سلطت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، الضوء على أن الإمدادات الإنسانية بدأت تنفد في غزة بعد ما يقرب من شهرين من تشديد الحصار الإسرائيلي.
وأبرزت الصحيفة أنه لم يُسمح بدخول أي مساعدات أو بضائع تجارية إلى القطاع منذ أوائل آذار/مارس الماضي، وهو أطول تشديد للحصار الإسرائيلي منذ بداية حرب الإبادة الجماعية في تشرين أول/أكتوبر 2023.
وجاء الحصار بعد وقف إطلاق نار استمر شهرين وتدفق للبضائع سمح للعديد من منظمات الإغاثة والعائلات بتخزين الإمدادات، لكنها الآن تنفد بسرعة من كل شيء من الطحين والوقود وألواح البروتين إلى الخيام وحتى حاويات حفظ المياه النظيفة.
ويقول يوسف رجب، البالغ من العمر 30 عامًا، والذي نزح عدة مرات ويعيش الآن مع تسعة من أقاربه في منزل عمته بمدينة بيت لاهيا شمالي غزة: “كل شيء خزنّاه انتهى”.
وأضاف أن المطابخ الجماعية في المنطقة أُغلقت جميعها، وأصبحت السلع القليلة المتبقية في الأسواق باهظة الثمن “نأكل وجبة واحدة فقط في اليوم، في الرابعة مساءً، حتى نتمكن من النوم ونحن أقل جوعًا قليلًا”.
ويريد بعض المسؤولين اليمينيين المتطرفين في دولة الاحتلال تولي الجيش دورًا أكبر في توزيع المساعدات بنفسها، دون الخشية من أن يُنظر إليها كقوة احتلال في غزة، حتى لو تطلب ذلك تحمل مسؤوليات إنسانية إضافية.
وقد جادل بعض الوزراء اليمينيين المتطرفين بأن "إسرائيل" يجب أن تسيطر على القطاع وتعيد استيطانه، بينما يدفع الجيش الإسرائيلي للعمل مع المنظمات الدولية التي كانت تتولى توزيع المساعدات طوال فترة الحرب.
وهناك أيضًا مخاوف من أن توزيع المساعدات قد يشكل خطرًا على الجنود، إضافة إلى أن الجيش لا يمتلك القوة البشرية الكافية لذلك.
ويقول إران شامير-بورير، الذي كان كبير المستشارين القانونيين الدوليين في الجيش الإسرائيلي إنه إذا قام الجيش الإسرائيلي بتوزيع وتأمين المساعدات، فقد يعزز ذلك التصور بأن "إسرائيل" تمارس “سيطرة فعلية” على القطاع، وهو معيار أساسي لتحديد صفة قوة الاحتلال، مما قد يعرض دولة الاحتلال لمزيد من المسؤوليات القانونية.
وأضاف: “قد يستخدم ذلك كدليل من قبل أطراف أخرى للقول بأنكم تملكون سيطرة فعلية لأنكم قادرون على التوزيع في مناطق مختلفة من غزة”.
متطلبات القانون الدولي
رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية في مارس التماسًا تقدمت به منظمات حقوقية تطالب بفرض التزامات إنسانية أكبر على الحكومة الإسرائيلية تجاه غزة.
وقررت المحكمة أن إسرائيل ليست قوة احتلال في غزة، وبالتالي فهي ملزمة بواجبات الطرف في النزاع فقط، مؤكدة أن "إسرائيل" أوفت بالتزاماتها، ولكن القرار استند إلى السياسة التي كانت سارية قبل فرض القيود الجديدة.
وأكدت الصحيفة أن "إسرائيل" تبقى ملزمة بموجب القانون الدولي بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من النزاع.
ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالفعل تدقيقًا دوليًا على إدارته للحرب، مع اتهامات باستخدام التجويع كسلاح، من بين اتهامات أخرى، أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما ينفيه.
في هذه الأثناء، تتدهور الأوضاع بسرعة على الأرض لأكثر من مليوني فلسطيني في غزة.
وقال برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة إنه وزع آخر مخزوناته من الإمدادات، وقد توقفت 25 مخبزًا كانت تديرها الوكالة عن العمل.
كما أفاد مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن مخزون الخيام قد نفد بالكامل، في حين أن مخزونات الأدوية والوقود وصلت إلى مستويات حرجة.
وأعلنت منظمة “وورلد سنترال كيتشن”، إحدى آخر الجهات التي كانت تقدم وجبات طعام في غزة، عن نفاد البروتين لديها، مشيرة إلى أن موظفيها يعملون بنظام المناوبات المزدوجة لإنتاج 87 ألف رغيف خبز يوميًا في المخبز الوحيد العامل في القطاع.
وقالت الأمم المتحدة إنه تم تشخيص إصابة نحو 3700 طفل بسوء التغذية الحاد في مارس، ارتفاعًا من نحو 2000 حالة في الشهر السابق، رغم أن عدد الأطفال الذين خضعوا للفحص كان مشابهًا.
وصرح الدكتور كرم أبو رياش، طبيب أطفال في مستشفى العودة بمدينة جباليا شمالي غزة، بأن “الجفاف وسوء التغذية منتشران على نطاق واسع”، مشيرًا إلى أن المستشفى لم يعد لديه ما يقدمه لهم سوى مكملات فيتامين “سي”، ومعظمها منتهية الصلاحية.
ولا تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطًا علنية على الحكومة الإسرائيلية لإنهاء الحصار بعد مرور ثلاثة أشهر على بداية الولاية الثانية لدونالد ترامب.
وقال ترامب الأسبوع الماضي إنه تحدث مع نتنياهو، وأنهما “متفقان في كل قضية”، وعندما سأله صحفي لاحقًا عما إذا كانا ناقشا الأزمة الإنسانية في غزة، قال ترامب إن الموضوع قد طُرح، مضيفًا: “علينا أن نكون لطفاء مع غزة… هؤلاء الناس يعانون”.
ويقول العاملون في المجال الإنساني إنه ليست هناك حاجة إلى نظام جديد، بل يدعون إلى فتح المعابر والسماح لهم باستئناف عملهم.
ويقول جوناثان فاولر، المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، إنه لم يتم تقديم أي دليل على سوء استخدام ممنهج أو واسع النطاق للمساعدات.
وأضاف: “بطبيعة الحال، مناطق الحرب ليست أماكن لطيفة، ولن يكون كل شيء مثاليًا بنسبة 100%، ولكن النظام الإنساني التابع للأمم المتحدة يقوم بعمله ويجب السماح له بالاستمرار”.