الساعة 00:00 م
الجمعة 11 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.88 جنيه إسترليني
5.3 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.21 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

"الصحة العالمية": الحصار على غزة يترك العائلات جائعة وتعاني من سوء التغذية

تقشّعر لها الأبدان.. شهادة ممرض شارك في إجلاء ضحايا محزرة الشجاعية

ودعت أغلى ما تملك.. وجع الفقد يُصيب قلب إخلاص الكفارنة في مقتل

تحت تهديد السلاح.. خلع للحجاب والملابس..

بالفيديو والصور ناجية من مستشفى كمال عدوان: شهادة ممرضة عن الإهانات والإذلال تحت التهديد

حجم الخط
حصار كمال عدوان
غزة – إيمان شبير – وكالة سند للأنباء

لا تستطيع أن تمحو من ذاكرتها ما حدث، كلما حاولت أن تُبعد تلك الصور، عادت لتطفو أمام عينيها ككابوس يقظ، لم تستوعب حتى الآن كيف تحولت في لحظة إلى جسد يُجرد من كرامته تحت تهديد السلاح، وكيف صار العالم حولها مسرحًا للقهر، بينما هي البطولة التي لم تخترها، كانت هناك، واقفة كتمثال هشّ، وأوامر الجنود تخترق أذنيها كرصاص حي، تأمرها بخلع ما تبقى من سترها.

كل زاوية في مدرسة الفاخورة التي تحولت إلى مركز للتحقيق كانت شاهدًا على الألم، لكن تلك الزاوية التي وقفت فيها ستظل محفورة في ذاكرتها، كان الهواء ثقيلًا بالخوف، والجدران تنزف صرخات مكتومة من نساء أخريات مررن بنفس التجربة، كيف لها أن تنسى؟ كيف يمكنها أن تنسى؟ كل مرة تحاول فيها المضي قدمًا، كانت تلك اللحظة تعيدها إلى الوراء، تعيدها إلى نفسها الضعيفة التي أجبروها على مواجهتها.

لم تكن الأيام كافية لتشفي الجرح، ولا الصمود كافيًا لينسيها، كل شيء صار ذكرى لا تستطيع الهروب منها، وذاكرة مشبعة بالقهر ترفض أن تمحوها مهما حاولت.

وفي 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، وأقدم على إحراق مرافقه، وخلال الاقتحام، أجبر الطواقم الطبية والمرضى على خلع ملابسهم تحت البرد القارس، ولم تقتصر الانتهاكات على ذلك، حيث اعتقلت القوات الإسرائيلية مدير المستشفى، الدكتور حسام أبو صفية، في ظل أوضاع إنسانية وصحية كارثية.

"وكالة سند للأنباء" تحدثت مع ممرضة فضّلت عدم ذكر اسمها، عايشت الأوضاع الشرسة في مستشفى كمال عدوان حتى اللحظات الأخيرة، وتعرّضت خلالها للإهانة والضرب المبرح.

3fccf891-ec56-47e1-9bc9-d3ccf4b48bea.jpg

"أهوال صعبة أكبر من الوصف"..

تقول الممرضة "غ.ج"، بنبرةٍ شجية: "في بداية الحرب، كان الوضع صعبًا للغاية، بعد أن اضطر أهلي النزوح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه في أكتوبر 2023، وبقيت أنا وزوجي في مستشفى كمال عدوان بسبب عملنا هناك، ومع مرور الأيام، بدأ الوضع يتدهور تدريجيًا."

وبالرجوع إلى الذاكرة قليلًا، تذكر حصار المستشفى: "ظل الوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، كانت القوات الإسرائيلية على بعد مسافة قريبة من المستشفى، وتدمرت الخدمات بشكل كامل، كان هناك قصف يومي، وأصوات الطائرات كانت تُسمع في المستشفى، تم استهدافنا بشكل مستمر، ولم يكن هناك مكان آمن."

