الساعة 00:00 م
الجمعة 04 يوليو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.55 جنيه إسترليني
4.71 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.92 يورو
3.34 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

‏على حافة الموت.. "بتول" طالبة التوجيهي تفرّقها شظية إسرائيلية عن حلمها

مليون نازح محشورون في مساحة ضيّقة بغزة.. و51 أمر إخلاء منذ استئناف الحرب

التحقيق الميداني.. كلمة مخففة لجحيمٍ مركّز في الضفة الغربية

حجم الخط
التحقيق الميداني.. كلمة مخففة لجحيمٍ مركّز في الضفة الغربية
نابلس - وكالة سند للأنباء

يشعر متابعو الأخبار بالارتياح عندما يعلمون أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أفرجت عن معتقلين بعد إخضاعهم لتحقيق ميداني، لكن قلّة منهم يدركون ما بات يخفيه مصطلح "التحقيق الميداني" من آلام وعذابات وجحيم مركّز لمن ذاقه في ساعات معدودات.

فما إن يحل الظلام كل يوم، حتى تنتشر قوات الاحتلال في طول الضفة الغربية وعرضها، فتقتحم البيوت وتنتهك الحرمات، وتعود بِغلّةٍ من المعتقلين الفلسطينيين، فتبقي بعضهم رهن الاعتقال، وتطلق الباقين بعد إخضاعهم لجلسة تحقيق ميداني.

ورغم أنّ هذه السياسة قديمة، ومارسها الاحتلال على مدار عقود طويلة، إلا أنّها تصاعدت بشكل غير مسبوق منذ حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وتوسعت أفقيا بزيادة أعداد من يخضعون لها يوميا، وعموديا بزيادة مستوى الجرائم المرتكبة بحق المعتقلين والتي وصلت أحيانا إلى التصفية الجسدية.

وتوسعت قوات الاحتلال في عمليات التحقيق الميداني في الشهور الأخيرة الماضية، حتى باتت أعداد من يخضعون لهذا الشكل من التحقيق تفوق أعداد من يتم اعتقالهم فعليا في الضفة، بحسب تقرير حديث لنادي الأسير الفلسطيني.

ويؤكد نادي الأسير أن عمليات التحقيق الميداني تعكس "مستوى التّوحش ورغبة الانتقام لدى جنود الاحتلال"، وهي لا تقتصر على من يُنقلون إلى الثكنات العسكرية، بل كذلك داخل المنازل، وهي النسبة الأعلى.

وتعتبر عائلات الأسرى والشهداء والمطاردين، أبرز العائلات المستهدفة بعمليات التحقيق الميداني، وبعض تلك العائلات تتعرض لاقتحام منازلها بشكل متكرر، ويخضع أفرادها كافة للتحقيق الميداني، ويُعتقل بعضهم فعليّا.

تحقيق ميداني1.jpg
 

وتتركز عمليات التّحقيق الميدانيّ في المخيمات التي تمثل الحيز الأهم في العمليات العسكرية والعدوان الشامل على الضّفة.

كما تتركز في البلدات والقرى، وتحديداً البلدات المستهدفة بالاستيطان، والبلدات المحاطة بالمستوطنات الجاثمة على أراضيها.

يزن حسين، من بلدة بيتا جنوب نابلس، عاش تجربة التحقيق الميداني قبل عدة أسابيع، وروى لـ"وكالة سند للانباء" ما جرى في تلك الليلة القاسية.

تحقيق ورسالة تهديد

وأوضح أن قوات الاحتلال نفذت حملة مداهمات ليلية واسعة في البلدة، واعتقلت نحو 40 من أبناء البلدة، بينهم عدد من الأسرى المحررين، وحققت معهم ميدانيا.

وقال حسين: "داهم جنود الاحتلال منزلنا بطريقة وحشية، وفتشوا المنزل وحطموا محتوياته، وصادروا هواتفنا وفتشوا محتوياتها، والتقطوا صورة لي قبل أن يقيدوني وينقلوني إلى مخزن بمنطقة الرأس تم تحويله إلى مركز للتحقيق الميداني".

وأضاف أن قوات الاحتلال احتجزت الشبان لنحو 6 ساعات متواصلة، وأخضعتهم للتحقيق الذي تخلله الضرب المبرح والتنكيل وكيل الشتائم البذيئة، ما استدعى تحويل عدد منهم لمركز الطوارئ بعد الإفراج عنهم.

وأوضح ان التحقيق تركز حول صلتهم بالفعاليات المناهضة للاستيطان في جبل صبيح، والتصدي للمستوطنين.

وأضاف: "هددونا بالاعتقال والقتل في حال شاركنا بأية أنشطة وطنية، وأوصلوا لنا رسالة بأنهم سيحولون حياة البلدة إلى جحيم إذا استمرت الفعاليات الرافضة للبؤرة الاستيطانية المقامة على جبل صبيح".

