لا تزال تداعيات العدوان الإسرائيلي "المباغت" على قطاع غزة تتواصل؛ تزامنًا مع إعلان جيش الاحتلال عن حملة "الشجاعة والسيف"؛ في ظل تساؤلات حول مستقبل هذه الحملة وإمكانية انزلاقها لاستئناف المواجهة الشاملة.
واستأنفت قوات الاحتلال، فجر اليوم الثلاثاء، العدوان العسكري على قطاع غزة المحاصر، عبر غارات جوية مُكثفة طالت أماكن متفرقة في القطاع، بعد 57 يومًا من اتفاق وقف إطلاق النار والتهدئة؛ والذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون ثاني 2025.
سياقات إسرائيلية داخلية..
ورأى مراقبون في تصريحات خاصة لـ "وكالة سند للأنباء"، أن هذا العدوان يأتي في سياقات إسرائيلية سياسية داخلية، يحاول من خلالها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو جلب أكبر قدر من المكاسب الشخصية، وتحييد أكبر قدر من الضغوط الداخلية الموجهة ضده.
ونوه "ضيوف سند" إلى أن نتنياهو طوّق نفسه، مؤخرًا، بمجموعة أزمات داخلية مركبة؛ أهمها التعديلات التي طالت رئيس جهاز الشاباك رونين بار، وما أثارته من موجة احتجاجات سياسية وشعبية، كادت تفضي لحراك جماهيري وسياسي ضاغط في الشارع الإسرائيلي، رغم تعذر مشاركة اتحاد العمال فيها.
ترافق هذا العدوان مع استكمال إجراءات محاكمة نتنياهو؛ والتي تزامنت واحدة منها صباح اليوم، وأرجئت على ضوء استئناف الحرب، وتمثل هذه المحاكمات واحدة من أبرز الأطواق المحاطة بمستقبل نتنياهو السياسي.
لكن الطوق الأهم الذي يكاد يهدد مصير الحكومة الإسرائيلية يتمثل في استحقاق تمرير الميزانية 2025، نهاية آذار/ مارس الجاري؛ فهي تبعًا للتقاليد السياسية الإسرائيلية فإن عدم تمريرها يعني سقوط الحكومة.
وتصطدم محاولة تمرير "الميزانية" بمجموعة ضغوط يتعرض لها نتنياهو، يكمن أهمها في ثلاثة مشاهد؛ الأول في انسحاب رئيس حزب القوة اليهودية إيتمار بن غفير أحد المشاركين الرئيسيين في ائتلاف نتنياهو، والذي انسحب من الحكومة احتجاجا على المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي هذا السياق، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن اتفاقًا وُقّع في وقت سابق اليوم الثلاثاء، يقضي بعودة "ابن غفير" للحكومة والائتلاف، لكن الأمر اصطدم بمعارضة من المستشارة القانونية للحكومة والتي قالت إن إيتمار بن غفير لا يُمكنه العودة لمنصبه السابق في الحكومة بالوقت الحالي.
ورافق انسحاب "ابن غفير" من الحكومة، ضغوط وزير المالية بتسلئيل سموتريتش؛ الذي هدد بالانسحاب من الحكومة هو الآخر في حال تمرير المرحلة الثانية.
كما أن الأزمات المتتابعة التي يواجهها نتنياهو من الحريديم على ضوء رفضهم المستمر لـ "قانون التجنيد"، وتهديدهم الانسحاب من الحكومة في حال إقرار مشروع القانون.
سقف المرحلة..
على ضوء ما سبق، يشير مجموعة من المراقبين للمشهد الإسرائيلي إلى أن ما ذهب إليه نتنياهو من تصعيد عسكري ضد الجبهة الجنوبية (قطاع غزة)؛ يأتي في سياق "احتواء الضغوط الداخلية في صفّه اليميني"، وصولا لتمرير قانون الموازنة، إلى جانب محاولة نزع أوراق جديدة من حركة "حماس" والمقاومة الفلسطينية في ملف التفاوض.
ويقول امطانس شحادة؛ العضو السابق في الكنيست الإسرائيلي، إن نتنياهو أحاط الظرف العام بكثير من الغموض حول سلوكه تجاه غزة، "لكن الثابت يبدو رغبته في حلحلة الأزمات التي تعترضه، تحديدًا في خطواته الأخيرة المتعلقة بترتيب المؤسسة الأمنية وتعيين خلفًا لرئيس جهاز الشاباك رونين بار".
وأضاف شحادة في تصريح خاص بـ "وكالة سند للأنباء" أن نتنياهو "هرب إلى الأمام" لغزة ضمن حراك "مضبوط الإيقاع"، بهدف العمل على تطويق نفسه بأسوار حماية من الغليان الداخلي في ملفات الحراكات الرافضة لتغيير "بار"، وأيضًا حراك الأسرى الذي بات يتلاشى مع مرور الوقت.
ويتابع: "هو (نتنياهو) يراوح في مكانه، قد يذهب بعيدًا في التصعيد، لكن في المحصلة عينه على الصفقة التي يمكن أن يحقق فيها أهدافا سياسية، وينتزع من حماس ما يستطيع من أوراق قبل الخوض في تفاصيلها".
المختص في الشأن الإسرائيلي أليف صباغ، يشارك "شحادة" الرأي أيضًا؛ والذي وجد في موضوع المواجهة محاولة شخصية من نتنياهو للهروب من أتون المواجهة الجارية والوصول لمبتغاه.
وأوضح "صباغ" في تصريح خاص لـ "وكالة سند للأنباء" أن الرغبة الإسرائيلية في توسيع المعركة حاضرة؛ "لكنّ يعتمد ذلك على ما يمكنه تحقيقه من خلال المرحلة الأولى عبر الاستهداف الجوي".
ويشير إلى أن الهدف الرئيسي يتمثل في إضعاف الحراك الشعبي؛ الذي يعتمد بشكل رئيسي على فكرة التحرك الجماهيري ضد نتنياهو، والذي استطاع عمليًا تحييده في بعض الخطوات، من خلال منع رئيسة اتحاد العمال المشاركة في فعاليات الرفض لإقالة رئيس الشاباك رونين آبار.
وبين أليف صباغ، أنّ المعضلة الرئيسية التي يحاول نتنياهو تجاوزها تتمثل في تمرير الميزانية، "التي تعتبر المطبّ الأهم والأبرز لديه".
محاذير..
مع ذلك، ترى الشخصيات السياسية أن دخول حرب واسعة تشمل الاجتياح البري، سيضع نتنياهو أمام اختبار الكلفة؛ وهو اختبار ربما يدفعه للانزلاق في أتون اختبار حرب الاستنزاف.
وأمام محدودية الأهداف السياسية التي يعلق نتنياهو آماله على تحقيقها في الأهداف العسكرية، يبقى خيار المواجهة البرية واحدة من الخيارات المستبعدة نسبيًا، فهو يضغط فلسطينيًا على إطار تحقيق انتزاع أوراق من المقاومة بشأن اليوم التالي للحرب، وتخفيض كلفة الأسرى في المرحلة الثانية.
ولهذا حددّ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الهدف الرئيسي في خطابه بـ "تقويض القدرات الحكومية لحركة حماس"، وتمثل ذلك في جل استهداف القيادات الحكومية بالقطاع؛ على رأسهم رئيس العمل الحكومي عصام الدعاليس، ووكلاء العدل أحمد الحتة والداخلية محمود أبو وطفة، ورئيس جهاز الأمن الداخلي بهجت أبو سلطان.