أكدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أنه ينبغي على إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن وقف تسليح "إسرائيل" فورا ردا على نهج التجويع الذي تفرضه في قطاع غزة في خضم حرب الإبادة الجماعية المستمرة للعام الثاني على التوالي.
وأكدت الصحيفة في مقال رأي للكاتب البارز ديفيد اغناشيوس، أنه "عندما يفكر الرئيس جو بايدن في مسائل يمكنه تحقيق تقدم فيها على صعيد ارثه السياسي، يجب أن يضع اتخاذ إجراءات حاسمة لمساعدة السكان المدنيين المتضررين من الحرب في غزة على رأس قائمته".
وأكد المقال أن "عبء معاناة الفلسطينيين المدنيين في الصراع الذي دام عامًا في غزة لا يطاق".
وقد أكدت عشرات منظمات الإغاثة الدولية أن الحكومة الإسرائيلية فشلت في تلبية مطالب الولايات المتحدة بالسماح بوصول أكبر للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر.
وأبلغت الولايات المتحدة إسرائيل الشهر الماضي بأن لديها 30 يوما لزيادة المساعدات الإنسانية التي تسمح بدخولها إلى غزة بشكل كبير، حيث ينتهي الموعد النهائي يوم الثلاثاء.
وجاء في بيان مشترك للمنظمات الدولية أن "(إسرائيل) لم تفشل في تلبية المعايير الأميركية التي تشير إلى دعم الاستجابة الإنسانية فحسب، بل اتخذت في الوقت نفسه إجراءات أدت إلى تفاقم الوضع على الأرض بشكل كبير، وخاصة في شمال غزة".
تعنت نتنياهو
أبرز المقال أن قادة الجيش الإسرائيلي أبلغوا إدارة بايدن قبل أشهر عدة أنهم حققوا أهدافهم العسكرية الرئيسية في قطاع غزة "لكن الحرب مستمرة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يملك خططًا واضحة للانتقال إلى ما يسمى اليوم التالي".
وصرح كبار المسؤولين في إدارة بايدن أنهم يدركون الالتزام الأخلاقي والاستراتيجي بتقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين الذين دمرتهم هذه الحرب، ويتحدثون عن فشل السياسة الأمريكية في حماية المدنيين بنبرة تعكس الألم، وربما حتى الخجل والنقد الذاتي مبرر.
وبحسب المقال "حاول فريق بايدن حماية المدنيين لكنه فشل في كثير من الأحيان، وقد تصل القضية الإنسانية في غزة إلى ذروتها يوم الثلاثاء عندما يتعين على الحكومة الإسرائيلية الرد على رسالة بتاريخ 13 أكتوبر من أنتوني بلينكين ولويد أوستن، وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين على التوالي".
وقد هددت تلك الرسالة بقطع المساعدات العسكرية إذا لم تعالج الحكومة الإسرائيلية الوضع الإنساني "المتدهور بشكل متزايد" في غزة.
واستشهدت رسالة بلينكن وأوستن بخمس عشرة مشكلة إنسانية محددة وحذرت من أن الإدارة الأمريكية، بموجب القانون، سوف تضطر إلى إجراء "تقييم" لرد (إسرائيل) قبل تقديم المزيد من المساعدات العسكرية.
وسرد الخطاب في لغة دبلوماسية، الرعب الإنساني في غزة متحدثا عن "الاكتظاظ الشديد"، حيث يتكدس 1.7 مليون من سكان غزة في مخيمات الإغاثة على طول الساحل، وشاحنات الإغاثة التي "تتأخر عند نقاط العبور"، ووكالات الإغاثة "غير قادرة على تلبية احتياجات البقاء الأساسية".
الواقع أن الرسالة قوية لأنها مدعومة بمذكرة الأمن القومي الصادرة في فبراير/شباط لتنفيذ قانون قائم يلزم البلدان التي تتلقى أسلحة أميركية باحترام حقوق الإنسان، وقد ندد الجمهوريون بالمذكرة وقالوا إن هدفها كان "تهدئة منتقدي المساعدات الأمنية لحليفتنا (إسرائيل)".
ويتوقع مسؤولون في وزارة الخارجية أن تحدد الحكومة الإسرائيلية التدابير الإسرائيلية الأخيرة لتحسين الوضع في غزة ومعالجة معظم البنود الخمسة عشر.
لكن المقال أكد أنه بينما أي خطوات إسرائيلية جديدة قد تساعد نسبيا، فإنها لا تقترب من معالجة حجم المشكلة الإنسانية الهائلة في غزة.
يقول جيه ستيفن موريسون، الذي يرأس دراسات الصحة العالمية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "لا أعتقد أن الناس يدركون مدى خطورة هذا المسلخ" الحاصل في غزة.
ويشير إلى تقديرات وزارة الصحة في غزة التي تشير إلى استشهاد حوالي 43 ألف شخص وإصابة 102 ألف شخص وإصابة 25 ألف شخص بتر أطرافهم، لكن المؤشرات تؤكد أن أعداد الضحايا النهائية من المرجح أن تكون أعلى بكثير.
نصف خطوة إسرائيلية
بحسب مقال واشنطن بوست فإن (إسرائيل) تواصل اتخاذ نصف خطوة في كل مرة، وهو ما تقبله إدارة بايدن، فقد ابلغت الإدارة تل أبيب أن هناك حاجة إلى 350 شاحنة إغاثة على الأقل يوميًا ووافق مجلس الوزراء الإسرائيلي مساء الأحد على 250 شاحنة، فكيف سيرد بايدن؟
وقد تزداد معاناة غزة مع انهيار آخر أجزاء شبكة الأمان التابعة للأمم المتحدة، بعد أن أقر البرلمان (الكنيسيت) الإسرائيلي الشهر الماضي قانونا يحظر عمليات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وقد يؤدي هذا فعليا إلى وقف دور الوكالة التابعة للأمم المتحدة في توفير الغذاء والدواء والمياه والتعليم للمدنيين الفلسطينيين.
وكان إجراء الكنيست رفضا مباشرا لطلب إدارة بايدن، بعد ان حذرت رسالة بلينكن وأوستن من أن القانون المناهض للأونروا "من شأنه أن يدمر الاستجابة الإنسانية في غزة ... ويحرم الخدمات التعليمية والاجتماعية الحيوية"، لكن الكنيست أقره على أي حال وقد تحوط المسؤولون الإسرائيليون وابلغوا الإدارة أنه ربما يمكن تخفيف أو تأخير تنفيذ القانون.
وأكدت واشنطن بوست أن الحقيقة هي أنه في الوقت الحالي، لا توجد خطة إسرائيلية أو أمريكية أو تابعة للأمم المتحدة واضحة لدعم الاحتياجات الاجتماعية للسكان اليائسين، وبالنسبة لفريق بايدن، كان الحصول على تعاون إسرائيلي أشبه بـ "خلع الأسنان"، كما قال أحد المسؤولين.
وختمت الصحيفة "لم تعد الكلمات مهمة بعد الآن.. إنه الاختبار الأخير للرئيس المنتهية ولايته.. وإذا لم تتخذ (إسرائيل) تدابير فورية لحماية المدنيين في غزة، فإن الولايات المتحدة ملزمة قانوناً بوقف توريد الأسلحة لحرب كان ينبغي أن تنتهي منذ أشهر".