الساعة 00:00 م
الثلاثاء 29 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.86 جنيه إسترليني
5.1 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.13 يورو
3.62 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

عدد شهداء الحركة الرياضية في ارتفاع متواصل

كيف انتزعت الحرب روح الأماكن في غزة وحولتها إلى مأوى للنازحين؟

عائلة تظن ابنها شهيدًا لتتفاجأ برسالة منه..

بالصور رسائل من داخل الأسر.. كيف تلقت العائلات أخبار أبنائهم بعد طول انتظار؟

حجم الخط
رسائل أسرى من داخل السجن
غزة - إيمان شبير - وكالة سند للأنباء

رسائل الانتظار، تلك الكلمات التي لا تأتي بسهولة، تظل العائلات الفلسطينية تعيش على جمرٍ لا يهدأ ولا ينطفئ، هؤلاء الذين يعرفون تمامًا معنى أن تكون الأخبار التي ينتظرونها نادرة، ولحظات الوصول إليها قليلة، لحظة انتظار واحدة لرسالة اطمئنان واحدة أو خبر صغير عن ابنٍ أو زوجٍ أو أخٍ خلف أسوار السجون، تصبح ثقيلة كجبلٍ من الأسئلة التي لا تجد جوابًا.

تخيل أن تقضي شهورًا وأنت لا تعرف مصير من تحب، لا تستطيع أن تطمئن عليه، ولا حتى أن تتأكد من أنه ما زال حيًّا، هذا هو واقع كثير من العائلات التي بقيت على جمر الانتظار، تتنفس الأمل رغم الشكوك التي تتسرب إليها.

وبعد طول انقطاع، تجد أن إحدى الرسائل التي كانوا يظنون أنها حلم بعيد قد وصلت، عبر أسير محرر، أو حتى عن طريق صدفة عبر مواقع التواصل، فهناك من العائلات من اعتقدوا أن أبناءهم قد استشهدوا، وآخرون أصابهم اليأس بعد فقدان أي اتصال، لكن جاءت تلك الرسائل، لتنقل لهم أخبارًا طال انتظارها، وتعيد إليهم جزءًا من الأمل المفقود.

"وكالة سند للأنباء" حاورت أسرى محررين وعائلات تلقت رسائل عن طريق الصدفة، عبر أسير محرر أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتثبت أن الأمل لا يموت مهما طال الانتظار، هذه الرسائل، التي كانت في كثير من الأحيان رسالة طمأنة بعد شهور من الانقطاع، أعادت للعديد منهم جزءًا من الحياة وأملًا جديدًا.

أسرى 2.jpg

"الفرصة في نقل الرسائل"..

الصحفي يوسف شرف الذي يعمل في وكالة شهاب، فقد 37 شخصًا من عائلته في مجزرة التاج في منطقة اليرموك في أكتوبر 2023، بينهم والدته ووالده، بالإضافة إلى ثلاثة من إخوانه وأخواته الاثنتين، كما دمر الاحتلال شقته بشكل كامل، ولكن رغم فداحة المأساة، لم تُوقف يوسف عن النضال، ففي الوقت الذي كانت فيه العائلة بأكملها تحت وطأة الفاجعة، كان يوسف يواصل عمله في مشفى الشفاء، ليتم اعتقاله بعد خمسة أشهر من المجزرة.

خلال فترة اعتقاله التي استمرت لأكثر من عشرة شهور، تعرض يوسف لأبشع أنواع التعذيب والتنكيل، حتى تم الإفراج عنه في الأول من فبراير، وهو اليوم يحمل في قلبه الكثير من الرسائل الإنسانية التي نقلها لذوي الأسرى الذين كانوا يعانون في سجون الاحتلال.

يقول يوسف شرف، "عند الإفراج عن الأسرى، تصبح الفرصة الوحيدة في نقل رسائلهم لعائلاتهم هي اللحظات القليلة التي يتاح فيها نقل رسائل المحامي، وهذه ليست متاحة لكل الأسرى، لذا، عندما أفرج عني، كان عليّ أن أحمل رسالة أمل لأهالي الأسرى الذين ينتظرون أي خبر عن أحبائهم في السجون".

ويتذكر "شرف" كيف كان يتجهز للإفراج عنه، وما يحمله من رسائل شوق وآلام، يُعبّر "رسائل الأسرى تحمل في طياتها مشاعر مختلطة بين الأمل والحزن، كنت أنقل كلمات من شوق عميق وآلام مريرة لأسرى عانوا من معاملة قاسية".

