الساعة 00:00 م
السبت 19 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.89 جنيه إسترليني
5.2 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.19 يورو
3.69 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

هل تبقى قرارات "يونسكو" بشأن فلسطين حبراً على ورق؟

"نتنياهو" والمفاوضات بشأن حرب غزة.. "لعبة تضييع الوقت"

ضحكة في وجه الحرب.. صانعو المحتوى في غزة يروّضون أوجاعهم بالفكاهة

ستة نعوش.. وقلب أبٍ لا يتّسع للفقد.. رصد تفاعل مؤثر عبر مواقع التواصل الاجتماعي

بالفيديو والصور رجال الدفاع المدني في غزة.. بطولات إنسانية تنتصر في وجه الموت

حجم الخط
جهاز الدفاع المدني الفلسطيني
غزة – إيمان شبير - وكالة سند للأنباء

في قلب الميدان، حيث لا صوت يعلو فوق أزيز الطائرات وانفجارات الصواريخ الممزوجة برائحة الموت، يقف رجال الدفاع المدني على مدار عامٍ كامل، كخط الدفاع الأخير لحماية أرواح المواطنين وحفظ كرامة الشهداء، إنهم جنود المعركة اليومية الذين نالوا نصيبهم من آلة القتل الإسرائيلية.

وتعتمد مهمتهم في قطاع غزة على معدات بسيطة، وأحيانًا على أيديهم العارية، في مواجهة ظروف قاسية لا تتوقف، إذ يغامرون بحياتهم مع كل خطوة، بلا ضمانات للسلامة سوى إيمانهم الراسخ بأن كل ثانية قد تُحدث فارقًا في حياة إنسان ينتظر مساعدتهم.

في هذا التقرير وضمن التغطية الخاصة للذكرى السنوية الأولى لحرب الإبادة الإسرائيلية تستعرض "وكالة سند للأنباء" أرقامًا وتفاصيل عن عمل وقدرات جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة خلال الحرب، معززة بشهادات حيّة من الميدان.

مهام الدفاع المدني (12).jpeg

الدفاع المدني خلال عملية إنقاذ بغزة.webp

الدفاع المدني غزة.jpg

معطيات رقمية..

منذ بداية الحرب نفذت طواقم الدفاع المدني مهمات توازي عملها بما يُعادل 40 سنة عمل حسب زمن الاستجابة والسيطرة مقارنة بعملها الطبيعي قبل الحرب، حيث استقبل نحو 90 ألف اتصال نداء استغاثة، استجاب لأكثر من 75 ألف نداء، نتج عنها ما يزيد عن 260 ألف مهمة تنوعت ما بين إنقاذ وإخلاء وإسعاف مصابين وإخماد حرائق وانتشال شهداء.

واستنادًا لبيانات رسمية صادرة عن "الدفاع المدني" بمناسبة مرور عام على الحرب واطلعت عليها "وكالة سند للأنباء"، فإنّ المعيقات والصعوبات التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي منعت طواقم الإنقاذ من الاستجابة لـ 15 ألف نداء استغاثة من مواطنين تعرضوا للقصف والاستهداف وبقوا تحت الأنقاض أو محاصرين في أماكن خطرة.

الاستهداف الإسرائيلي الممنهج أفقد "الدفاع المدني" الفلسطيني على مدار عامٍ من الحرب 85 شخصًا من كوادره، وأصاب 292 آخرين، فيما تعرض 47% من الطواقم للخطر الجسدي فضلًا عن تعرضهم جميعًا لأضرار نفسية بفقدان أحد من أقاربهم أو بيوتهم.

وأدى هذا الاستهداف لتدمير 52 من المركبات بأنواعها إما كليًا أو جزئيًا، ويتم العمل حاليًا بأقصى طاقة التي لا تتجاوز 20% من قدرة الجهاز الأساسية، لكن ذلك لم يدفع هؤلاء للاستسلام بل شكّل دافعًا قويًا لديهم للتمسك بمبادئ عملهم الإنساني والمضي قِدمًا حتى آخر نفس.

الدفاع المدني في غزة.webp

الدفاع المدني في غزة.jpg

الدفاع-المدني-في-غزة.jpg

ابتكار رغم قلة الإمكانات..

يقول مدير مركز الإطفاء في منطقتي التفاح والدرج بمدينة غزة النقيب مؤمن سلمي، إنه في ظل افتقارنا إلى التأمين الشامل الذي يضمن سلامتنا أثناء أداء واجباتنا، نجد أنفسنا معتمدين فقط على القفازات والخوذة، اللتين تعتبران أدواتنا الأساسية في مواجهة المخاطر المحدقة بنا.

