بين الموت جوعا والموت بنيران الاحتلال الإسرائيلي، يجد الغزيون أنفسهم مضطرين للمفاضلة بين أي الخيارين أقل خطرا وكلفة، ومن ينجح بالحصول على "كابونة" المساعدات، ليس بمأمن من الإصابة أو الموت برصاصة أو قذيفة من دبابة أو طائرة مسيرة.
ويتلقى الطفل يزيد مُصلح (13 عامًا)، النازح مع عائلته من رفح إلى منطقة المواصي غربي خانيونس، الرعاية الطبية في مستشفى ناصر الطبي بعد إصابته بطلق ناري في الأمعاء أطلقه جنود الاحتلال وهو يحاول الحصول على المساعدات.
فأثناء توجهه برفقة شقيقه ووالده إلى نقطة توزيع مساعدات تديرها مؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة، شمال رفح، تعرض للإصابة برصاص الاحتلال.
والد الطفل يزيد قال لـ"وكالة سند للأنباء": توجهنا للحصول على المساعدات في المنطقة التي قالوا لنا إنها آمنة، وبلا شك ليس هناك منطقة آمنة.
وأضاف: "تركت ابني يزيد في مكان آمن ريثما أعود من استلام الكابونة، وفي تلك الأثناء سمعت صوت إطلاق نار كثيف، فخرجت لأجد أن ابني قد أصيب بطلق في بطنه، ونقل إلى المستشفى، وعدنا دون أن نحصل على المساعدات".
ويتساءل الأب: "ما ذنب هذا الطفل حتى يستهدف بنيران الاحتلال؟"، وبين لنا أنه "لم نذهب إلى هناك إلا من شدة الجوع".
وتابع: "طفلي يصحو من النوم كل يوم يطلب مني توفير الطعام، فماذا أفعل وكيف أوفر له الطعام في ظل الفقر والبطالة؟".
وشدد أنهم أجبروا على التوجه إلى مراكز المساعدات وهم يدركون أنها ليست آمنة".
من ناحيته، أوضح لنا شقيق يزيد ما حصل معهم أثناء التوجه لإحضار المساعدات، وقال: "أبي تركنا وذهب لإحضار الكابونة، ثم حصل قصف في منطقة بعيدة خلفنا. وقف يزيد على الجبل فأصيب بطلق في بطنه وخرجت أمعاؤه، وركضنا نحوه ووضعناه على عربة يجرها حمار وتوجهنا به إلى المستشفى".
وأشار إلى أنهم ذهبوا مرتين -خلال الأيام الماضية- للحصول على المساعدات، لكنهم لم يحصل على شيء، وكانت النتيجة إصابة أخيه.
وقال: "كله عشان الكابونة. متنا من الجوع والله".
وفي ظل النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية بمستشفيات قطاع غزة، تواصل الحالة الصحية للطفل يزيد تدهورها، إلى جانب تعذر سفره لتلقي العلاج في الخارج بسبب إغلاق المعابر واستمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع.
ومنذ إعلان الاحتلال الإسرائيلي بدء تشغيل مراكز توزيع المساعدات التابعة لمؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة، قبل نحو أسبوعين، ترتكب قوات الاحتلال مجازر يومية بحق المجوعين المتوجهين للحصول عل المساعدات، ما أدى لاستشهاد وإصابة المئات منهم.
وفي أحدث إحصائية نشرها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أمس الجمعة، بلغت حصيلة الشهداء جراء استهداف قوات الاحتلال للمدنيين الذين حاولوا الوصول إلى مراكز توزيع "المساعدات" في رفح ومناطق أخرى، 110 شهداء، و 583 مصابا بجروح متفاوتة، كما سُجل 9 مفقودين منذ 27 مايو/ أيار.
وكان المفوّض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" فيليب لازاريني، قد حذّر من أن آلية التوزيع الجديدة تمثل "فخًا مميتًا" يجبر الناس على التنقل إلى مسافات بعيدة، ما يجعلهم أهدافًا مباشرة.
فيما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأسبوع الماضي، إلى تحقيق مستقل في قتل "إسرائيل" للعشرات من الفلسطينيين قرب مركز توزيع مساعدات غذائية في قطاع غزة، مضيفًا أنّه من غير المقبول أن يُعرض المدنيون حياتهم للخطر من أجل الحصول على الغذاء.
وتشير معطيات الأمم المتحدة إلى أنّ كل سكان قطاع غزة المحاصر معرّضون للمجاعة، معتبرة أن المساعدات التي سُمح بدخولها منذ أيام بعد حصار مطبق استمرّ أكثر من شهرين، ليست سوى قطرة في محيط.