب، يرجع الأهل فيتفقدون أوجاعهم، قلوبهم المرهقة، وركامهم الذين أفنوا أعمارهم لمجرد أن يصير لهم مأوى وبيت وحياة، سيقُهرون هم حينها، نعم سيكون ذلك، وهذه الفطرة، لكنه القهر الغزي المتفرد، الذي لطالما أغاظ محتله، وسيظل يغيظه، فسيجعل ركامه وجدرانه الصامتة تنطق وبكل قوة بأن "عاشت روح البلاد ولن نُهزم".

وشيءٌ مما يصف ذلك أكثر، ويقرب الحالة التي أتحدث عنها، ما ستبصره هناك في أزقة المخيمات والشوارع شمال قطاع غزة، حيثُ "السلام على تل الزعتر حتى تبرد نارها"، وليست بأبعد منه ما كُتب " عاش المخيم، وعاشت روح جباليا التي لا تهزم"، و"لن يسقط مخيم جباليا".

والشأن ليس إيمانا فقط بانعدام الرغبة بالهزيمة لدى الغزي، بل ستحكي الجدران حتى الوعيد الذي ينطقه مكلوم من وسط الإبادة والمجزرة، وبكلمات قليلة موجزة، فهاكَ ما حواه الجدار بأن "تذكروا الأجيال التي عايشت المحرقة 2024"، وما أصدق وعيد المكلوم، وستبصرونه يوما، وكأنه هذا لسان الحال.

وحيثُ لا خيار لك وأنتَ تباد إلا أن تقاوم، فإن الغزي إذ آمن بذلك يقول: "إنا عن حب الجهاد لا نتوب". ولطالما قيل إذا ما أراد المرء أن يقرر معنى ويؤكده كرر الحديث عنه، وبكلمات مختلفة، فآمنت جدران غزة وامتثلت، فهاكَ الحائط يحكي: "البندقية فكرة تحيا بنبض قلوبنا، ولا تنحني مع شدة الإعصار"، وهاكَ آخر بلهجة غزية عنيدة جميلة يخط "بدي أبيع داري وأسلح المقاومة".


445373978_7642340135842276_8397177345635230054_n.jpg

447229089_7666525693423720_3346963379572889087_n.jpg

447752240_7652216331521323_676137548405396218_n.jpg

449692641_17936554091848990_6874826433498888679_n.jpg

449217130_17936554112848990_3729715374801046025_n.jpg

448060791_450892577548195_7824505170256613806_n.jpg

قهر وخذلان وحب للمدينة..

"ستبقى لنا غزة، وإن أصابها خذلان العالم كله"، ربما يدق قلبك بعد أن أماته الوجع والخذلان، سيحاول أن يحيا بنبضِ روح المدينة الذي تعرفه بمخيلتك ولو لدقائق عندما تقرأ ما خُط على هذا الجدار، إنه جدار مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، الذي دمره الاحتلال خلال اقتحامات 3 تذهب لها العقول من هول ما شهدته من مجازر وإعدامات ومقابر جماعية.. نعم هو خذلان ليس بعده خذلان يا مدينتنا، لكن هل لأهل غزة أن يؤمنوا بأنها ستنتهي؟! لا.. فمن يقنع جسدا يتغذى بحب المدينة بغير ذلك!

عهودٌ وعودٌ تقطَع للمدينة التي يحبها أهلها، ستجد الجدران تحتضنها، ولا يكاد يخلو شارع أو حي أو منطقة منها، مفادها باختصار في كلمتين "وعد حنعمرها"، والغزيون _وأنا منهم، وأعرفهم وأعيش معهم وبينهم، وأعرف بأسهم وجأشهم، وأعي ماذا يعني قولهم_ أحرارٌ وما كانوا غير ذلك، ووعد الحر دين، وهذه أمهم كلهم "غزة" أكثر من تدرك ذلك.

452211093_18450423412025750_8835911684191069572_n.jpg

450265660_429879050025634_3235935051643183874_n.jpg

449686816_17936554124848990_22552460189725145_n.jpg

وصايا البلاد..