احتجاز وتحقيق ميداني.jpg
 

الجميع مستهدفون

وتشير المؤسسات الحقوقية إلى أن عمليات التحقيق الميداني لم تستثن أحدا، بل طالت فئات المجتمع كافة، بمن فيهم النساء، والأطفال، وكبار السّن، والعجزة، إلى جانب الشبان الذين استهدفوا بشكل أساس.

أما الفئة الأكبر والأهم المستهدفة بهذا التحقيق فهم الأسرى المحررون، والذين يتعرضون للضرب المبرح والتهديد والوعيد والإرهاب، والذي صل إلى حد التّهديد بالقتل والاغتيال.

وتتعمد قوات الاحتلال خلال عمليات التحقيق الميداني، بث المزيد من الإرهاب في وعي المواطنين، من خلال التّعمد في إخراج صور لمن يتم اعتقالهم وتحويلهم إلى التّحقيق داخل المنازل التي تستخدم كثكنات عسكرية، أو إجبار المعتقلين على السير مسافات بشكل طابور طويل وهم مقيدو الأيدي ومعصوبو الأعين.

اعتقالات بالجملة.jpg
 

كما يتعمد جيش الاحتلال استخدام منازل الشهداء والأسرى ثكنات عسكرية ومراكز للتحقيق الميداني، لتحطيم رمزيتها خاصّة بين أهالي البلدة أو المخيم.

ولا يكتفي الاحتلال بالاعتداء على المعتقل خلال استجوابه ميدانيا، بل يهددونه بالاعتقال والعقاب إذا تحدث لوسائل الإعلام عما واجهه خلال التحقيق.

(ف.ف.) أسير محرر أفرج عنه صفقة "طوفان الأحرار" في فبراير/ شباط الماضي، وكان يمضي حكما بالسجن المؤبد، وجد نفسه في دوامة الاعتقال والتحقيق من جديد.

وقال لمراسلنا: "اقتحمت قوات الاحتلال منزلنا ليلا واعتدوا بالضرب عليّ وعلى شقيقي وابنه، ووجهوا لنا الشتائم الإهانات، ومن ثم اقتادوني مقيدا ومعصوب العينين إلى مركز الاعتقال".

وأوضح أن الاعتداء عليه لم يتوقف خلال نقله بالمركبة العسكرية، إذا انهال عليه الجنود ضربا بالأيدي وأعقاب البنادق وببساطيرهم، ما أصابه برضوض شديدة وجروح بكل أنحاء جسده.

وقال: "عندما وصلت للمعسكر، وضعوني في زنزانة صغيرة حتى الساعة العاشرة صباحا، ثم عرضوني على محقق من جهاز الشاباك".

استمرت جلسة التحقيق 20 دقيقة وتضمنت التهديد بإعادة الاعتقال، وأضاف: "أبلغني المحقق أنهم يراقبونني وإذا قمت بأي فعل (مقاوم) سيعيدون اعتقالي، كما أبلغوني أن اقتحام منزلي سيتكرر بشكل دوري، وحذرني بأنهم لم ينسوا ماضيّ النضالي وأن ملفي لم يُغلق بعد".

تحقيق ميداني.jpg
 

إرهاب وانتقام

ويُرجع مظفر ذوقان، مدير نادي الأسير في محافظة نابلس، لجوء الاحتلال لتكثيف هذه السياسة إلى حالة الهوس والتخبط التي يعيشها الاحتلال منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وقال لـ"وكالة سند للأنباء" إن هذه الحالة تدفع قوات الاحتلال لاقتحام منازل أسرى محررين وإعادة اعتقالهم بلا أي مبرر، ثم إطلاق سراحهم بعد الاعتداء عليهم بالضرب المبرح.

واعتبر ذوقان أن الاحتلال يحاول بذلك إيصال رسالة لكل المحررين مؤخرا بأن كل من يفكر بالعودة للعمل النضالي ستكون عقوبته الاعتقال وربما الاغتيال.

كما أن الاحتلال يريد إيصال رسالة بأن لا ضمانة لمن حُرّروا في صفقات التبادل، لافتا إلى أن عددا من المحررين في الصفقة الأخيرة أعيد اعتقالهم.

ويشير ذوقان إلى عمليات الاعتقال والتحقيق الميداني تطال -على نطاق واسع- الأطفال والنساء والكبار السن، وغالبا ما تكون الذريعة هي "التحريض"، وفي ذلك رسالة لكافة أبناء الشعب الفلسطيني مفادها أن الكل في دائرة الاستهداف.

ويؤكد أن الهدف الأساسي للاحتلال من ذلك هو إرهاب الشعب الفلسطيني والانتقام منه ومحاولة تركيعه.

ويقول: "الاحتلال يمارس كل أشكال التنكيل بحق شعبنا، وفي كل مرحلة من مراحل النضال يحاول كسر إرادة الشعب وينتظر منه أن يرفع الراية البيضاء ويسلم للأمر الواقع بأن الاحتلال باق على هذه الأرض، لكنه سيفشل كما في كل مرة".