ويضيف "شرف"، "عند خروجي من مشفى الأوروبي، استقبلت العديد من عائلات الأسرى الذين كانوا يطرحون عليّ أسئلة عن أولادهم: هل رأيت فلان؟ هل هو بخير؟ هؤلاء لا يملكون أي معلومات عن ذويهم، حيث يخبئ الاحتلال أسماء الآلاف من المعتقلين، كان السؤال عن أحبائهم هو شغلهم الشاغل، وكانت ردود أفعالي تحمل السعادة والطمأنينة لهم".

ويُشير "شرف" إلى بعض الأمثلة البارزة من الرسائل التي حملها، والتي كانت بمثابة شعاع أمل لعائلات الأسرى، "من أمثلة الرسائل التي حملتها، كانت رسالة من الزميل الصحفي بهاء الغول الذي تعرض لأبشع أنواع التنكيل، حملني رسالة لعائلته وزوجته التي أصبحت هي الأب والأم لأولادها، بعدما سافرت إلى مصر، كانت الرسالة تتضمن اطمئنانًا خاصًا منهم، خاصة أن الأخبار التي كانت تصلهم عنه كانت سيئة بسبب ما تعرض له من تعذيب، وكانت العائلة في حالة قلق دائم، لكن تلك الرسالة كانت تبعث لهم الأمل وتخفف عنهم جزءًا من معاناتهم".

وعن الرسالة الثانية، يضيف "شرف"، "حملت رسالة أخرى من الأسير علاء حنيف، تواصلت مع عائلته وطمأنتهم عليه، كانوا يتخيلون عن ابنهم سيناريوهات قاسية، وعندما أخبرتهم أنه بخير وبصحة جيدة وأنه قد تعافى من آثار التعذيب، كانت السعادة تملأ قلوبهم، كانت هذه الرسالة بمثابة بشرى عظيمة لعائلته، الذين كانوا يعيشون في قلق دائم حول مصيره".

ويتابع "شرف" قائلاً: "هؤلاء الأسرى، مثل بهاء وعلاء، خرجوا في آخر دفعة من السجون، وأخبروني بعد الإفراج عنهم عن سعادة ذويهم حين وصلتهم الرسائل عبري، كانوا يشعرون بقلق دائم وكبير، وكانت تلك الرسائل بمثابة طوق نجاة لهم، تعطيهم الأمل في المستقبل وتخفف من مرارة الانتظار".

ويضيف: "كانت مسؤوليتي الأولى عند الإفراج عني هي نقل الرسائل، في اليوم التالي مباشرة، ذهبت لتوصيل الرسائل، ولا زلت حتى اليوم أواصل هذا الواجب، ليس عبئًا، بل مسؤولية عظيمة، هي فرحة كبيرة لعائلات الأسرى التي تنتظر أي خبر يطمئنهم عن أبنائهم".

كيف تلقت زوجة بهاء الغول رسالته من داخل الأسر؟

تقول رشا فروانة زوجة "الغول" بحنينٍ عميق، "لم يكن الخبر بوصول رسالة من بهاء الغول مجرد معلومة عابرة، بل كان أشبه بشريان حياة امتدّ من عتمة الأسر ليعيد إليّ شيئًا من الطمأنينة التي فقدتها منذ لحظة اختطافه".

وتضيف "فروانة"، "حين أخبرني المحامي أنه تمكن من زيارته في سجن النقب، وأنه حمل إليه رسالة منّا تُخبره بأننا بخير، شعرت وكأن أنفاسي تعود من جديد، لكن الأهم كان ما حمله إلينا في المقابل: رسالة من بهاء، يطمئننا بها عن حاله، يخبرنا أنه يشتاق إلينا، ولكنه يواجه مع رفاقه الأسرى معاناة قاسية—قلة النظافة، شحّ الطعام، وانتشار المرض الجلدي الذي ينهش أجسادهم دون علاج، تتابع بصوت مختنق".

لكن وسط كل ذلك الألم، كانت هناك كلمات تفوق في وقعها أي شيء آخر، تروي "فروانة" بامتنان ودموع تترقرق في عينيها: قال لي: "أنا واثق من قراراتك، وأعلم أنك قادرة على إدارة الأمور بشكل ممتاز"، تلك الجملة لم تكن مجرد كلمات، بل كانت وصية غير مكتوبة، مسؤولية ألقيت على عاتقي، ودافعًا أشعل في داخلي قوة لم أكن أعلم أنني أملكها، كنت أعلم أنني لا أملك رفاهية الضعف أو الانهيار، كنت وحدي في مواجهة هذا المصير، خصوصًا بعدما اضطررت إلى مغادرة غزة إلى مصر بعد اعتقاله بأشهر، حفاظًا على نفسي وأطفالنا الأربعة".

