"يوم استقلالهم يوم نكبتها"، الرسالة التي دأب فلسطينيو الداخل المحتل إيصالها للعالم كل عام، عبر تنظيم مسيرة العودة السنوية إلى القرى المهجّرة، لكنّ ضغوط شرطة الاحتلال الإسرائيلية وشروطها التعجيزية دفعتهم لإلغائها لأول مرة منذ 28 عامًا.
ففي كل عام تختار جمعية "الدفاع عن حقوق المهجرين"، قرية فلسطينية هُجّر أهلها في عام 1948 وتنظم مسيرة إليها وخطابات في موقع القرية من أجل التوعية بالأحداث التاريخية وتوريث الأجيال القادمة ذاكرة المكان وتاريخ الأجداد.
وعادةً ما يُشارك عشرات الآلاف من الفلسطينيين في هذه المسيرة سنويًا، التي كان من المزمع تنظيمها اليوم الخميس (الأول من مايو/ أيار) على أراضي قرية كفر سبت المهجّرة في قضاء طبرية، شمالي فلسطين المحتلة.
ما الذي حدث هذا العام؟
التحضيرات لمسيرة العودة بدأت في شهر آذار/ مارس المنصرم، عبر طلب رسمي قدمته "لجنة الدفاع عن حقوق المهجّرين" لشرطة الاحتلال للحصول على تصريح، لكنّ الأخيرة ماطلت في الرد ووضعت عراقيل وصفتها المرافقة القانونية للجمعية المحامية سوسن زهر بأنها "متوقعة".
ثم في مرحلة ما، بدأت حملة تحريضية عنصرية ضد المسيرة وصلت إلى وزير "الأمن القومي" المتطرف إيتمار بن غفير نفسه، الذي كتب في أحد منشوراته على حساباته في منصات التواصل الاجتماعي "لن يحدث أن يُرفع العلم الفلسطيني"، وذلك بالتزامن مع تقديم طلب لمركز شرطة طبريا.
ذلك أدى لتشديد تعامل الشرطة الإسرائيلية مع الطلب وزيادة العراقيل والشروط التعجيزية، ما دفع الجمعية _والقول لسوسن زهر_ لتقديم طلب جديد لإقامة المسيرة في قرية هوشة المهجّرة بدلًا من "كفر سبت" لكن ذلك فتح شهيّة الشرطة الإسرائيلية لفرض المزيد من العراقيل والمضايقات.
كما طالبت اللجنة، الشرطة بإبعاد عناصرها عن المشاركين بالمسيرة لمسافة 200 متر على الأقل، لكنّها اشترطت الاقتراب، وهذا "أمر يمكن أن يخلق استفزازاً نحن في غنى عنه"، وفق ما جاء على لسان العضو فيها أدهم جبارين.
ومن أبرز هذه الشروط غير المسبوقة، حظر رفع العلم الفلسطيني، وتحديد عدد المشاركين بالمئات، إضافة إلى تهديد الشرطة بالدخول إلى مسار المسيرة والمهرجان الختامي، وفق بيانٍ رسمي صادر عن الجمعية الاثنين الماضي.
وأخبرت الشرطة، القائمون على المسيرة أنها "ستُطلق مُسيّرة في الجو، وقالت لهم بوضوح إنّهم سيخترقون المسيرة عند رصد علم فلسطين وإنّهم سيقمعونها"، يؤكد جبّارين في إحدى المقابلات الصحفية.
وقالت الجمعية في بيان إعلان إلغاء المسيرة، إنّ "الشروط المفروضة تكشف بوضوح نية السلطة (شرطة الاحتلال) قمع حقّنا المشروع بالاحتجاج والتعبير الحر، وتندرج ضمن سياسة أوسع لقمع الحراك الشعبي والتظاهرات في مجتمعنا العربي منذ بداية الحرب.
وأضافت أنّ تقديرها يشير بوجود مخطط مبيّت للمساس بالمشاركين في المسيرة، ما دفعها لتعليق المسيرة هذا العام، حفاظًا على أمن وسلامتهم.
من جهة أخرى، لم ترغب الجمعية في التوجه إلى المحكمة الإسرائيلية العليا للطعن في الشروط المفروضة، في ظل الوضع الراهن، "كي لا تُسجّل سابقة تتسبب في عدم تنظيم المسيرة في المستقبل أيضاً"، بحسب أدهم جبارين.
لذا استبدلت الجمعية مسيرة هذا العام، بتنظيم فعاليات محلية وعلى رأسها جولات إلى القرى المهجرة بمرافقة الأبناء والأحفاد، تأكيدًا على "التمسك بالأرض، وتجديدًا للعهد على مواصلة النضال من أجل العودة والحرية والكرامة"، وفق بيان سابق لـ "التجمّع الوطني الديمقراطي".
استهداف وقمع ممنهج..
ووصف النائب السابق في الكنيست الإسرائيلي، إمطانس شحادة، الشروط التي فرضتها شرطة الاحتلال بأنها "مستحيلة"، وخرقها يعني أنّ الشرطة ستُنفذ تهديدها باقتحام المسيرة وبالتالي تهديد سلامة المشاركين فيها.
من جهته، قال الباحث في الشأن الإسرائيلي، أحمد خليفة، إن السلطات الإسرائيلية فرضت شروطًا مجحفة لمنع إقامة المسيرة المركزية.
وأشار في حديثٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" إلى أن الشرطة "طلبت استصدار تصاريح لإقامتها، ثم وضعوا شروطًا تعجيزية، مثل منع رفع العلم الفلسطيني، رغم أنه أحد ركائز المسيرة لذا فضّل القائمون إلغاءها على الامتثال لهذه الشروط.
وأوضح خليفة، أن يوم النكبة يصادف ذكرى ما يُعرف بـ "استقلال إسرائيل"، مما يجعله "نقيضًا رمزيًا" للرواية الفلسطينية، لافتًا أنّ السلطات تستهدف المشاركين في الفعاليات المقامة سنويًا "فرفع علم بلادك قد يُعرضك للمحاكمة".
وتحدث عن وجود استهداف وقمع ممنهج، حيث تُهاجم الشرطة، المتظاهرين بالغاز والرصاص، ثم تأتي المحكمة كعقاب إضافي لهم.
بينما نبّه رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، سامي أبو شحادة، إلى تصاعد "الملاحقة السياسية للفلسطينيين في الداخل خلال فترة الحرب، قائلًا في تصريح صحفي، إنّ ذلك يأتي ضمن "سياسة تهدف إلى محونا وسلخنا عن شعبنا، هذه المحاولات فشلت في الماضي وستفشل في الحاضر والمستقبل".
ويعيش داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة نحو مليوني مواطن فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، نزح جزء كبير منهم بشكل مؤقت خلال نكبة 1948 والحرب إلى قرى مجاورة.
وبعد إعلان احتلال فلسطين وإعلان "قيام دولة الاحتلال"، لم يُسمح لهم بالعودة إلى قراهم الأصلية رغم وجودهم هم وأرضهم تحت حكمها.