نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرا مصورا على صدر صفحتها الرئيسية تبرز فيه مأساة جرحى حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة للعام الثاني على التوالي.
وقالت الصحيفة إنه وسط الدمار والمعاناة في غزة، تمكن بعض الجرحى الفلسطينيين من الخروج لتلقي العلاج الطبي، ليشاركوا مع العالم قصص مروعة عن محاولة البقاء وسط نيران الحرب الإسرائيلية والخسارة.
وسلطت سمر أبو العوف وإريك ناجورني، في تقرير مصور لهما في نيويورك تايمز، الضوء على الحقائق المدمرة التي يواجهها سكان غزة، وخاصة أولئك الذين أصيبوا في حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة.
وبينما استشهد عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية، يحمل الناجون ندوبًا – جسدية وعاطفية – ستحدد حياتهم.
الأطفال يدفعون الثمن الأغلى
يجسد الأطفال في غزة مثل محمود عجور البالغ من العمر تسع سنوات الخسائر الهائلة التي خلفتها حرب الإبادة الإسرائيلية.
وبعد أن فقد إحدى يديه وأصيبت الأخرى بجروح خطيرة في غارة إسرائيلية، يستخدم محمود الآن قدميه للقيام بالمهام اليومية.
ويقول محمود: “أعظم أمنياتي الآن هي الحصول على أطراف صناعية”، معربًا عن تصميمه على استعادة شبه الحياة الطبيعية على الرغم من الصدمة.
وهناك قصة أخرى مفجعة، وهي قصة ميليسيا جوده، البالغة من العمر عامين، والتي فقدت أسرتها بالكامل وتعيش الآن باعتبارها الناجية الوحيدة من غارة جوية إسرائيلية أودت بحياة أكثر من عشرة أقارب.
وقد تركت الغارة الإسرائيلية الطفلة ميليسيا عاجزة عن المشي، مع عمتها ياسمين جوده، التي أصبحت وصية عليها الآن.
وأبرزت نيويور تايمز أن حرب الإبادة الإسرائيلية أجبرت معظم سكان قطاع غزة البالغ عددهم ما يزيد عن مليوني نسمة على النزوح، في كثير من الأحيان عدة مرات.
وبالنسبة للبعض، فإن النزوح لا يجلب لهم سوى القليل من العزاء. وروت عالمة النفس إسلام الغولة محاولات أسرتها للتهرب من العنف، فقط لمواجهة القصف بالقرب من ملجأهم الجديد.
بالنسبة للآخرين، فإن الضرر شخصي. إذ فقد إبراهيم الدهوك (15 عامًا)، ذراعه في غارة إسرائيلية وتحمل رحلة يائسة للبحث عن الرعاية الطبية.
من جهتها وصفت نسيبة كليب، البالغة من العمر تسع سنوات، اللحظة التي تحطمت فيها ساقها، مما لم يترك لها خيارًا سوى البتر.
وفي الوقت نفسه، تم إنقاذ سدين نوفل، البالغة من العمر أربع سنوات فقط، من بين الأنقاض بعد أن قتل هجوم إسرائيلي والديها. وقد أصيبت ساقها بالعدوى، مما استلزم إجراء عملية جراحية لإنقاذ حياتها.
الحرمان من الرعاية الطبية
نبهت نيويورك تايمز إلى أن الوصول إلى العلاج الطبي المناسب كان يشكل تحديًا طويل الأمد في غزة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام 2007.
وقد أدت حرب الإبادة إلى تفاقم هذه الأزمة، إثر إصابة أكثر من 100 ألف شخص، وفقًا لمسؤولي الصحة في غزة. بالنسبة للعديد من السكان في القطاع لا سيما الجرحى، فإن العلاج الطبي في الخارج هو أملهم الوحيد.
وإن تجربة وفاء أبو سمعان تجسد المحنة. لقد أصيبت بالفعل بسرطان الغدة الدرقية في غارة جوية إسرائيلية قتلت زوجها. تم نقلها إلى مصر، حيث أنجبت ولداً وحصلت على ساق اصطناعية.
كما عانت أخريات، مثل نسمة أبو جياب البالغة من العمر 18 عامًا، من ظروف مأساوية في غزة قبل أن تتمكن من المغادرة لتلقي العلاج.
وعلى الرغم من هذه الاستثناءات في سفر جرحى ومرضى من غزة، تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 10 آلاف من سكان القطاع يحتاجون بشكل عاجل إلى رعاية متخصصة غير متوفرة في المنطقة.
وحتى أولئك الذين لجأوا إلى الخارج يعانون من ندوب عاطفية عميقة. تقول أمينة غنام البالغة من العمر ثلاثة عشر عامًا، والتي فقدت والدها وشقيقتها، “أشعر دائمًا بالذنب لتركي شقيقتي ورائي. أخشى أنها ربما كانت لا تزال على قيد الحياة، وتركتها”.
وبحسب نيويورك تايمز فإن الناجين في غزة من حرب الإبادة مثل أمينة لا يحملون جراحهم الجسدية فحسب، بل يحملون أيضًا عبء الحزن والذنب.
يصف المصور عبد الله الحاج، الذي فقد كلتا ساقيه في غارة جوية، واقعًا قاتمًا. اشتهر بالتقاط جمال غزة، لكنه يجد نفسه الآن محاطًا بالدمار.
ويقول مسلطًا الضوء على الضريبة النفسية للصراع: “لقد وصلت إلى النقطة التي كنت أتحدث فيها إلى الجثث”.
تحديات مدى الحياة
بالنسبة لأولئك الذين يتلقون العلاج في دول مثل قطر والأردن، فإن العودة إلى غزة المدمرة تظل غير مؤكدة.
يواجه العديد منهم تحديات مدى الحياة، مثل سند العربي البالغ من العمر تسع سنوات، والذي فقد ذراعًا واحدة وليس لديه سوى إبهام في اليد الأخرى.
تقول جدته عن حالته “إن أعظم مخاوفي هو مستقبل سند: هل سيكون قادرًا على رعاية نفسه؟”.
وختمت نيويورك تايمز بأنه مع تحذير منظمات الإغاثة من أزمة الأيتام في غزة، حيث أصبح 19 ألف طفل بلا أبوين، يظل السؤال مطروحًا: كيف سيتمكن هؤلاء الناجون الصغار من إعادة بناء حياتهم؟ في الوقت الحالي، يواصل الجرحى والنازحون كفاحهم من أجل البقاء، متمسكين بالمرونة وسط خسارة لا يمكن تصورها.