في مشهد جديد من مشاهد التهجير القسري والتهويد الممنهج، أطلقت بلدية الاحتلال في القدس بالتعاون مع ما تُسمى بـ"وزارة شؤون القدس"، مشروع "وادي السيليكون" الاستيطاني في حي وادي الجوز؛ يهدف في حقيقته إلى محو المعالم الفلسطينية واستبدالها بمنشآت استيطانية تخدم مصالح الاحتلال وتعزز قبضته على المدينة المحتلة.
ومشروع "وادي السيليكون" هو خطة استيطانية جديدة أطلقتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في حي وادي الجوز بمدينة القدس المحتلة، يهدف إلى تحويل المنطقة إلى مركز تكنولوجي وتجاري يخدم المصالح الإسرائيلية على حساب المعالم الفلسطينية والوجود السكاني العربي.
ويتم الترويج لهذا المشروع تحت غطاء "التطوير الاقتصادي"، لكنه في حقيقته جزء من سياسة تهويد ممنهجة تستهدف تهجير الفلسطينيين قسرًا من المدينة، وتقويض هويتهم التاريخية والثقافية.
ووفقًا للمعطيات الحالية، يتضمن المشروع مصادرة حوالي 2000 دونم من الأراضي الفلسطينية في الحي، إلى جانب هدم ما لا يقل عن 200 منشأة تجارية وصناعية، مما يهدد مئات العائلات بفقدان مصادر رزقها.
"تضييق الخناق على الفلسطينيين"..
يقول المختص في الشأن الإسرائيلي فراس ياغي، إن "إسرائيل" تستولي على الأراضي باستخدام قوانين متعددة، بعضها يعود لفترة الانتداب البريطاني مثل قانون عام 1943، والذي يسمح بالاستيلاء على الأراضي بحجة المصلحة العامة، موضحًا أن هذا القانون يُستخدم كذريعة لمصادرة الأراضي الفلسطينية.
ويشير "ياغي" في تصريحٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء"، إلى قانون أملاك الغائبين، الذي يتيح لإسرائيل وضع يدها على الممتلكات إذا لم يكن هناك إثبات ملكية من أصحابها، مما يسهل عملية الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشكل قانوني.
ويوضح أن مشروع "وادي السيليكون" في وادي الجوز يُعتبر مشروعًا تطويريًا يهدف، وفق الرواية الإسرائيلية، إلى تحسين الاقتصاد والبنية التحتية، مشيرًا إلى أنه سيبدأ تنفيذه بين عامي 2024 و2028.
ويشرح أن المشروع سيؤدي إلى مصادرة 2000 متر من الأراضي الفلسطينية في وادي الجوز، وهدم أكثر من 200 منشأة صناعية وتجارية ومطاعم، وهي المنطقة الصناعية الوحيدة لسكان شرق القدس، مُضيفًا أن المشروع سيبني طوابق عالية تحتوي على مكاتب حكومية ومنشآت تكنولوجية.
ويصف المشروع بأنه يهدف إلى دمج شرق القدس وغربها، وتقليل الفوارق بينهما، تحت شعار توحيد المدينة، موضحًا أن ذلك يتضمن تحسين البنية التحتية لتتطابق بين الجزأين، مما يعزز فكرة "القدس الموحدة" كعاصمة لإسرائيل.
ويشير إلى أن المشروع سيغير معالم شرق القدس بالكامل، مما يهدد الهوية العربية للمدينة، مُبيّنًا أن تنفيذ المشروع سيخلق حاجزًا جغرافيًا بين أحياء المدينة ويعيق التواصل بين السكان، في محاولة لتضييق الخناق على الفلسطينيين ودفعهم للهجرة.
ويستطرد أن إسرائيل تخطط لتحويل الفلسطينيين إلى أقلية في القدس الشرقية، حيث يبلغ عددهم حاليًا 320 ألفًا مقارنة بـ220 ألف مستوطن، مؤكدًا أن ذلك يأتي ضمن مخطط استراتيجي لزيادة عدد المستوطنين اليهود في المدينة.
