مأساة مزدوجة تعيشها قرية أم صفا الفلسطينية، الواقعة إلى الشمال من مدينة رام الله، في ظل استمرار إغلاق الاحتلال لمدخليها الرئيسيين، منذ نحو عام، تزامنًا مع إقامة مستوطنين بؤرة جديدة على أراضيها.
منذ السابع من أكتوبر 2023، أصبحت القرية التي لا يزيد تعداد سكانها عن 750 نسمة، معزولة عن محيطها، بعد إغلاق الاحتلال مداخلها الرئيسية، في حين تتعرض أم صفا لهجمات مستوطنين متواصلة، واقتحامات مستمرة من جيش الاحتلال.
ومع أن مساحة القرية تبلغ 4800 دونم، إلا أن سلطات الاحتلال تمنع التوسع العمراني فيها، إذ ينحصر البناء في 300 دونم منها فقط.
وتتمثل المأساة الأكبر بمصادرة الاحتلال نحو 500 دونم من أراضيها، في منطقة "جبل الرأس" إلى الجنوب من القرية، حيث ينشط المستوطنون في الوقت الحالي، بإقامة بؤرة استيطانية، بحماية من جيش الاحتلال.
ومع أن الجبل كان يشكل امتداد القرية نحو الشمال ويصلها بقرية عارورة المجاورة، فإن المستوطنين وضعوا خيماً فوقه، وذلك بعد وضع أسلاك شائكة حول المساحات المصادرة.
الجنّة المسروقة
وبألم كبير، يتحدث المزارع أبو مروان، عن أرضه التي سلبها المستوطنون قبل نحو عام، ومنعوه من دخولها وحراثتها وزراعتها، وهي التي كانت "جنة" على حد وصفه، مزروعة بالخوخ والعنب والمشمش والزعتر وغيره.
ويقول لـ وكالة سند للأنباء "في أول الأمر أرسلوا لنا إخطارًا بإخلاء الأرض ومنع الدخول إليها، وبعد شهور بدأت جرافاتهم بأعمال تجريف وتسوية، ثم صارت أعداد المستوطنين تتزايد، وباتوا يقيمون بالمكان ليل نهار، بحراسة جيش الاحتلال".
ويتابع "مساحة الأرض تزيد عن 18 دونمًا، وأملك فيها أوراق تسجيل رسمية من سلطة الأراضي الفلسطينية، ولكن أمام قوة وسطوة المحتل لا تنفع تلك الأوراق، فهم لا يعترفون بها، ومن خلفهم دولة تقدم لهم كل الدعم الذي يريدون".
ورغم ذلك، فلدى أبو مروان آمال كبيرة بأن تعود الأرض لأصحابها الأصليين، عندما يرحل الغرباء.
ويرى المواطن عمر نصر طناطرة، أن المستوطنين يؤسسون بالفعل لإقامة مستوطنة في منطقة جبل الرأس، ويتذرعون أن المنطقة مصنفة أراضي دولة، وأنه يحق لهم استغلالها كيفما شاؤوا.
وبين لوكالة سند للأنباء أن المستوطنين نصبوا خيامًا ووضعوا خزان مياه وأقاموا خلايا طاقة شمسية، ويرعون أغنامهم في الأراضي الفلسطينية بشكل يومي، بينما يمنع الفلسطينيون من ذلك، وإذا اقترب فلسطيني منهم، سيتعرض للاعتقال، كون جيش الاحتلال يتواجد بشكل دائم بالمكان ومحيطه.
إقامة جبرية
بدوره، يقول المزارع محمد العبيات أبو صلاح، بأنه بات يعيش في منزله وكأنه في إقامة جبرية، فمغادرة المنزل كما يقول، تعني التعرض لتهديد وإرهاب المستوطنين واستفزازهم.
ويوضح أبو صلاح لوكالة سند للأنباء أن المستوطنين من رعاة الأغنام يتواجدون بشكل دائم في محيط منزله، ويشكلون خطرًا دائمًا عليه وعلى أسرته، عدا عن الإزعاج الذي تسببه أصوات جرافاتهم التي تقوم بتسوية قطعة الأرض التي قاموا بمصادرتها، وإقامة الخيام فوقها.
أما رئيس مجلس قروي أم صفا مروان صباح، فيعتقد أن الهجمة التي تواجهها القرية، جزء من الهجمة الاستيطانية التي تشهدها مناطق مختلفة من الضفة الغربية، والتي يشترك في تنفيذها الجيش والمستوطنون ومن خلفهم حكومة الاحتلال ووزراؤها.
ويتحدث صباح لوكالة سند للأنباء عن هجمة مزدوجة تتعرض لها القرية، فالجيش يغلق الطريق إليها، وينفذ اقتحامات بشكل شبه يومي للمنازل، ويمارس عمليات إرهاب وتخويف للسكان، فيما المستوطنون يواصلون البناء في أراضي أم صفا، ويرتكبون بين فترة وأخرى هجمات على المنازل، شملت حرق عدة منازل، وإلقاء الحجارة والزجاجات نحوها.
تفريغ القرية من أهلها
وتحولت حياة أهالي القرية إلى جحيم بعد إغلاق جيش الاحتلال مدخليها الشرقي والغربي بصورة كاملة منذ السابع من أكتوبر 2023، مع تصاعد هجمات المستوطنين عليهم.
ويبين ضيفنا أن الوضع الاقتصادي في القرية تراجع بشكل ملحوظ، بسبب عزوف كثير من التجار والباعة عن دخول القرية، حتى لا يتعرضوا لاستفزازات الجيش، أو الانتظار ساعات طويلة للتفتيش، وفي أحسن الأحوال قطع مسافات بعيدة وطرق وعرة للوصول إليها.
ويعتبر صباح أن المستوطنين بدعم من حكومة نتنياهو يسعون إلى تفريغ القرية من أصحابها، وتهجيرهم إلى خارجها.
وفي تقريرها السنوي، كشفت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، عن إقامة 51 بؤرة استيطانية جديدة، 36 منها أخذت شكل البؤر الرعوية، خلال عام 2024.
ولفتت إلى أن عدد المستوطنين في الضفة، بلغ نهاية عام 2024 نحو 770 ألفا و420 مستوطنًا، يتوزعون على 180 مستوطنة، و256 بؤرة استيطانية، منها 138 بؤرة تصنف على أنها رعوية وزراعية.
وكشف التقرير عن استيلاء سلطات الاحتلال، العام المنصرم، على 46 ألفا و597 دونما بالضفة، بموجب ما أصدرته من جملة أوامر عسكرية.