وتكمل: "بينما كانت المياه والكهرباء تنقطع يوميًا عن المستشفى، كنا في حاجة ماسة إلى الإمدادات الطبية، في تلك اللحظات، كان الدكتور حسام يطمئننا ويساعدنا على البقاء صامدين رغم التحديات."

أما عن الحصار، فتقول: "في الفترة الأخيرة من الحصار، لم أتمكن من مغادرة المستشفى بسبب الوضع الأمني، لم يعد بإمكاني العودة إلى المنزل، فقررت أن أظل في المستشفى، حيث كان الوضع أكثر أمانًا."

وحول الجرائم التي شهدتها خلال الحصار والاقتحام، تشير: "أبشع الجرائم كانت عندما وصل مصابون إلى باب المستشفى في حالة حرجة، كانت القوات الإسرائيلية تستهدف حتى المصابين بشكل عشوائي، وكانوا المصابين على بوابات المستشفى، وتدور حولنا معارك طاحنة."

تستذكر، "في إحدى اللحظات، وصلنا خبر عن وجود قنبلة مفخخة عند باب المستشفى، كنا جميعًا في حالة من الخوف والقلق، كان هناك ضغط نفسي شديد، وكان الجميع يتنقل في الممرات بحثًا عن أمان، لم نتمكن من النوم طوال الليل، وكنا نترقب صباح اليوم التالي بحذر."

وتتابع: "كان الوضع في المستشفى في غاية الصعوبة، وبقينا ننتظر طوال الليل، متخوفين من انفجارها، كانت تلك اللحظات من أصعب المواقف التي مررنا بها، وكان الضغط النفسي علينا شديدًا، لم يكن لدينا أي فرصة للراحة أو للنوم، لكن تفاجئنا صباح اليوم أنها القنبلة عبارة عن "كرتون" كضغط نفسي آخر علينا".

وتقول: "أما بالنسبة للأكل والشرب، فقد كانت الموارد نادرة للغاية، المياه كانت تصلنا بشكل متقطع، وكان الغذاء شحيحًا، في بعض الأحيان، وصلت مساعدات من منظمة الصحة العالمية، وكانت الكميات المتوفرة تُوزع على المستشفى، شملت هذه المساعدات معلبات من المكرونة وبعض المواد الغذائية البسيطة، كنا نكتفي بالقليل مما نحصل عليه للبقاء على قيد الحياة."

c779e0de-56d9-49fe-9aa8-ddef9e3b7465.jpg

"براميل متفجرة"..

وتتابع بأنفاسٍ متقطّعة، "كانت أصعب المواقف هي كثرة القصف الجوي والبراميل المتفجرة التي كانت تُسقط يوميًا على المستشفى، كان هناك دائمًا إطلاق نار مباشر، وكنا نضطر للخروج إلى الممرات هربًا من القصف، كان الوضع يزداد تعقيدًا كل يوم، وكان إطلاق النار المباشر يهدد حياتنا في كل لحظة.

وتضيف: "عاش المرضى والمصابون في المستشفى معاناة كبيرة، حيث كان هناك شهداء من بينهم بسبب القصف المستمر، بعضهم كانوا من الشباب الذين خرجوا لتوصيل الطعام لعائلاتهم، ولكنهم استشهدوا نتيجة القصف".

وتُبيّن ضيفتنا، "كانت هناك صعوبة كبيرة في الوصول إلى المصابين، خاصة في الأيام الأخيرة داخل المستشفى، كان هناك العديد من الجرحى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة، لكن بسبب نقص الأطباء والمعدات، كان البعض ينزف حتى استشهد".

وتشرح بعد تنهيدة مؤلمة، "كانت الطلقات تتساقط على الجميع في المستشفى، وكان البعض يُصاب إصابات مباشرة نتيجة لها، لم يكن هناك مكان آمن داخل المستشفى، حيث كان الخطر يلاحق الجميع، سواء المرضى أو الزوار".

