تعيش الضفة الغربية منذ الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى أجواء استثنائية، امتزجت فيها الفرحة بقرب تحرر الآلاف من الأسرى الفلسطينيين، مع مشاعر الألم لما دفعته غزة من تضحيات باهظة من أرواح ودماء أبنائها ومن عمرانها ثمنا لحرية الأسرى.
وبينما تابع كثيرون باهتمام تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار، ورأوا فيه بارقة أمل بوقف شلال الدم النازف في قطاع غزة، كانت عائلات الأسرى تتنقل بين القنوات والمواقع الإخبارية بحثا عن أي معلومة تبشرهم بحرية أبنائهم.
ويبلغ العدد الكلّي للأسرى الذين ستُفرج عنهم "إسرائيل" في إطار المرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، 1904 أسرى فلسطينيين، بينهم 735 أسيرا من سكان الضفة الغربية.
كما سيتم إطلاق سراح 1167 أسيرا من سكان قطاع غزة الذين اعتقلوا خلال الحرب ولم يشاركوا في عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وعلى أحرّ من الجمر انتظرت عائلة الأسير زيد زياد عامر (36 عاما) يوم نيله حريته من الأسر طيلة 10 سنوات، وها هي تفرح بورود اسمه في قوائم الأسرى المقرر الإفراج عنهم في المرحلة الأولى.
ومنذ عدة أيام، لم ينم والد زيد إلا ساعات معدودة وهو يتابع تطورات الصفقة وكل ما يتم تسريبه من قوائم الأسرى المشمولين بالصفقة، قبل أن يتلقى تأكيدا بإدراج اسم ابنه في تلك القوائم.
واعتقل زيد عام 2015 بعد شهر من زفافه، تاركا وراءه زوجة في بداية حملها، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد مرتين لضلوعه في عملية "ايتمار" التي نفذتها كتائب القسام مطلع أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام ردا على جريمة حرق عائلة دوابشة.
ورزق الأسير زيد بابنته "هديل" بعد تسعة شهور من اعتقاله، ثم رزق بطفلين توأمين، "أسامة" و"رضا" (5 سنوات)، عن طريق النطف المهربة، وقد تجهزوا واستعدوا جيدا لاستقبال والدهم.
ورغم أن الأطفال الثلاثة لم تتح لهم فرصة اللقاء بأبيهم عن قرب إلا مرات معدودة، لكنهم يعرفون عنه الكثير من خلال الصور ومما حدثتهم به أمّهم.
حلم حققته المقاومة
يقول غسان عامر، شقيق الأسير زيد، واصفا فرحة العائلة: "الحمد لله، هذا يوم من أيام الله، نشعر وكأننا في حلم ما كان ليتحقق لولا فضل الله أولا ثم بفضل مقاومتنا في غزة وتضحيات أهل غزة".
وتحدث غسان لـ"وكالة سند للأنباء" عن مشاعر مختلطة بين الفرح بحرية الأسرى وقرب وقف شلال الدماء في غزة، من جهة، والألم لما أصاب أهل غزة طيلة 15 شهرا من حرب الإبادة.
وقال: "بلا شك فرحتنا منقوصة، فهذه الحرية لم تأت بسهولة، وإنما جاءت بالدماء والأشلاء والتضحيات الكبيرة، لكننا نفرح لفرح أهلنا بغزة بوقف الحرب، فهذا الفرح يعني أنه مع الألم يولد الأمل".
وتتضمن صفقة التبادل الإفراج عن جميع الأسيرات والأطفال الذين اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر 2023.
وبدموع الفرح استقبل عمار معلواني، والد الأسيرة حنان معلواني، نبأ التوصل لصفقة تبادل الأسرى، وقرب الإفراج عن ابنته.
واعتقلت معلواني في التاسع من فبراير/ شباط 2024 من منزل عائلتها بمدينة نابلس، ولم تزل موقوفة منذ ذلك الحين، وخضعت لعدة جلسات محاكمة طلبت مخابرات الاحتلال في بدايتها سجنها 5 سنوات.
فرحة منقوصة
ورغم مضي أقل من عام على اعتقالها، إلا أن والدها يقول إن هذه السنة كانت صعبة للغاية، فليس سهلا على العائلة أن ينتزع الاحتلال ابنتها ويودعها في سجون لا يصلها نور الشمس.
وقال معلواني لـ"وكالة سند للأنباء": "الحمد لله أولا وأخيرا، فرحتنا لا توصف، لكنها فرحة منقوصة بعد كل التضحيات وعشرات آلاف الشهداء والدمار الكبير في غزة، وحسبهم أن الله لن يضيع تضحياتهم".
وأضاف: "نترحم على الشهداء، ونوجه التحية للمقاومة التي وصلت لهذا الإنجاز".
ومن بين نحو 550 أسيرا محكومون بالسجن المؤبد، يتوقع أن يتم الإفراج عن 296 من أصحاب المؤبدات في جميع مراحل الصفقة.
الشاب عاهد أبو بكر (23 عاما) كان في الشهر الخامس من عمره عندما اعتقل الاحتلال والده القيادي بكتائب شهداء الأقصى ياسر أبو بكر في اجتياح مدن الضفة الغربية في أبريل/ نيسان عام 2002، واليوم ينتظر بلهفة خروج والده ليعانقه لأول خارج أسوار السجون.
وطوال 23 عاما لم تتح الفرصة لعاهد التواصل مع أبيه إلا من خلال الزيارات والمكالمات الهاتفية التي انقطعت منذ بدء الحرب على غزة.
23 سنة من الانتظار
يقول عاهد لـ"وكالة سند للأنباء": "فرحون جدا بحرية أبي المرتقبة، فأنا وأمي ننتظر هذه اللحظة منذ 23 سنة".
وأوضح أن ما زاد من فرحتهم أنها جاءت فجأة ولم يكونوا يتوقعون أن تتم بهذه السرعة، وكذلك لأن والده سيعود إلى بيته ولن يُبعد للخارج.
وأشار إلى أن ثلاث صفقات مرت على والده وهو داخل الأسر، ولم يُقدّر له أن ينال حريته فيها بسبب رفض الاحتلال.
وفي غمرة فرحتهم، تبقى صور الإبادة الجماعية في غزة حاضرة في أذهان أهالي الأسرى المحررين بالصفقة.
ويقول عاهد: "رغم فرحنا، لكننا في الوقت نفسه حزينون لما أصاب أهلنا في غزة وما قدموه من تضحيات جسام، ونقف إجلالا واحتراما لكل ما حققوه بصمودهم وصبرهم ومقاومتهم".