تفاقمت الأوضاع المعيشية والإنسانية للغزيين، مع تشديد الحصار الإسرائيلي واستمرار منع الاحتلال، دخول البضائع التجارية والمساعدات الغذائية والطبية والوقود وغيرها من المستلزمات الأساسية لقطاع غزة منذ مطلع شهر مارس/ آذار الجاري.
فإلى جانب النقص الحاد بالمواد التموينية الأساسية، والارتفاع الجنوني في أسعار المتوفر منها بالأسواق، عاد الغزيون إلى معاناة إشعال مواقد النار لطهي الطعام؛ بسبب شح امدادات غاز الطهي، التي سمح الاحتلال بدخولها للقطاع خلال فترة التهدئة بكميات محدودة، قبل أن يعود ويمنع دخولها بالكامل.
وألقى تشديد إجراءات الحصار الإسرائيلي على غزة بظلاله على واقع الناس المأساوي والمتردي في الأساس، حيث يقول المواطنون إنّه عاد ليزداد صعوبة عليهم خاصة في شهر رمضان الفضيل، فيما وصفته جهات حكومية وحقوقية بـ "جريمة حرب".
إذ لم تدم فرحة رائدة الشنشير (48 عامًا)، بدخول غاز الطهي لمدينة غزة وشمالها سوى شهر واحد، حتى عادت أزمة الغاز من جديد، واضطرت إلى العودة لإشعال نار الحطب، لطهي طعامها في شهر رمضان.
تقول المرأة الأربعينية لـ "وكالة سند للأنباء": "هذا ثاني رمضان أطبخ الأكل أنا وعائلتي على نار الحطب، حيث كان يمنع الاحتلال دخوله لمحافظة غزة وشمالها، ولم تدم فرحتنا بعودة الغاز سوى شهر، ثم نغصّوا علينا بإغلاق المعبر وفجأة اختفى الغاز من البلد".
وتشير إلى أنّ عائلتها نالت لمرة واحدة نصيبها من غاز الطهي الذي أُدخل بعد التهدئة بكميات قليلة جدًا، مضيفةً: "فرحنا على 8 كيلو الغاز كأنهم هدية من السماء، قلنا حينها وأخيرًا سنُفارق معاناة إشعال النار لكن ذلك لم يحدث".
وعادت هذه العائلة كغيرها ممن يسكن في قطاع غزة، إلى تجميع الحطب والخشب والكرتون والبلاستيك، ليُساعدها في إشعال موقد النار لطهي الطعام وما تلزمه من مشروبات، موضحةً أنّ الأمر يزداد صعوبةً في شهر رمضان، حيث تنتظر قُرب آذان المغرب لإعداد طعام الفطور ليبقى ساخنًا، وتستيقظ في منتصف الليل تُشعل النار لإعداد وجبة السحور.
واعتمد غالبية أهالي قطاع غزة طيلة أشهر الحرب على إشعال النار لصنع الخبز وطهي الطعام، جراء الأزمة الخانقة في غاز الطهي وانعدام البدائل، وموجات النزوح المتكررة.
ولا يختلف الحال كثيرًا عند صابرين ياسين، تخبرنا أنّ زوجها يساعدها في جمع الحطب وتكسيره أثناء التجهيز لطهي الطعام للإفطار، قائلةً "كنت على أمل أن أطبخ في شهر رمضان على الغاز وليس النار".
وتردف: "عادت حياتنا للمعاناة من جديد فالنار أنهكت صحتنا وأورثتنا أمراضًا كثيرة أبرزها الاختناق الشديد والسعال على مدار الساعة، حتى بتنا لا نقدر على دخانها بعد 15 شهرًا من ملازمتها طوال الوقت للطبيخ والغسيل والاستحمام".
وتلفت إلى أنّ تُقابل النار ساعتين وأحيانًا أكثر لإعداد طعام الإفطار لعائلتها المكونة من ثمانية أفراد، مضيفةً: "عدا عن أزمة الغاز، المواد الغذائية الأساسية شحيحة وأسعارها مرتفعة وهذا واقع صعب خاصة في رمضان".
كذلك يحدثنا المواطن صبحي شرير (50 عاما)، الذي ذهب إلى السوق لشراء كمية من الغاز ثالث يوم من رمضان باعتقاده أنّ أسعاره لا تزال في متناول اليد قائلًا:" تفاجأت من سعر كيلو الغاز الذي وصل بيوم وليلة لـ 150 شيقلًا، بعدما كان 35 شيقلًا(..) شهقت من السعر ورجعت بخفي حُنين مقررًا العودة لحياة النار".
ويُردف بأسى:" توقعت أنّ أزمتنا قد انحلت بعد وقف إطلاق النار، ولم أكن أتخيل أن تنفذ حصتي من الغاز، ويغلقون المعبر بعدها".
ويضطر "شرير" للذهاب يوميًا من الساعة التاسعة صباحًا حتى الواحدة ظهرا للبحث عن الخشب والمواد البلاستيكية من الشوارع ومن بين ركام المنازل المدمرة، ليُساعده في إشعال موقد النار لإعداد وجبتي الإفطار والسحور.
لكنّ لعدم قدرتهم على الوقوف كثيرًا أمام النار خاصة في فترة الصيام قرر ضيفنا مع زوجته الاعتماد على الأكلات التي لا تحتاج وقتًا طويلًا عن النار، مثل أصناف الأطعمة المُعلبة، مثل سمك التونة والفول والحمص والفاصولياء والبازلَّاء واللحوم المُهدرجة.
وخلال حرب الإبادة الجماعية، لم يسمح الاحتلال بدخول غاز الطهي إلى شمال القطاع، إلا بعد أسابيع من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون ثاني الماضي، في حين دخل بكميات محدودة إلى مناطق الجنوب.
الكميات المدخلة لم تسد 50% من احتياجات السكان..
من جانبه يؤكد رئيس لجنة الغاز بجمعية أصحاب شركات الوقود في غزة سمير حمادة، أنّ الكميات التي دخلت من غاز الطهي منذ بداية العدوان الإسرائيلي في أكتوبر/ تشرين أول 2023؛ لا تسد 50% من احتياجات السكان.
ويتراوح استهلاك قطاع غزة من غاز الطهي من 300 لـ 350 طن يوميًا وفق ما جاء في تصريح حمادة لـ "وكالة سند للأنباء"، موضحًا أنّ 44 شاحن محروقات متنوعة كانت تدخل على القطاع يوميًا قبل الحرب، وتشمل غاز الطهي، والسولار والبنزين.
لكن منذ اندلاع الحرب وحتى الأسبوع الماضي، يدخل غاز الطهي بكميات محدودة ومتقطعة ولا تزيد في أحسن الأحوال عن خمس شاحنات يوميًا، بما لا يسد في النتيجة النهائية نصف الاحتياج العام.
ونبّه إلى أنّ سدّ الاحتياج بتعبئة نصف كمية أنبوبة غاز الطهي 12كم لكل مواطن؛ بالكاد أسهم في تخفيف الأزمة، معربًا عن أمله بأن يتم فتح المعابر وإدخال غاز الطهي بكميات مضاعفة بما يُخفف عن كاهل الأسر التي عاشت في حربٍ طاحنة على مدار أكثر من 15 شهرًا.