ورسمت الممرضة صورة مأساوية لما شهدته في كمال عدوان، تقول: "في مناطق شمال غزة مثل كمال عدوان، ما زال العديد من الأشخاص تحت الأنقاض، وصل عدد المفقودين إلى المئات، وكان من الصعب الوصول إليهم بسبب استمرار القصف وحصار المنطقة، كان الوضع بالغ الصعوبة، حيث أن معظم العائلات كانت مدفونة تحت الأنقاض، والطرق المقطوعة كانت تحول دون الوصول إليهم".

وبدأت الأوضاع تتأزم بشكل غير مسبوق، تُعبّر: "في آخر أيام الحصار، دخلت القوات الإسرائيلية إلى المستشفى بشكل رسمي، وليس مجرد تهديد، كانت هناك عمليات تفتيش للمرضى والموظفين، مما زاد من الضغط النفسي والمعنوي على الجميع."

تصاعدت حدة التوتر مع اقتراب قوات الاحتلال، تضيف: "قبل هذه المرحلة، كانت هناك العديد من المواقف التي لم يتناولها الإعلام، عندما وصل الجيش إلى المستشفى في الساعة السادسة صباحًا، بدأت الدبابات والجرافات بالتحرك نحو المستشفى، وحدث ما كنا نخشاه، بدأ الهجوم والاقتحام، كانت القوات تحاصر المستشفى وتهدد بتدميره إذا لم يتعاون الطاقم."

وفرض الاقتحام واقعًا مريرًا على الجميع، تعبر قائلةً: "بعد الاقتحام، خرجنا من المستشفى تحت تهديد السلاح. بدأنا بإخلاء المرضى الذين كانوا قادرين على المشي، وخرجنا جميعًا تحت تهديد دبابات الجيش، كانت الطريق مليئة بالدمار، حيث كانت الأرض مغطاة بالرمال والركام."

وتُبين ضيفتنا: "الإهانة طالت الجميع دون استثناء، تعرضنا لمعاملة مهينة، حيث تم أخذ هواتفنا وأُجبرنا على خلع ملابسنا تحت التهديد."

وتسرد، "نُقلنا إلى مكان أشد قسوة إلى مدرسة الفاخورة، حيث كان هناك مجموعة من الرجال، في البداية، طُلب إخراج النساء، وأُجبرنا على خلع الحجاب، كانت الأوضاع مؤلمة للغاية، ولم نستطع المقاومة."

وتُكمل بدمعةٍ سبقت حديثها: "لم تتوقف الإهانة عند هذا الحد، تعرضنا للشتائم والضرب، وكان الضغط علينا كبيرًا، في إحدى اللحظات، طلب مني أحد الجنود خلع ملابسي وتفحص شعري، كما تعرضت النساء للضغط النفسي والإهانة".

وتضيف، "في الوقت الذي كنت أتواجد فيه لم يحدث أي تحرش جنسي، لكن كان هناك ضغط كبير لإجبار الفتيات على خلع الحجاب والتعرض للإهانة، وتعرضنا أيضًا للضرب والشتائم، مما أضر بمعنوياتنا بشكل كبير".

وتصف لحظة النزوح قائلةً: "أصعب اللحظات كانت خلال المشي تحت تهديد الجيش، حيث كانت دبابتان أمامنا وخلفنا، كانت الأجواء مشحونة بالتوتر، والخوف من إطلاق النار أو الاستهداف كان يشل تفكيرنا، في تلك اللحظات، كانت هناك مجموعة من الممرضات اللاتي تعرضن لمعاملة قاسية وواجهن نفس الضغوط".

ماذا عن اعتقال الدكتور حسام أبو صفية، تُجيبنا: "اعتُقل الدكتور حسام لاحقًا في المساء، ورغم أنني لم أكن حاضرة وقتها، إلا أن من بقوا معه أخبروني أن الاعتقال كان مفاجئًا وقاسيًا، وتعرض للتفتيش والإهانة".