وتقول "فروانة" بنبرة يغلفها الشوق، "أكثر ما بعث في قلبي شيئًا من السكينة أن بهاء تحدّث في رسالته عن تفاصيل حياتنا، عن الأولاد وأحوالهم، عن والدته وأهله، وكأنه يحاول أن يعيش معنا اللحظات التي حُرم منها قسرًا، تلك التفاصيل جعلتني أطمئن على سلامة عقله وسط هذا الجحيم، أدركت أنه لا يزال متماسكًا، لا يزال هو، رغم كل شيء".

وتُعبّر ضيفتنا بكلماتٍ تخنقها الدموع، "غير أن هناك ما لم يكن يعرفه بهاء بعد، الحقيقة التي فضّلنا إخفاءها عنه خوفًا من أن تكسره، والده، الذي لم يفارقه يومًا، الذي كان يسنده في مرضه، رحل بعد أسبوعين فقط من اعتقاله، لم نخبره فقد كان شديد التعلق به، ملازمًا له في كل خطوة، لكن ما زاد وجعي أنه كتب له رسالة من الأسر، يسأله فيها الصفح، ويخبره أنه حفظ سورتي الكهف والإنسان لأن والده كان يحبهما، رسالة لن تصل، وكلمات لن تجد من يسمعها".

ماذا عن الأيام التي مرت دون خبر عن بهاء؟ تُجيبنا بِغصّة: "مرّت الأيام ثقيلة، كنا نعيش على أمل أن يكون ضمن قوائم الإفراج، تلك التي تصدر أيام الجمعة والثلاثاء، كنا نحفظ الأسماء عن ظهر قلب، نبحث بين الحروف، ننتظر، وفي كل مرة، كانت الخيبة تطعننا من جديد، وكلما خرج أسير من النقب، سارعنا إليه بسؤال واحد: "هل رأيته؟ هل سمعت باسمه؟ هل هو بخير؟"

وتُكمل حديثها بشيء من الارتياح الممزوج بالحزن: "وأخيرًا، جاء من حمل إلينا الجواب، أسير تحرر من سجن النقب أخبرنا أن بهاء بخير، روحه صامدة، لكنه يعاني مثل بقية الأسرى، المرض الجلدي انتشر في جسده بالكامل، ولا دواء، لا علاج، لا شيء سوى الألم والصبر".

يُذكر أن الصحفي الفلسطيني بهاء الغول أُطلِق سراحه في دفعة تبادل الأسرى الأخيرة التي جرت في أواخر شباط/فبراير الماضي.

GkxTJrKXoAAvFQQ.jpg

رسالة الطبيب عبد الله أبو الجديان..

يوسف رجب، أسير محرر (30 عامًا)، تم إطلاق سراحه في دفعة تبادل الأسرى الأخيرة التي جرت في آواخر فبراير الماضي، ورغم أنه غادر أسوار السجن، فإن مهمته الإنسانية لم تنتهِ، حيث استمر في نقل رسائل الأمل والاطمئنان من الأسرى الذين لا يزالون يقبعون خلف القضبان، ليكون صوتهم الحي إلى أهلهم في الخارج.

يقول "رجب"، الأسير المحرر الذي حمل أمانة الرسالة، إن الطبيب عبد الله أبو الجديان أصر على نقل رسالته الإنسانية رغم الظروف القاسية التي مر بها، وتعرض "أبو الجديان" للتهديد من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي استعمله كدرع بشري على الحواجز، وكان يرسله إلى البيوت لإحراقها تحت تهديد السلاح والقتل.

ويسرد "رجب" نقلًا عن الرسالة التي حملها من "أبو الجديان" لوالده: "عبد الله ابنك ما تقلق عليه، عبد الله ابنك شامخ زي ما ربيته، حلمك كان تشوفه دكتور، وهو دكتور، ورح يرجع وتشوفو أحلى دكتور"، أما رسالته لخطيبته، فقد كانت مليئة بالوعود والأمل: "أنا شو وعدتك؟ رح أعملك، بس خلي الحرب تخلص، ورح أوفي بوعدي، بس اصبري على محنتي"، وعندما سمع والد خطيبته بهذه الرسالة، قال بكل إصرار: "أنا مستعد أنتظر عبد الله العمر كله".

