كارثة اقتصادية تعيشها مدينة جنين، وتنعكس بآثارها على واقعها المعيشي وحركتها التجارية، نتيجة عدوان الاحتلال المستمر منذ 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، لتتحول المدينة إلى مساحات شبه فارغة، خالية من المتسوقين والزوار.
لكن ما تتعرض له المدينة في الوقت الحالي، هو امتداد، برأي مراقبين، لعمليات الاجتياح المستمرة التي تعرضت لها جنين ومخيمها، وتصاعدت منذ يوليو/تموز 2023، بأشكال مختلفة، أفرزت اقتصادا متهالكا وحياة غير مستقرة.
ويواصل الاحتلال عدوانه على مدينة ومخيم جنين لليوم الـ 51 على التوالي، مخلّفًا العشرات بين شهداء وجرحى، عدا عن موجة نزوح كبيرة ودمار واسع بالبنية التحتية والممتلكات ومنازل المواطنين.
وأفادت اللجنة الإعلامية لمخيم جنين أن "عشرين ألف نازح يقدرون بـ 90% من سكان المخيم، أجبرهم الاحتلال على مغادرة منازلهم قسرًا تحت تهديد السلاح".
غياب الأجواء الرمضانية
وأطفأ عدوان الاحتلال أنوار شهر رمضان، وكتم بهجته، مغيِّبًا أجواء الشهر الفضيل عن المدينة، فاستبدل بمدفع رمضان، أصواتَ مدافعه ورصاصه وآلة إجرامه العسكرية.
وفي وصفه لواقع جنين، بين رئيس بلديتها محمد جرار، أن الاحتلال يسعى، من خلال سياسة ممنهجة ومقصودة، لإلحاق أكبر ضرر ممكن بالمواطن والمرافق العامة، وهو ما يجعل الوضع بالغ الصعوبة، فيما محدودية الإمكانيات لا ترقى لمجاراة هذا النوع من التدمير والخسائر.
ولفت جرار في حديث خاص بـ وكالة سند للأنباء، أن الأضرار الناتجة عن هذا العدوان تنقسم إلى شقين؛ الأول يتعلق بالأضرار المباشرة الناتجة عن عمليات التدمير والهدم، والآخر بالأضرار غير المباشرة التي لحقت بالحالة الاقتصادية.
وتابع "الوضع الاقتصادي في المدينة متدهور، فالأسواق مغلقة منذ أيام طويلة، والدخول المتكرر لجيش الاحتلال الى السوق التجارية أدى الى خسائر تقدر بملايين الشواقل".
منشآت تغلق أبوابها
وأشار جرار أن نحو 9300 منشأة، بين تجارية وصناعية، تضررت في المدينة نتيجة العدوان الإسرائيلي، إلى جانب الخسائر اليومية بالملايين، إثر شلل الحركة التجارية، إضافة الى فقدان آلاف الموظفين أعمالهم وهو ما يجعل حجم الخسائر ضخمة.
وقال جرار "مدينة جنين منكوبة ويجب التعاطي بشكل رسمي مع ذلك، لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإنعاشها".
وحذر من أن استمرار العدوان في جنين، سيعيدها عشرات السنين الى الوراء، معتبرا أن الاحتلال يسعى لفرض واقع جديد في المدينة ومخيمها، عبر عمليات لم نشهد مثيلا لها ولا حتى في العام 2002.
وتقدر غرفة تجارة وصناعة جنين حجم الخسائر اليومية للعدوان الإسرائيلي على المدينة ومخيمها، بـ30 مليون شيقل يوميا.
وبين مدير الغرفة التجارية محمد كميل، أن العدوان على جنين مستمر بشكل فعلي منذ يوليو/تموز 2023، وهو ما أفرز حالة التدهور الاقتصادي الكبيرة التي تبدو الآن بشكل واضح.
إغلاق حاجز الجلمة
وأشار كميل لـ وكالة سند للأنباء أن إغلاق حاجز الجلمة شمال جنين، وهو الحاجز الذي يفصل المدينة عن الداخل المحتل، حرم المحلات التجارية من نحو 3 ملايين زيارة سنوية للمتسوقين والزوار من الداخل المحتل، الذين كانوا يشكلون رافدًا رئيسيًّا من روافد الحركة التجارية في جنين.
وزاد بالقول " 60% من القدرة الشرائية لجنين تأتي من المتسوقين بالداخل الفلسطيني، وإغلاق الحاجز منذ 7 أكتوبر 2023، حتى اليوم، خلق وضعًا كارثيًّا ليس من السهل إعادة إنعاشه".