ولا تتوقف الجدران بغزة عن كونها محطا لنشر الوصايا، وكأنها الوصايا الأكثر حقيقة وصدقا، حيثُ كاتبها الذي يعي الموت جيدا، كما لم يعِ أحدٌ الحياة حتى، يدرك الصعب جدا، كما لم يتقن أي أحد السهل، تتخذ الوصايا لهجة روح صاحبها التي نتحدث عنه، روح الغزيّ، فلا عجب من أن تجد أحدهم قد قال "الشجاعية.. اخلع نعليك على أبوابها، فترابها من رفات أبنائها".

وهناك عند مفترق السرايا حيثُ اعتادت مدينة غزة أن يكون ذاك المكان شاهدا على أبرز الإعلانات والأحداث بالحياة اليومية العادية قبل الحرب، كتب أحدهم " لن تنكسر عزيمتنا، فاخلع نعليك فترابها من دمائنا"، وكأنه شعار وإعلان غزة، أو لنقل وصية المدينة بكاملها الآن.

ولا تبدو الكتابات على الجداريات في غزة مجرد ترف، أو محاولات فضفضة نفسية، وتفريغ شعوري لدى أهل المدينة المتعبين الذين يكابرون ويثبتون رغم الجراح والموت، بل ستجد كثيرا منها دليلا على صدق الكلمة، فهاك الجدارية التي تزينت بالمقطع الشعري: "ثبّت جذورك بالتراب فأنت باقٍ هاهنا، والأرض أرضك يا فتى هذه البلاد بلادنا، هم جهلة لا يعلمون بان وطنك خالد، فاصمد ورابط واحتسب إنا وراءك كلنا، كم من شهيـدٍ قدموا أرواحهم من أجل تحقيق اليقين، يا صاحب الأرض اعتصم فالأرض عرض المتقين".

فقد استشهد الشاب الذي كتب الجدارية بعد أيام من كتابتها، ولا أرى في ذلك إلا امتثالا ومصداقا لما قد قال الشاعر، وما خطه الشهيد " كم من شهيـدٍ قدموا أرواحهم من أجل تحقيق اليقين"، وكأنها وصيته الأخيرة لـ "أرض المتقين"، ويكون قد آمن بطريق المجد واختار، ليذكرنا بالجدار الذي احتوى بيت الشعر القائل: "وسعيت للأمجاد تطرق بابها باب الشهادة خير باب بقرع".

453262807_403744489374239_9001256653710291891_n.jpg

449367026_17936554052848990_4607580083737069211_n.jpg

457239800_500810009223118_5153525160226223684_n.jpg

449690410_17936554133848990_7894530985098676735_n.jpg

ثبات واستحقاقٌ للحياة..

وبالرغم من السردية الشعرية الكلاسيكية التي لطالما سمعناها وحفظناها شعرا منذ طفولتنا، بأن "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" كما يقول الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، إلّا أنه يصبح لهذا الحروف معنى أقوى، وشعورا حقيقيا أكثر إيمانا به، عندما تقرأه على ركام منزل مهدم في غزة، ستجد صاحبه رغم ألمه، وبكل قهره وثباته، قد خط خريطة فلسطين، وقد أعلن استحقاق الحياة بهذه المفردات، من بين فكي الدمار والنار.

وحاشا لإشراق البقاء أن يأفل، وكأنه الشعار الذي يرفعه الغزي العنيد الذي ما كتب على نفسه إلا المحاولة، والنهوض من جديد في كل وقت وحين متعاظما على أمله وجراحه الغائرة، وستعكس الجدران لك ذلك، وستكون الرسالة تجسيدا جليا حقيقيا لا مجازيا بأن "عبثا تحاول لا فناء لثائر، أنا كالقيامة ذات يوم آت"، وذلك عندما تبصرها واقعا على ركام مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، الذي أعجز الاحتلال بالصمود، فانتقم منه بالهلاك، ولكنه بالوقت نفسه ما ارتضى ولا اختار الفناء.

459751041_9113729695320784_3718435676032559026_n.jpg