رغم الأهوال التي عاشها الغزيون خلال أشرس الحروب التي عرفتها البشرية، ورغم الفقد الكبير الذي تعيشه معظم عائلات القطاع، إلا أنهم يصرّون على التمسك بأي مظهر للفرحة ينشلهم من حالة الحزن المركب الذي يعيشوه، لا سيما مع حلول شهر رمضان المبارك.
وككل المسلمين في أصقاع الأرض، اعتاد الغزيون ما قبل الإبادة، على استقبال شهر رمضان المبارك بأجواء تملؤها البهجة والفرح، إلا أن الحرب أطفأتها، فخبتت الأصوات والفوانيس، وسكن المواطنون في أماكن لا تشبههم داخل المدارس ومراكز الإيواء، وأصبحوا مجبرين على التعايش مع واقعهم الجديد بعد أن خسروا بيوتهم وإحياء رمضان في أحضانها.
ومع حلول الشهر الفضيل، باتت فوانيس رمضان تُعلَّق على بقايا الجدران المدمرة وأعمدة الخيام ومراكز الإيواء، في محاولة لترميم فرحة قدومه، بعد أن جاء للعام الثاني على التوالي غريبًا ومريرًا لأكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، إذ غابت عنه التجمعات العائلية على موائد الإفطار، فأصبح غياب الأحبة الحاضر الأكبر على موائد الإفطار.
زينة رغم الفقد..
تقول سحاب إبراهيم (60 عاما)، النازحة في إحدى مدارس "أونروا"، "اشتريت زينة رمضان من أحد المحال التجارية وسط المدينة لاستقبال الشهر الفضيل، وعلقتها في الصف الذي أسكن فيه، فهذه عادة لم أقطعها منذ سنوات، وأرفض التخلي عنها بالرغم من استشهاد ابني ومآسي الحرب".
وتوضح إبراهيم، خلال حديثها لـ"وكالة سند للأنباء"، "رغم استشهاد ابني وعدد من أفراد عائلتي؛ إلا ان ذلك لم يمنعني من الاستعداد لشهر رمضان، انحرمت من استقباله العام الماضي وهذا العام لن أكرر الحرمان".
تمسح ضيفتنا دمعة سالت على خدها وتكمل حديثها: "أرغب في إدخال البهجة على قلوب من تبقى من عائلتي، حتى لو كانت مش في بيتي، أريد أن أبعدهم عن أجواء الموت والدمار الذي اعتادوا عليه لأشهر طويلة".
وتشاطر السيدة هناء الخولي جارتها "سحاب" ذات الشعور وذات المكان فتقول: "بالرغم من ضيق الحال؛ اشتريت زينة رمضان لأغيّر من نفسية عائلتي وأحسسهم بشعور جديد غير الحرب".
وتوضح الخولي خلال حديثها لـ"وكالة سند للأنباء": "تعودت على تزيين منزلي كل سنة لكن مر علينا رمضان الماضي واحنا نازحين وما حسينا بطعمه، شو ذنب الأطفال يضلو عايشين بحالة اليأس؟".
وكانت السيدة هناء، تحرص على إشاعة جو من الفرح في منزلها قبيل حلول شهر رمضان، فتزينه بالفوانيس والإضاءات، وعن ذلك تحدثنا: ""كنت أعلق الفوانيس في منزلي وأزين البلكونة لاستقبال رمضان، لكن هذا العام، البيت مدمّر، فزينت الصف اللي نزحت فيه حتى لو ما في كهرباء، شغلنا الأضواء على البطاريات".
تروايح في ساحة المدرسة..
وبعد أن دمّرت مساجد قطاع غزة عن بكرة أبيها، باتت المصليات والمساجد تنتشر في مراكز الإيواء وبين الخيام، في ظل أجواء البرد القارص.
وخلال جولة مراسلة "وكالة سند للأنباء" في إحدى مراكز الإيواء، اصطف المصلون لأدء صلاة التراويح في ساحة المدرسة التي تأويهم بعد تدمير منازلهم.
ورغم البرد والظلام في ظل انقطاع الكهرباء، عبّر الشبان عن فرحتهم لأداء صلاة التراويح بشكل علني هذا العام.
وعن ذلك يتحدث الشاب ميمون محمد: "نصلي الآن التراويح في الساحة والمصليات بعد ما حرمنا الاحتلال منه العام الماضي، كنا نصلي بالصفوف وبهدوء خوفًا من الطيران".
ومع هدم المسجد حيث كان يؤُمه، يضيف ضيفنا: "كنا مشتتين لا يمكن الجلوس داخل المصليات لقراءة القرآن خوفا من طائرات الاحتلال، أما الان فأصلي في مصلى المدرسة في الساحة".
يشاركه مصل آخر يجلس بجانبه، ويقول لـ "وكالة سند للأنباء" : "رمضان الماضي لم نحيا مثل هذه الأجواء من صلاة وطقوس السحور، نشعر بالفرح، الحمدلله".
ولم تشهد معظم مناطق قطاع صلاة التراويح في المساجد العام الماضي، بسبب حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/ 2023.
ودمر الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه المسعورة على القطاع 1109 مساجد، وحَصْد أرواح عشرات آلاف الفلسطينيين الذين كانوا يسارعون إلى الصفوف الأولى وينتظرون بشوق الشهر الفضيل.