حصار وتجويع ودمار، تعددت أسباب الموت والعدو واحد، ولا زال سلاح الجوع يفتك بأجساد أطفال قطاع غزة واحداً تلو الآخر، وكأن مشاهد الإبادة الإسرائيلية لم تكن كافية، ليحوم شبح المجاعة في أرجاء القطاع من جديد.
وأمس الجمعة، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن وفاة الرضيع عُدي أحمد، ولما يبلغ عمره العام بعد؛ بسبب سوء التغذية الحاد ونقص الأدوية، في ظل استمرار إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر، ومنع دخول الأدوية والمكملات الغذائية للأطفال إلى قطاع غزة.
وقالت وزارة الصحة في غزة إن 60 ألف طفل في القطاع تهددهم مضاعفات صحية خطيرة بسبب معاناتهم من سوء التغذية.
عائلة "أحمد" ليست الأولى التي تفقد فلذات أكبادها في أرضٍ عاث فيها الاحتلال خراباً، بل سبقتها عائلاتٌ فلسطينية كُثر، بينما يعجز أكثر من 96% من النساء والأطفال عن تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وفقا لمنظمة "اليونيسف".
"الأسوأ منذ بدء الحرب"..
وفي ضوء ذلك، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، من أن قطاع غزة يعاني أسوأ وضع إنساني منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه "إسرائيل".
وتوالت تحذيرات "أوتشا" حول ارتفاع عدد الأطفال الذين يتلقون العلاج بسبب سوء التغذية إلى 3600 طفل، مقارنة بـ2000 طفل فقط خلال شهر مارس/ آذار الماضي.
وأوضح المكتب أن هذا التفاقم يأتي في ظل استمرار الإغلاق الإسرائيلي الكامل للقطاع منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، والذي أوقف دخول الغذاء والمساعدات الإنسانية، حيث تواجه الأمهات والأطفال في غزة معاناة يومية نتيجة النقص الحاد في الإمدادات الأساسية".
واستنادًا إلى بيانات صادرة عن مؤسسات إغاثية وأممية، ذكرت شبكة المنظمات الأهلية أن 91% من سكان قطاع غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويقعون في "مرحلة الأزمة" أو ما هو أسوأ (المرحلة الثالثة فما فوق)، من بينهم 345 ألفًا يصنّفون ضمن المرحلة الخامسة، وهي الأشدّ خطورة.
وبيّنت الشبكة أن 92% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر وعامين، إلى جانب الأمهات المرضعات، لا يحصلون على احتياجاتهم الأساسية من التغذية، ما يُعرضهم لمضاعفات صحية طويلة الأمد، كما أشارت إلى أن 65% من السكان لا يملكون الحد الأدنى من المياه النظيفة اللازمة للطهي أو الشرب.
وكانت الأمم المتحدة قد ذكرت مطلع العام الجاري، أنه من بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و59 شهرا يُتوقع حدوث 60 ألف حالة لسوء التغذية الحاد، منها 12 ألف حالة شديدة الحدة بين أيلول/ سبتمبر 2024 وآب/ أغسطس 2025.
واعتبرت أنه وبشكل عام يؤدي سوء التغذية بين الأطفال إلى عواقب شديدة طويلة الأمد قد لا يمكن علاجها لتستمر طيلة حياتهم، منها التقزم وضعف النمو الإدراكي وإضعاف جهاز المناعة وزيادة خطر الوفاة بسبب الأمراض الشائعة.
وبعد أن كان قطاع غزة مكتفيا ذاتيا بإنتاج البيض والحليب واللحوم والخضراوات، وصل سوء التغذية الحاد في الوقت الراهن إلى مستويات خطيرة ليزيد بمقدار أكثر من 10 مرات عما كان عليه قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وتحاصر قوات الاحتلال قطاع غزة للعام الـ18، إذ بات نحو 1.5 مليون من سكانها، البالغ عددهم حوالي 2.4 مليون فلسطيني، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم، ودخل القطاع مرحلة المجاعة؛ جراء إغلاق المعابر بوجه المساعدات الإنسانية.