صرخ المولود الجديد أيمن معلنًا قدومه للحياة، كانت ولادته ستغدو فرحة كبيرة لوالديه، فهو ابنهما البكر، لكن طائرات الاحتلال قررت غير ذلك، فحين أُصدرت شهادة ميلاد أيمن الصغير، جاءإعلان استشهاد والده أيمن الجدي، في قصف إسرائيلي.
هي مفارقة الحرب، وطبيعة المجرم التي لا تتغير، تفريق الأحباب، وقلب الأفراح أحزانًا وأوجاعًا أكبر من أن تُحتمل.
داخل مستشفى العودة في مخيم النصيرات وسط القطاع، عمت الفرحة قلب الأم، ووزعت الحلوى احتفاء بالمولود الجديد، لكنها لم تعلم أن المأساة كانت على بعد أمتار في خارج المستشفى، بعدما ملأت أشلاء الزوج ودماؤه المكان.
مع أربعة صحفيين، ارتقى الصحفي أيمن الجدي فجر اليوم الخميس، بينما كان ينتظر قدوم مولوده الأول، غارة جوية إسرائيلية استهدفت مركبة البث الخارجية التابعة لقناة "القدس اليوم" في مخيم النصيرات.
قبل لحظات من استشهاده، ظهر الجدي في مقطع مرئي يقول فيه إن يوم الخامس والعشرين من كانون أول/ديسمبر تاريخ مميز سيكون يوم ميلاد طفله الأول، دون علمه أن إجرام الاحتلال سيحرمه من احتضان مولوده ولو لمرة واحدة، أو رؤية تلك اللحظة التي كان ينتظرها بشغف.
وبصاروخ واحد، والكثير من الحقد، قطع الاحتلال لقاء الطفل بأبيه، بل حرم تلك العائلة من اللقاء في الدناء، ليكون أيمن الصغير أحد الشواهد العديدة على الإجرام الإسرائيلي.
ولاقت الحادثة تفاعلا كبيرا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر الكثيرون عن غضبهم من حجم جريمة الاحتلال وحقده.
وكتب الصحفي وائل الدحدوح "تزوج في الحرب، وكان يُؤدي عمله، وينتظر ولده الأول أمام المستشفى، فاستُشهِد هو وزملاؤه الأربعة، ووُلِد طفله يتيما، واجتمعت على زوجته آلام المخاض، وآلام الفقد، وآلام مستقبل مجهول في حرب لا تبقي ولا تذر …"
فيما كتبت إيناس هنية " سجل ياوجع حكاية ألم جديد، أب يُقتل في يوم ميلاد ابنه وأمٌ فَرِحة لا تعلم بإستشهاد والد طفلها وتنتظر بشغف قدوم ابيه ليؤذن في أُذنه ..سجل يا تاريخ قذارة العالم ..وهواننا عليه أجمع".
وكتب الكويتي محمد الكندري الذي سبق له أنزار غزة والتقى الجدي "أرجع لك وألقاك حي يُرزق.. رحمة الله عليك يا أيمن الجدي .. بإذن الله حي ترزق عند رب العالمين .. أيمن كان متوجه للمستشفى لاستقبال مولوده الأول، تم قصف السيارة التي كان بها هو وأربعة من زملائه"
وغرّد يونس أبو جراد "تاريخ شهادة الأب، تاريخ ميلاد نجله .. سلاما على الراحلين إلى سماء الرحمة والعدل، وسلاما على أرواح القادمين من رحم الألم الإنساني الأقسى .. أيمن نجل الزميل الصحفي أيمن الجدي، ولد اليوم مساء بعد استشهاد أبيه بساعات .. رحم الله أباك، وحقق ثأرك بيمينك يا أيمن".
وكتب خالد صافي "لم يكن يعلم أنها اللحظات الأخيرة، وأنه يشارك أصدقاءه العشاء الأخير، والكلمات الأخيرة، والابتسامات الأخيرة. لم يكن يعلم أو كان يعلم أن هناك مسيّرة حاقدة في سماء غزة، ترقب حركاته وسكناته، تنتظر اللحظة التي تنزع فيها روحه مع رفاقه في غدرٍ لا يعرف إلا لغة الموت."
وتناقل نشطاء مقطع فيديو الشهيد أيمن قبل استشهاده، وهو يعبر فيه عن فرحته الكبيرة بانتظار ولادة نجله الأول.