وأضاف كميل أن "مخاطر الوصول إلى جنين، نتيجة العدوان المستمر، تضع المتسوقين والتجار أمام خيارات صعبة، وتدفع الكثيرين للبحث عن بدائل أخرى، كنقل محالّهم إلى خارج المدينة، مثلما اختار بعض التجار أن يفعل".
وواصفًا الواقع بالمدينة خلال الشهر الفضيل، قال "قد يشاهد الزائر بعض محلات الملابس والأدوات المنزلية والمطاعم مفتوحة، لكن السبب أنْ لا خيارات أخرى لأصحابها والعاملين فيها، حتى لو انتفى البيع وغاب المتسوقون".
وأوضح كميل أن سوق جنين مغلق بشكل كامل، منوها إلى أن المدينة شهدت إغلاقات تجاوزت 40 يوما منذ بداية العام الجاري، وأن قوات الاحتلال تعمدت تدمير البنية التحتية واقتصاد المدينة.
ولفت إلى ارتفاع نسبة البطالة في المدينة إلى 52%، فما ارتفعت نسبة عقود العمل التي تم استبدالها بعقود جزئية إلى 63%.
وأردف "في العام الماضي 2024 شهدت جنين إغلاقًا بشكل كامل لمدة 62 يومًا، دون حساب أيام الجمع والأعياد".
وتحدث كميل عن تعطل عمل المؤسسات الحكومية وبعض البنوك، ما يضطر المواطنين للتوجه إلى مدينة نابلس، لتخليص معاملاتهم الإدارية والبنكية، مناشدًا الحكومة "بإعادة تفعيل وفتح دوائر الوزارات لتقديم الخدمة للمواطنين".
اقتصاد فلسطيني متدهور
وتعليقًا على واقع جنين المتردّي اقتصاديًّا، قال وزير الاقتصاد محمد العامور، إنه جزء من واقع الاقتصاد الفلسطيني المتدهور عمومًا، بفعل الاجتياحات والإغلاقات ونصب الحواجز، وعمليات تدمير البنية التحتية وتجريف الشوارع وغيرها.
وأكد العامور في حديث خاص بـ وكالة سند للأنباء أن الاقتصاد الفلسطيني في كافة المحافظات، يعاني نتيجة العدوان الإسرائيلي الكثير من الضغوطات الاقتصادية المختلفة، وأن الاجتياحات في جنين ومخيمها، أدت لشح الموارد الاقتصادية، ومنها المتسوقون القادمون من الداخل الفلسطيني المحتل.
وأضاف "الاجتياحات الإسرائيلية دمرت البنية التحتية، وألحقت أضرارًا اقتصادية كبيرة في المدينة، ونتيجة تواجد قوات الجيش بشكل مستمر داخل المدينة وشوارعها، حولها إلى ما يشبه منع تجول".
وأوضح الوزير العامور أن معظم الدوائر الحكومية لم تستطع أن تلتحق بأعمالها، فيما العمال من جنين لم يستطيعوا الالتحاق بأعمالهم خارج المدينة، خشية التعرض لخطر جيش الاحتلال".
وأضاف أن كل ذلك يلتقي مع أزمة مالية وضغوطات اقتصادية صعبة تعايشها الحكومة الفلسطينية، نتيجة احتجاز الاحتلال أموال المقاصة، والامتناع عن تحويلها.
وقبل خمس سنوات بدأت "إسرائيل" بالاقتطاع من أموال المقاصة، بدل المخصصات المالية التي تدفعها السلطة الفلسطينية لذوي الأسرى والشهداء الفلسطينيين، قبل أن تبدأ بخصم الأموال التي تدفعها السلطة لقطاع غزة وموظفيها منذ الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول لعام 2023.
وتخصم "إسرائيل" أيضاً من أموال المقاصة التي تصل قيمتها إلى نحو 200 مليون دولار أميركي الديون على شركات الكهرباء الفلسطينية، كما بدأت قبل أشهر عدة بالخصم منها لدفع تعويضات لمصلحة ذوي قتلى إسرائيليين.
وأشارت المالية أن إجمالي الأموال الفلسطينية المحتجزة على خلفية مخصصات والتزامات الحكومة لقطاع غزة، بلغت حتى الآن ما يزيد عن 3.6 مليار شيقل حتى عام 2024، منها حوالي 1.5 مليار شيقل في النرويج، وحوالي 2.1 مليار شيقل لدى "إسرائيل".