يذكر أن المشروع حصل على ميزانية تقارب مليار دولار، وتم تمريره من قبل لجنة التخطيط والبناء الإسرائيلية، ويهدف إلى تهويد المدينة بالكامل تحت غطاء التطوير الاقتصادي والاجتماعي.
ويبين "ياغي"، أن المشروع سيقضي على الاعتماد الاقتصادي لسكان القدس الشرقية على الضفة الغربية، حيث بات دخول سكان الضفة إلى القدس ممنوعًا، لافتًا أن المنطقة الصناعية الوحيدة في شرق القدس ستُدمر، مما يؤدي إلى خنق النشاط التجاري الفلسطيني.
يختتم بالقول إن المشروع يمثل جزءًا من خطة تهويد شاملة للقدس، تهدف إلى إزالة المعالم الفلسطينية من المدينة وتحويلها إلى مدينة ذات طابع إسرائيلي بحت.
"تغيير جذري في هوية القدس"..
إلى ذلك، يؤكد الباحث والمختص في شؤون القدس فخري أبو دياب، أن مشروع "وادي السيليكون" الذي يروج له الاحتلال ليس مجرد مشروع اقتصادي أو صناعي كما يدعي، بل يهدف إلى تهويد المنطقة وإحداث تغيير جذري في هوية القدس العربية.
ويوضح "أبو دياب" في حديثٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء"، أن منطقة وادي الجوز تقع في قلب شرق مدينة القدس، وتعد من أهم المناطق الحيوية التي تربط البلدة القديمة بمحيطها، مشيرًا إلى أن استهدافها يهدف إلى إحكام السيطرة الإسرائيلية على المنطقة.
ويشير "أبو دياب" إلى أن الاحتلال يسعى إلى بناء مشاريع بمساحة 250 ألف متر مربع على أراضٍ فلسطينية مصادرة، ويبين أن هذا المشروع سيؤدي إلى تدمير الورش والمحال التجارية التي تعد مصدر رزق لمئات العائلات.
ويضيف أن هذا المشروع يشكل جزءًا من مخطط أوسع يهدف إلى تهويد محيط المسجد الأقصى، حيث ستُستخدم المنطقة كمركز استيطاني يربط المستوطنات المحيطة بالبلدة القديمة.
ويبين ضيفنا أن الاحتلال يستهدف تهجير السكان الفلسطينيين من وادي الجوز عبر فرض قيود اقتصادية خانقة وتحويل حياتهم إلى معاناة مستمرة، مما يدفعهم إلى مغادرة القدس قسرًا.
ويضيف، "أبو دياب"، أن المشروع يستخدم قوانين عنصرية، مثل قانون "أملاك الغائبين"، للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، حيث يتم تجاهل أي وثائق ملكية يقدمها السكان المقدسيون.
ويشدد "أبو دياب" أن الاحتلال يعمل على عزل الأحياء الفلسطينية عن بعضها البعض، مما يؤدي إلى تقطيع أوصال النسيج المجتمعي الفلسطيني وتقويض أي وجود متواصل للفلسطينيين في القدس.
ويلفت النظر إلى أن الاحتلال يستخدم المحاكم الإسرائيلية كأداة لشرعنة المصادرات والاستيلاء على الأراضي، حيث تصدر قرارات قانونية تدعم المشاريع الاستيطانية رغم تناقضها مع القوانين الدولية.
ويشير إلى أن مشروع "وادي السيليكون" يأتي ضمن سلسلة طويلة من المشاريع التي تهدف إلى تحويل القدس إلى مدينة إسرائيلية بحتة، مما يغير ملامحها التاريخية والدينية والثقافية.
ويذكر "أبو دياب" أن المخططات التهويدية تهدف أيضًا إلى القضاء على أي نشاط اقتصادي فلسطيني في القدس، حيث تسعى لتحويل السكان إلى عمالة رخيصة في مشاريع استيطانية تخدم الاقتصاد الإسرائيلي.
ويختتم أبو دياب بتأكيده على ضرورة التصدي لهذه المشاريع التهويدية عبر تضافر الجهود الفلسطينية والعربية والدولية، مشددًا على أهمية الحفاظ على الهوية الفلسطينية لمدينة القدس ومقاومة مخططات الاحتلال بكل السبل الممكنة.