على الجبل، أقسموا أن لا يبرحوا حتى يبلغوا، عزموا الرباط فيه، وحملوا على عاتقهم حماية الأرض والوطن من المستوطنين الغاصبين، ليصبحوا حراساً للجبل وللوطن وللقضية.
شبان بيتا الذين لم يقبلوا الضيم والظلم، خيّبوا ظن الاحتلال بأنه قد سيطر عليهم، فقلبوا المعادلة والطاولة في وجهه، وأشعلوا فتيل المواجهة، وأوجدوا مقاومةً جديدة، بإحداث إرباكٍ ليلي ومواجهات مستمرة على جبل "صبيح" من أجل طرد المستوطنين.
حقد دفين
وحول خلفية المواجهات في بلدة بيتا وجبل صبيح يوضح الشاب أحمد أحد المشاركين في الإرباك الليلي لــ "وكالة سند للأنباء" أن هذه المواجهات ليست المرة الأولى، بل الرابعة بعد محاولة المستوطنين الاستيلاء على جبل صبيح، لكن هذه المرة كانت الأشد والأعنف، وبوتيرة متسارعة جداً، وسبقها محاولات لإقامة مقام على جبل العرمة، إلا أنه تم التصدي لهم، وارتقاء شهيدين.
ويبين أحمد أن تلك المحاولات تأتي نتيجة حقد المستوطنين المتراكم ورغبتهم في الانتقام من الفلسطينيين، حيث شهدت بيتا في الـسادس من إبريل عام 1988 مواجهات بين فلسطينيين، ومستوطنين من مستوطنة آلون موريه ضمن الانتفاضة الفلسطينية الأولى، نتج عنها استشهاد 3 فلسطينيين وإصابة آخرين، ومقتل مستوطنين، تبعها هدم للبيوت ونفي عائلات بأكملها.
ويشير إلى أن منطقة جنوب نابلس هي البلدة الوحيدة التي لا يوجد على أراضيها استيطان، بسبب التصدي الدائم لهم وشراسة أهل البلدة في الدفاع عنها.
وكما في كل مرة، يستميت الفلسطيني في الدفاع عن أرضه، ليُشعل شبان بيتا هذه المرة شرارة لمواجهة جديدة وقوية، من خلال فعاليات الإرباك الليلي، والتي استوحوا فكرتها من فعاليات الشبان الفلسطينيين على حدود قطاع غزة – كما يقول أحمد-
وحدات الإرباك
وحول الأدوات المستخدمة والوحدات التي تقوم بهذه الفعاليات يذكر أحمد منها وحدات الكوشوك والتي تشعل النيران طيلة النهار من أجل خلق دخان أسود يغطي على تحركات الشبان ويخنق المستوطنين.
أما ليلاً، فتصنع وحدة الإرباك الليلي حزاماً نارياً حول الجبل من أجل بث الرعب في قلوب المستوطنين، بالإضافة لتشغيل كشافات الضوء عليهم والليزر، والأبواق مرتفعة الأصوات، وشعل النار، والمفرقعات النارية.
فيما يناط بوحدة المقاليع رشق الجنود بالحجارة وإلقاء المولوتوف عليهم، وتجهيز الزجاجات الحارقة، بينما تقوم وحدة الإعلام برصد الأحداث ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة لوحدات رصد تحركات المستوطنين، ووحدات الدعم اللوجستي وغيرها.
ويرى أن تأثير هذه المقاومة الشعبية فعالة جداً، ولأول مرة يتم إصدار قرار بإزالة مستوطنة بهذا الحجم "ايفتار"، بسبب شعورهم بالخطر، وخاصة في أيام الجمعة، حيث يتم تعطيل عمل الشارع الالتفافي بين زعترة ومغتصبة يتسهار، بالإضافة إلى الخوف من زيادة شدة المواجهات، وانتقال الفكرة لمناطق ثانية في الضفة الغربية.
وبقلب يملؤه اليقين والإصرار على الدفاع عن الأرض يضيف أحمد: "لقد أصبح الوعي بين أوساط الشبان كبير جداً، والكل يدافع ولا يفكر سوى بتحرير الجبل من المستوطنين، وهذه خطوة ومقدمة لتحريره بإذن الله، وأداء صلاة الفتح فيه".
مواقفٌ كثيرة تلك التي يمر فيها المرابطون على الجبل وفي القرية، وعن أحدها يروي: "يشارك الجميع في هذه المواجهة، الأطفال وكبار السن والشبان، ونحاول إبعادهم عن نقاط المواجهة القريبة، وفي أحد المرات كان الجميع يصلى، حتى أُمطروا بغاز مسيل للعيون، وتنافس الشبان على إخلاء الكبار والأطفال، إلى أن أصيبوا بالإغماء من شدة الغازات السامة".
