"سنصعد الجبل، فالطريق إلى السهل والأهل هذا الجبل..".

حروفٌ قالها الشاعر الفلسطيني الراحل مريد البرغوثي، ولم يكن يعلم أن الكلمات ستُجسدُ حكاية جبروت وشجاعة أهل جبل صبيح في بيتا.

ومن بين أروقةِ جبل صبيح، قرّر رسام الكاريكاتير الفلسطيني محمد سباعنة، أن يخلّد "شهداء الجبل" بطريقته الخاصة، فبدأ برسم صورة "بورتريه" للشهيد محمد زكريا حمايل وخطّ عليها "سنصعد هذا الجبل"، ليواصل بعدها رسم باقي شهداء القرية، الذين ارتقوا في معركة الدفاع عن جبلهم.

لماذا شهداء بيتا

يقول "سباعنة" لـ "وكالة سند للأنباء"، "أنا ألجأ لرسم الحالة التي استشهد بها الشهيد أو عائلته من خلفه، وأجسّد حالة الفقد التي يتركها الاحتلال في قلوب أهالي الشهداء".

ويضيف: "أشكال تمجيد الشهداء يأخذ منحًا سلبيًّا أحيانا، وتصبح الشهادة هي الهدف، لكنها بالحقيقة وسيلة للوصول لحياة كريمة".

يواصل شرح فكرته: "في منطقة جبل صبيح كان الأمر مختلفًا، ذهبت إلى هناك والتقيت بوالد الشهيد حمايل، فشعرت أن والد الشهيد يتمنى أن يبقى ابنه حاضرًا بين زملائه المعلمين وكل من يعرفه؛ فكانت الانطلاقة من هنا في رسم الشهيد ومن لحقه من شهداء بيتا". 

حفر وطباعة

أبدع "سباعنة" في رسم صور الشهداء السبعة الذين استشهدوا دفاعًا عن جبل صبيح في بيتا، ستة منهم من القرية نفسها، وسابعهم من قرية يتما، وقد استشهد دفاعا عن الجبل أيضا".

واستخدم الفنان أسلوب الحفر والطباعة في رسم ملامح الشهداء، موضحًا بنبرةٍ من الاعتزاز: "أحاول نقل الحفر والطباعة من المواد الحقيقية الملموسة، وتنفيذها بشكل تقني "ديجيتال"، ليكون لها معنى وكأنها محفورة بالصخر".

غيمة ساقي بيتا

كغيمة تمطر على أرض بيتا، جسّد "سباعنة" صورة الشهيد شادي الشرفا (41 عامًا)، الذي لقّب بـ "ساقي بيتا"، الذي استهدفه الاحتلال وهو يقوم بعمله بتزويد القرية بالمياه، ضمن وظيفته في قسم المياه في بلدية بيتا. 

أما الشهيد عماد دويكات، فقد كرر "سباعنة" عبارة "سنصعد هذا الجبل خمس مرات على صورته، في إشارة لعدد أطفاله الخمسة، أربع فتيات، وطفل رضيع لم يكمل شهرين من عمره، ولم يعرف وجه والده الشهيد.

يشير "سباعنة"، لصورة الشهيد دويكات قائلًا: "شعرت بخصوصية صورته وهو أب لخمسة أطفال، صورته التي نشرت مع بناته مؤثرة جدا، ويجب أن تصل".

وعن حكاية الصور يسرد لـ "سند"، حالات الشهداء تختلف، لكن كررت عبارة "سنصعد الجبل" في كل الصور لتأخذ الأسلوب نفسه، وكأن كل هؤلاء الشهداء يريدون صعود الجبل".

وفي صورة جمعت الشهداء السبعة، أظهر "سباعنة" الشهداء على شكل جبل، يصعد عليه طفل ويجر أمامه إطار مطاطي، وهو مشهد يتكرر في القرية التي تتخذ من حرق الإطارات المطاطية أسلوبا في الدفاع والإرباك الليلي، وخطّ على الصورة "أنتم الجبل".

دور الفن في تعزيز المقاومة

الفن لا يتجزأ عن حياة الشعوب وتفاصيلها، فلا بد أن ينخرط الفنانون بمختلف تخصصاتهم في دعم وتعزيز حركات المقاومة ونضال الشعوب ليس فقط في وجه الاستعمار، وإنما ضد الظلم المجتمعي والاضطهاد بالعالم. 

ويردف "سباعنة"، " لعب الفن دورًا كبيرًا في فلسطين في حركة النضال الفلسطيني، وهذا ما نجده عند الكثير من الفنانين الفلسطينيين، مثال ذلك الفنان الشهيد ناجي العلي وتوثيقه لمراحل تاريخية للشعب الفلسطيني".

وختم حديثه بالقول: "أطمع أن أكون جزءًا مما يحصل في بيتا وأدعمهم بما أملك، فكل واحد منا قادر أن يقدم شيئًا، لنجعلها حالة عامة، ويشعر ابن بيتا الذي يقف على الجبل أن الشعب يقف خلفه وخلف النار التي يشعلها، وأن شهداءهم هم شهداؤنا وأرض بيتا هي أرض فلسطينية وجبل صبيح هو كل جبل فلسطيني".