ويُضيف، "هذه الأدوات البسيطة، رغم محدوديتها، تصبح دروعنا في ميادين العمل، حيث تتطلب المواقف الشجاعة والتفاني، مما يبرز عزمنا وإصرارنا على أداء واجبنا دون تردد".

ويوضح "سلمي" أن تعزيز معنويات الفريق خلال الأوقات العصيبة يعد من الأمور الضرورية للغاية، ويشعر بأن الدعم النفسي هو عامود أساسي في العمل، فنستعين بالله عز وجل في كل خطوة نخطوها، مما يمنحنا القوة والثبات في مواجهة التحديات.

ويشجع زملاءه على الاستمرار في العمل وعدم الاستسلام، مؤكدًا أن الروح الجماعية والتكاتف في مثل هذه الأوقات الحرجة يمكن أن يصنع الفارق. فبفضل تلك اللحظات من التضامن والأمل، نستطيع تجاوز الصعوبات التي تعترض طريقنا".

ويكشف "سلمي" عن الابتكار الذي قام به مع الفريق، حيث تم تصنيع جهاز UBS باستخدام بطارية سيارة، لتعويض نقص الوقود وتوليد الكهرباء، مما ساعدهم في مواصلة عملهم رغم الظروف الصعبة.

ويؤكد "سلمي"، أن الميدان هو مصدر التدريب الحقيقي، إذ تُكتسب الخبرة من العمل الفعلي، ولا مجال للتدريب المسبق نظرًا لكثرة المهام.

ويُعبّر "سلمي" عن الألم الذي يشعر به عند التعامل مع أشلاء الشهداء، لكنه يؤكد أنه مع تكرار تلك المشاهد، يصبح العقل والجسد قادرين على تحملها، وهنا لا يجول في خاطر طواقم الإنقاذ إلا التفكير في كيفية الحفاظ على كرامة الضحايا أثناء نقلهم إلى مثواهم الأخير.

ويتحدث عن المشاهد الصعبة التي يمر بها الفريق أثناء العمل، مثل وجود أقارب الشهداء في الموقع وعدم تحمل الصدمة أو مشاهد تحولهم لأكوام من اللحم، مشيرًا إلى أنّه يقع على عاتقهم مسؤولية التعامل مع مثل هذه الحالات، وشد أزرهم.

ويصوّر "سلمي" الحزن الذي يشعر به عند فقدان أفراد أسرته خلال الحرب، مستشهدًا بفقدان ابنته البالغة من العمر 11 عامًا، لكنه يستمر في عمله رغم الألم.

TyrYi.jpg

LVn7I.jpg

GIr0r.webp

"مجال يُشبه طحن الأجساد"..

من جانبه يقول أحد أفراد الدفاع المدني نوح الشغنوبي، إنه لا توجد إجراءات واضحة لحماية أنفسهم خلال العمل، باستثناء خوذة الرأس والقفازات البسيطة التي يرتدوها، وأحيانًا تتمزق هذه القفازات، ولا توفر حماية كافية.

ويضيف "الشغنوبي"، أن العمل في هذا المجال يشبه طحن الأجساد، حيث لا يوجد أي وسائل أمان حقيقية أثناء إنقاذ الضحايا.

ويصف الشعور الذي ينتاب الفرد بعد إنقاذ شخص من تحت الأنقاض، سواء كان حيًّا أو ميتًّا، بأنه "جميل للغاية"، مستطردًا: "يشعر الإنسان حينها أن الله قد اختاره لهذا العمل الصعب، وأنه قدم خدمة عظيمة بإنقاذ روح، سواء كان هذا الشخص حيًا أو استشهد، هذا الشعور يمنحني إحساسًا بأنني بطل حقيقي في مهنتي".

ويعتبر أن الحفاظ على روح الفريق يتطلب تواصلًا مستمرًا خارج أوقات العمل، حيث يذهبون إلى البحر أو يمارسون الرياضة مثل التنس وكرة الطائرة، موضحًا أن هذا التعاون والنقاش المستمر حول كيفية إخراج الضحايا يعزز الروح الجماعية بينهم، ويحافظ على معنوياتهم مرتفعة رغم الصعوبات.

وبالرغم من التدمير الممنهج استطاعت طواقم الدفاع المدني بالتعاون مع الطواقم الطبية، انتشال 37 ألفًا و210 شهداء، بينما أعاق الاحتلال انتشال آلاف الجثامين التي لا تزال تحت الأنقاض المدمرة ويُقدر عددها بـ 10 آلاف، غير مدرجين في الإحصائية الرسمية لشهداء الحرب.

