في الوقت الذي تؤكد فيه فصائل المقاومة تمسكها بمطالبها الرئيسية لإتمام صفقة "تبادل أسرى" مع الاحتلال الإسرائيلي، يتساءل كثيرون عن الهدف الذي يرجوه الوسطاء من طرح مقترحات لهدن مؤقتة، لا تُلبي في مجملها الحد الأدنى من تطلعات الفلسطينيين، أولها وقف العدوان كاملًا عن قطاع غزة؟
وجرى الحديث عن خلال الأيام القليلة الماضية عن مقترحات هدن مؤقتة في غزة تضمن بشكلٍ أساسي إعادة الأسرى الإسرائيليين دون وقف كامل للحرب وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، وهو ما رفضته المقاومة وأكدت مرارًا أنها لن تقبل بأقل من ذلك.
وفي تعقيبه على هذه الأطروحات قال الكاتب السياسي والمفكر المصري فهمي هويدي، إنّ "إسرائيل" والولايات المتحدة تقودان حملة ضغوطات على الوسطاء والمقاومة عبر أطراف متعددة؛ للوصول إلى وجه سياسي يُنقذ بنيامين نتنياهو من الورطة في الميدان، ويرسم ملامح "نصره الحاسم" في المعركة.
وأضاف هويدي لـ "وكالة سند للأنباء" أنّ جوهر الضغوط تذهب تجاه تحقيق الربح السياسي في ظل الإخفاق الميداني والهزيمة التي مُنيت بها "إسرائيل" في تحقيق أهدافها الاستراتيجية من الحرب، مستشهدًا بما تم تسريبه من وثائق أمريكية تتحدث عن تشاؤم أمريكي حيال الأداء العسكري الإسرائيلي في غزة.
ونتيجة لهذا الفشل تقود القناعات واشنطن وحلفائها إلى ضرورة البحث عن مخارج سياسية تصطدم بمحاولة "نتنياهو" إثبات قدرته الميدانية عبر الغطرسة الغاشمة، التي تهدف بشكل أساسي لبقائه بعيدًا عن أجواء الفشل والمحاكمة، تبعًا لـ "هويدي".
وأشار إلى أنّ ذلك يُظهر عدم وجود رغبة إسرائيلية حقيقية في وقف الحرب، في ظل دعم عسكري وسياسي واستراتيجي كامل من واشنطن وعجز عربي يصل حد التواطؤ فيما يتعلق بالحالة الفلسطينية.
وبحسب وجهة نظر "هويدي" فإنّ ما يحدث تجاوز فكرة الدور العربي الوسيط لحل الأزمة القائمة بما يضمن إنهاء معاناة الفلسطينيين، بل هو أسير لما تريد "إسرائيل" بإعادة تشكيل "شرق أوسط جديد" بأدوار ترسمها وفق ما ترغب ويحقق مصالحها في المنطقة.
وسيط لا علاقة له بمجريات الأحداث
من جانبه قال الخبير في القانون الدولي أنيس قاسم، إنّ المقترحات التي تُطرح على الطاولة لا تُلبي المطالب الرئيسية للفلسطينيين، رغم أنها تمثّل الحد الأدنى مما يجب تطبيقه دوليًا لإنهاء المعاناة والمأساة الإنسانية في قطاع غزة.
وأوضح قاسم في تصريحٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" أنّ النظام العربي الرسمي وظف دوره جيدًا في هذه المعركة بوصفه وسيطًا لا علاقة له بمجريات أحداث الحرب، فيما بدت المواقف الرسمية ميتّة ولا فائدة منها على أرض الواقع.
وأضاف أنّه "في سياق ذلك يتحرك الوسطاء فقط لنقل الرسائل بين الطرفين (المقاومة والاحتلال) وهذا بحد ذاته موضع خطر استراتيجي عربي؛ لأنه يتجاوز الدور الرئيسي المناط بهم باستخدام أوراق قوتهم لوقف حرب الإبادة على قطاع غزة".
وذكر أنّ العرب تخلوا على مدار الشهور الماضية عن ثلاثة أوراق رئيسية كان من المفترض استخدامها كوسائل ضغط حقيقية لوقف إبادة الفلسطينيين وتتمثل في "علاقاتهم السياسية مع إسرائيل، والواقع الجيوسياسي الضاغط تحديدًا لدول الطوق، بالإضافة للقوة الاقتصادية والسياسية التي يُعتبر قوة ضغط كبيرة تحديدًا على واشنطن حليف إسرائيل الأول".
وتواجه مساعي التهدئة التي تقودها قطر ومصر بالشراكة الولايات المتحدة عقبات؛ بسبب تعتت وإصرار حكومة الاحتلال ورئيسها بنيامين نتنياهو على مواصلة حرب الإبادة والمجازر في القطاع، ورفضه سحب القوات منه.
وأعلنت حماس مرارا استعدادها لتنفيذ الاتفاق المستند إلى مقترح أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن نهاية مايو/ أيار الماضي، لكن نتنياهو تراجع عنه وحاول فرض شروط ومقترحات جديدة لإطالة الحرب والبقاء في منصبه.
ويوم الجمعة، شدد عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عباس زكي، على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي بشكلٍ كامل عن قطاع غزة قبل الحديث عن أي مفاوضات للوصول لصفقة تبادل أسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال.
وقال زكي في تصريحٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" إنّ المطالب التي تنادي بها المقاومة منذ شهور، تُمثل مطالب الشعب الفلسطيني، وكل إنسان حر ولديه ضمير حيّ في العالم، مؤكدًا أنّ وقف العدوان يجب أن يسبق أي مفاوضات جادة، وهذه مسؤولية تقع على عاتق الدول العربية والمجتمع الدولي.
وكان مصدر قيادي في "حماس" صرّح لقناة الجزيرة الفضائية أنّ حركته استمعت من مصر وقطر لأفكار عن هدنة لأيام محددة وزيادة المساعدات وتبادل جزئي للأسرى، لكنه أكد أنها "لا تعالج احتياج شعبنا للأمن والإغاثة والإعمار ولا فتح المعابر خصوصا معبر رفح".