رسالة الفتى إبراهيم المصري.. ظنّوه شهيدًا

بعد أن نقل يوسف رجب رسالة الطبيب عبد الله أبو الجديان لعائلته، توجه مباشرةً إلى عائلة الفتى الأسير إبراهيم المصري (19 عامًا)، ويقول رجب: "اتصل عليّ أخو إبراهيم وقال لي إنه شقيقه مفقود وغالبًا مستشهد، فتوجهت على الفور إليهم"، وكان إبراهيم قد أسر في مدرسة معسكر جباليا، ورغم قسوة الأسر، كانت لديه رسالة مليئة بالحب والاشتياق لأهله، ورسالة أمل رغم المعاناة.

ويسرد "رجب" ما جرى معه، "عندما وصلت إلى منزل عائلة إبراهيم، كانت المفاجأة كبيرة، خاصة بعد أن نقلت لهم رسالة ابنهم، وهذه تفاصيل رسالة إبراهيم التي حملتها لأهله: "يما، أنا بحبكم واشتقت لأكلة معكرونة البشاميل، أنا والله خايف أطلع وما ألاقيكم، بس عندي أمل ويقين"، كانت كلمات إبراهيم تحمل أملًا كبيرًا في قلبه، ورسالة حب لأهله رغم البعد القسري الذي فرضته سجون الاحتلال".

"قلق لم ينتهِ".

أسماء أبو نار، زوجة الأسير صلاح المقيد، تتحدث عن معاناتها الطويلة بعد اعتقال زوجها في نوفمبر 2024، حين كان في طريقه عبر حاجز نتساريم وسط شرق قطاع غزة.

تقول "أبو نار": "بقينا لشهور طويلة لا نعرف شيئًا عنه، حاولنا التواصل مع المحامين لكننا لم نتمكن من الحصول على أي ملومات بسبب جريمة الإخفاء القسري المفروضة على أسرى غزة".

وتضيف، "خلال تلك الفترة، كانت الرسائل العابرة من المحررين هي الوسيلة الوحيدة التي تصل إلى العائلات، "كان صلاح يبعث لنا برسالة قصيرة: (أنا بخير) فقط دون أي تفاصيل، وكانت هذه الرسائل تزيد من قلقنا بسبب ما كنا نسمعه عن التعذيب والإهانات التي يتعرض لها الأسرى".

كان القلق يعم عائلته، خاصة عندما كانت ابنته الصغيرة، لارين (5 سنوات)، تسأل عن والدها التي كان يحملها في أحضانه لحظة اعتقاله، تسرد: "كنت أخشى كثيرًا أن يحدث له مكروه، خاصة أنه بنيته الجسدية ضعيفة ومعانته كذلك".

لكن، في الصفقة الأخيرة لتحرير الأسرى بين المقاومة والاحتلال في أواخر فبراير الماضي، وصلت رسالة مع أحد المحررين من صلاح، تقول "أبو نار": "بعث صلاح برسالة يُخبرنا فيها أنه بخير، وأرسل سلامه إلى جميع أطفاله، خاصة لارين، وخبّرنا أنه أصيب بالجرب، لكنه بخير وعزيمته قوية".

كانت الفرحة لا توصف في قلب الصغيرة لارين عندما سمعت أن والدها أرسل سلامًا خاصًا لها، عن ذلك تُعبّر والدتها: "كانت كالفراشة، تخبر كل من يراها: "بابا بعتلي سلام".

لكن المأساة لم تنتهِ هنا، صلاح كان قد بعث أيضًا سلامًا وشوقه إلى شقيقه، دون أن يعلم أن شقيقه قد استشهد في بداية الحرب، تقول "أبو نار": "أصعب شيء كان بالنسبة لنا هو أن صلاح لا يعرف أن شقيقه قد استشهد، تلك اللحظة كانت تحمل ألمًا مضاعفًا".

وعلمت "أبو نار" بالرسالة عبر إحدى المنشورات التي كانت تكتب على مجموعة خاصة بالأسرى، حيث كانت تطمئن الأهالي على سلامة أبنائهم، وكان اسم زوجها من بين الأسماء التي تم ذكرها في تلك المجموعة، وبفضل هذه المعلومة، استمرت العائلة في محاولاتها حتى تمكنوا من الحصول على رقم الأسير والتواصل معه.

GDE2JYWXoAA3k5Y-1704556355.webp