تسترجع ما تبقى من الذاكرة، "كنت أتذكر مواقف كيف مرت الأيام والليالي وأنا داخل المستشفى، كانت الأوضاع صعبة جدًا، ونحن في حالة ترقب دائم، في كل لحظة كنا نسمع أصوات التفجيرات، وكان الألم يزداد في قلبي وفي قلوب الجميع، كنا نعيش بين الأمل واليأس، وكل لحظة كانت تعني فرصة جديدة للنجاة أو الخوف من المجهول، الصدمة كانت تتسارع، وكانت المرة الأولى التي أعيش فيها تلك اللحظات التي تشعرني بأنني جزء من هذا الألم الكبير."

68441d71-c3d8-49b3-b3cb-ebb997a54b21.jpg

"رعب لا مثيل له"..

تستحضر مشاهد النزوح القاسية، قائلة إن سكان المناطق الشمالية عاشوا ظروفًا أكثر شدة، لكنها توضح أن المعاناة لم تستثنِ أحدًا. تروي كيف نزحت هي وعائلتها مرات عديدة خلال الحرب، متنقلة بين الخيام والمناطق المختلفة، حيث واجهوا أوضاعًا تفوق الوصف من القسوة والتشرد.

بين هذه التنقلات، تتذكر اللحظات العصيبة داخل المستشفى، حيث كانت الروبوتات العسكرية تجوب المنطقة، ناشرة الذعر في النفوس. وتؤكد أن الخوف الأكبر كان من استهداف المستشفى مباشرة، خاصة مع امتلائها بالمرضى والجرحى الذين لا حول لهم ولا قوة.

وتنتقل للحديث عن الأصوات المرعبة التي كانت تسمعها يوميًا، من تفجيرات وإطلاق نار، مشيرة إلى الروبوتات التي كانت تقف بشكل يومي عند بوابات المستشفى، ما جعل شعورهم بالخطر يتعاظم مع كل لحظة.

في خضم هذا الخوف، تسرد كيف تعرض زوجها للاعتقال لمدة يوم كامل، لتصف ذلك بأنه وسيلة ضغط ممنهجة ضد العائلات التي احتمت بالمستشفى. وتتابع بالقول إن المستشفى لم يسلم من الضرر، حيث تعرضت أجزاء منه للحرق، وتم تجريف ساحته. وتضيف بنبرة مشحونة بالألم أن هناك شهداء دفنتهم الجرافات في الساحة، مشهد لن يُمحى من ذاكرتها.

وتستذكر الليالي التي قضتها بلا نوم، حيث كانت الانفجارات والصراخ تحاصرها من كل جانب، توضح أنها عاشت أيامًا طويلة في حالة يقظة دائمة بسبب القصف المستمر، الذي جعل النوم رفاهية مستحيلة.

وسط هذا الدمار، تبرز حادثة بطولية، عندما استُهدِف أحد الأطباء أثناء أداء واجبه، تُكمل بحماس أن الطاقم الطبي تمكن من إنعاش قلبه بنجاح في غرفة العمليات، مشيرة إلى أن مثل هذه اللحظات البطولية كانت بمثابة شعاع أمل في وسط الظلام.

وتشير بفخر إلى صمود السكان النازحين الذين تحدوا الخوف واستمروا في البحث عن ملاذ آمن، حتى لو كان تحت أنقاض المنازل المدمرة. وتؤكد أن التحدي لم يكن فقط في النجاة، بل في الحفاظ على روح المقاومة.

وتختم بسرد معاناتها الشخصية وشعورها بالعجز، موضحة أن المناشدات اليومية لتوفير ممرات آمنة لم تلقَ أي استجابة، مضيفةً أن نقص الأدوية والمعدات الطبية كان عقبة كبرى أمام الطاقم الطبي والمرضى، الذين ظلوا يقاتلون من أجل البقاء في ظروف تفوق الوصف.