وعن طبيعة الأدوات المستخدمة في عمليات الإنقاذ، يُجيبنا نوح الشغنوبي: "الأدوات التي يستخدمها الدفاع المدني في الوقت الراهن هي أدوات بسيطة للغاية، مثل الفأس والمهد، ولا توجد تقنيات حديثة متاحة لهم بسبب تدميرها من جيش الاحتلال".

ويؤكد "ضيف سند" أن المعدات البسيطة التي يعملون بها تجعل عمليات الإنقاذ تستغرق ساعات طويلة، مما يزيد من الضغط النفسي والجسدي عليهم، مطالبًا بضرورة إدخال معدات ثقيلة للعمل على رفع الأنقاض، وإدخال الوقود اللازم للمركبات.

ويُكمل "بالرغم من تلقينا بعض التدريبات الخاصة للتعامل مع الصدمات النفسية، إلا أن الظروف النفسية السيئة تظل مشكلة تواجهنا، ونعتمد بشكل أساسي على دعم الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي لرفع معنوياتنا".

وفي سؤالنا عن أثر المشاهد الصعبة للشهداء والجرحى يحكي لنا: "نحن غالبًا ما نحلم بكوابيس نتيجة لما نشاهده يوميًا، فالحرب قد خلقت حالات صعبة ومتكررة، حيث لا يمر يوم دون مواجهة مشهد أصعب من اليوم الذي سبقه، مما يجعلنا نعيش في دوامة من التحديات النفسية والمهنية".

ويُكمل: "الأطفال الذين يموتون بين أيدينا نتيجة نقص الإمكانيات تترك أثرًا كبيرًا في نفوسنا، خاصة عندما نسمع أنين الطفل ثم نفقده قبل أن نتمكن من إنقاذه، هذه المشاهد تجعل من الصعب علينا النوم ليلًا، وتترك جروحًا نفسية عميقة يصعب شفاؤها".

الدفاع المدني  (2).jpeg

الدفاع المدني  (1).jpeg
 

"نتعلّم من الميدان"..

من ناحيته يقول رجل الدفاع المدني علي عمر: "أنا أرتدي القفازات والخوذة، لكن لا يوجد تأمين كامل للنفس بالمعنى الحقيقي، وأشعر بأجمل شعور عندما أنقذ روحًا كان يمكن أن تنتهي حياتها، فأشعر وكأن روحي عادت لي أيضًا، وأبذل مع زملائي قصارى جهدنا لنكون فريقًا متعاونًا نعمل كرجل واحد، نسعى لإخراج الناس أحياء.

ويشرح "عمر"، "أعتمد على معدات بسيطة، وكثيرًا ما أعمل بيدي دون أن أكترث لما قد يصيبني من أذى، فنحن نعمل لإنقاذ الأرواح، فالميدان هو أكبر ساحة تدريب لنا، نركز كل جهودنا على الإنقاذ، ونستمد من الموقف الدعم للتحرك، لكن يعتصر القلب ألمًا عند رؤية مشاهد لا تتحملها القلوب، لكننا نواصل العمل، مخفين ما في داخلنا من مشاعر".

ويُعبر ضيفنا: "هناك الكثير من المشاعر التي لا نعبر عنها، نحتفظ بها بداخلنا حتى لا نثقل على الآخرين بما نراه، ونكتفي بوجع قلوبنا، لكننا نستمر في الميدان، ونأمل من الله أن يفرّج كربنا".

ويضيف "عمر"، "لا نمتلك الوقت للتدريب، فكثرة المهام تجبرنا على التعلم من الميدان نفسه، ونعاني مشاهد صعبة وحزنًا لا يوصف، وخصوصًا عندما نتعامل مع أهالينا أو زملائنا، وعندما نحاول إنقاذ مصاب، ويستشهد أمام أعيننا بعد أن طمأنّاه بأنه قريب من النجاة، فهذا من أصعب المواقف التي نواجهها".

ويستطرد "ضيف سند"، "أصبر ذوي الشهداء، وأنقل المصابين إلى المستشفيات، وبرغم الألم، أبارك لكل من يخرج حيًّا بعد أن كان قريبًا من الموت".

ويختم، "رسالتي للعالم هي أن يسمع كلام قلوبنا، وليس فقط ما نقوله بألسنتنا، فمن الصعب إيصال كل ما نشعر به، لكن أدعو الله أن يوقظ الشعوب لتقف مع الحق وتدعمنا، فنحن لا نريد سوى نصرة لديننا وعروبتنا"

461737113_1930341724133949_5043903483213310889_n.jpg