لا نزول عن الجبل
فيما يوضح الناشط إسلام _ أحد حراس الجبل_ لـ "وكالة سند للأنباء" أن هذه المواجهة هي مميزة وقوية جداً، حيث أن الجميع في المكان سواء شبان أو رجال أو شيوخ أو أطفال، يقفون على قلب رجل واحد، ومتحدون على نفس الموقف فالجميع له مطلب واحد، وهو أنه لا نزول عن الجبل قبل خروج المستوطنين منه وفك البؤر الاستيطانية.
ويوضح اسلام أن فعاليات الإرباك الليلي تبدأ ليلاً وتستمر حتى ساعات متأخرة في الليل، بهدف إزعاج المستوطنين والتنغيص عليهم، وصولاً إلى إجبارهم ترك هذه البؤرة الاستيطانية.
ولا يقتصر المشاركين في الدفاع عن الجبل من أصحاب بلدة بيتا وحدها، بل تتسع المشاركة يوماً بعد يوم، ويقبل المشاركون من بلدة بيتا وكذلك البلدات المحيطة بها، كعقربا وأوصرين وأودلا وعورتا، بسعي وهدف واحد، الإصرار حتى التحرير.
فيما يشير الشاب سيد _ أحد أفراد الإرباك الليلي_ أن الشبان في بيتا عملوا على تطوير فكرة الإرباك الليلي المستخدمة في قطاع غزة في مسيرات العودة، بما يتناسب مع طبيعة المنطقة، حيث بدأ الإرباك بإشعال الإطارات المطاطية حول الجبل، ثم استخدموا البوق كمصدر إزعاج للمستوطنين، ثم أقام الشبّان برجًا وُضع عليه سماعات ضخمة يبثون عليها آيات قرآنية، وأغان وطنية.
رعب المستوطنين
وحول جدوى هذه الفعاليات يقول "سيد" لـ "وكالة سند للأنباء"، "قد لمسنا وجود الرعب في أوساط المستوطنين، من خلال رصد منشوراتٍ يقولون فيها بأنهم لا يشعرون بالأمان وأنهم في خوف دائم، من تسلل الشبان ليل نهار، وقد طالبوا الجيش للدفع بمزيد من الجنود لحمايتهم، ويشكون من الدخان الكثيف المتصاعد، ومن الأصوات المزعجة التي يسمعونها".
ويشير إلى أن تأثر الاحتلال يظهر جليًا على المستوى السياسي، إذ أوعز عدة ضباط رفيعي المستوى في جيش الاحتلال لرئيس الوزراء بضرورة إخلاء البؤرة الاستيطانية بشكل سريع، لتجنب زعزعة الاستقرار في المنطقة.
وينوه سيد أن الهدف من هذه الفعاليات هو إزالة هذه البؤرة عن أرض بلدة بيتا، وكي تكون البلدة نموذجًا للقرى والبلدات الفلسطينية الأخرى في مواجهة المحتل، وتعميم تجربة البلدة، وأن نُظهر للعالم بأن عدونا هش وضعيف، وأن النصر يأتي بالعزيمة والإرادة والإصرار.
ويؤكد أن حجم المشاركة في الفعاليات كبير جدًا، وبالآلاف، والمشاركون من فئة الشباب وأيضًا الأطفال وكبار السن، وتشارك نساء البلدة أيضًا في صنع وجبات الطعام للمرابطين على الجبل ومدهم بكل ما يلزمهم من الطعام والشراب.
مواجهات يومية
وتشهد بلدة بيتا وجبل صبيح في الأيام الأخيرة، مواجهات عنيفة بين المواطنين الفلسطينيين والمستوطنون، من أجل طرد المستوطنون الذين استولوا في الآونة الأخير على قمة جبل صبيح، وأقاموا عليه بؤرة استيطانية.
وتتمركز البؤرة الاستيطانية على قمة جبل صبيح وسط بلدات بيتا ويتما وقبلان، وعلى بُعد ثلاث كيلومترات إلى الشرق من حاجز زعترة بمحاذاة الطريق المؤدي إلى اريحا والأغوار.
وتزايد الخطر الاستيطاني على بيتا خلال العام الماضي، عندما شرع المستوطنون بمحاولات لإقامة ثلاث بؤر استيطانية على أراضيها، في كل من جبل صبيح وجبل العرمة وجبل النجمة، لتشكل معا مثلثاً فاصلاً بين قرى بيتا وعقربا وعورتا وقصرة.
وتُعرف بلدة بيتا بأنها إحدى القرى الفلسطينية المناضلة ضد الاستيطان منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقتل على أرضها وأصيب العديد من المستوطنين.