الساعة 00:00 م
الثلاثاء 07 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.63 جنيه إسترليني
5.22 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
3.98 يورو
3.7 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

بعد إنجاز 50% منه.. لماذا فكّك البنتاغون الأمريكي ميناء غزة العائم؟

قنابل وصواريخ غير متفجرة.. خطر يداهم حياة الغزيين

"شو السيرة؟" حين يجمع حب المسرح بين زوجين

حجم الخط
الجليل-أحلام عبدالله-وكالة سند للأنباء

ترتب منيرة الأغراض التي تلزم للسفر، وتحصي عدد الدمى المسرحية للعرض المتنقل، لتضعها في الشاحنة الصغيرة، بينما يراجع زوجها الأدوار التي سيؤديها خلال اليوم، وأما ابنهما فراس الذي لم يعد يطيق العمل معهما، فما يزال يغطّ في نوم عميق.

تنطلق رحلة العائلة الصغيرة بالشاحنة في همة ونشاط، بينما فراس يغط في النوم بالمقعد الخلفي بين عُدَّة المسرح المتهالك، وبعد ساعات تحط الشاحنة رحالها في قاعةٍ في مخيم جنين، أحد مخيمات اللجوء الفلسطيني، وعلى الفور يبدأ الفريق بتركيب المسرح ورفع السماعات وإرخاء الستائر وإعداد العرائس التي ستشارك في العرض.

شو السيرة؟" أو مسرح السيرة الجوال، يتجول بين المدن والقرى ليعرض التراث الفلسطيني، المسرح ترعرع ونشأ منذ عام 1973بين يدي المخطوبين آنذاك والزوجين حالياُ راضي ومنيرة.

169263509_899819953917516_6526410557171151612_n.jpg
 

ويحل المسرح الجوال ضيفا ًعلى من المدن الفلسطينية من الجليل إلى الجولان وصولاً للقدس الشمال إلى الجنوب، فيقضي في كل مدينة عدة أيام تتنقل فيها ديكورات المسرح المختلفة بين أحيائها ويقدم عروضه التي تجذب الكبار والصغار.

وفي هذا التقرير حاورت "وكالة سند للأنباء" راضي وزوجته عبر الهاتف من مكان إقامتهما في الجليل، لنتعرف معًا على محطات حياتهما الشيقة التي بدأت منذ نصف قرن.

يقول راضي" شغفي بالتمثيل والفن، ساقني لدراسة المسرح في المرحلة الجامعية، أما زوجتي منيرة فقد تعلمت المسرح من خلالي مذ كنا مخطوبين عام 1973"، وأتقنت خلال السنوات المتعاقبة صناعة الدمى بشكل محترف والتي اكتسبتها خلال عدة دورات على مدار الأعوام المنصرمة".

175348564_10225727799120582_6280788285688818875_n.jpg
 

خزانة جدّي

تاريخ حافل بالمسرحيات عرضها الزوجان في مختلف المدن الفلسطينية من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها، حملت أسماء "يويا"، "زريف الطول"، الساحر والحكواتي دادي، عنتر وعبلة، "هشّك بشّك"، "آويها"، أصيلة.

ويتابع راضي" حملت أولى أعمالي مسرحية اسم "البيت القديم" ومن ثم التحقت بفرقة الحكواتي الجوالة، عام 1981، وتجولت مع زوجتي برفقة الحكواتي في المدن الفلسطينية ومدن عربية وأخرى دولية، حتى انتهى بنا المطاف لتأسيس فرقة خاصة بنا حملت اسم مسرح  شو السيرة؟ عام 1984".

ويعد مسرح "السيرة" مسرح شامل يعرض مسرحياته للكبار والصغار، ويوظف الأقنعة والدمى التي تخيطها زوجته منيرة في مسرحياته التي تتناول التراث الفلسطيني بشكل حديث.

64583174_10219583997049370_4811982973622550528_n.jpg
 

وتقوم منيرة بصناعة الدمى والأزياء المسرحية، وفق رؤية زوجها المخرج، فتقول" أصنع الدمى وفق الرؤية الإخراجية التي يضعها زوجي، وأصمم الديكور وأمثل، ويكمل العمل ابني فراس المهتم بهندسة الصوت والإضاءة".

وتتابع" تعودت أن أصعد السلم وأركب ديكور المسرحية المطلوب مني، ولم أترك هذا العمل حتى بعد تجاوزي الستين، ولكم أن تتخيلوا رد فعل الجمهور عندما يراني أنسق الديكور ويحاول جاهدا إنزالي فأرد عليهم أنا بعدني شباب".

ولم يكن العمل بالمسرح برفقة طفلين، بالشيء السهل لدى الأم منيرة، التي حاولت التوفيق بين تربية أطفالها في ظل بعد مكان السكن عن الأهل وممارسة هوايتها بشغف.

وتضيف منيرة " من أحب المسرحيات على قلبي مسرحية خزانة جدي التي تتحدث عن الشيخوخة، ومسرحية يويا التي تتحدث عن قراصنة يستولون على أراضيهم، وقصص كوميدية نروي بين طياتها تفاصيل معاناة الفلسطيني بشكل يومي".

208927773_10226275792620077_7658657398503242792_n.jpg
 

صعوبات وعقبات

ويتكيف راضي وزوجته اللذان تجاوزا الستين عاما، مع كل الظروف التي تفرضها طبيعة كل مدينة خلال تجوالهما بين المدن.

فيقول راضي" عندما نذهب للنقب لتقديم عروضنا المسرحية، تعترضنا بعض العقبات اللوجستية فنحاول قدر المستطاع تخطي تلك العقبات، ووصل بنا الأمر لتقديم عرض مسرحي في خيمة في مدينة رهط بالنقب لعدم وجود مسرح خاص بالمدينة".

ويتابع" انقطعنا في إحدى المرات بمدينة بالنقب، فاستضفنا أهل النقب وأصروا على أن نقضي الليلة في بيوتهم، وساعدونا في إصلاح الشاحنة".

بعد الانتفاضة الأولى عام 1987 مُنع راضي وزوجته من الدخول لقطاع غزة والضفة الغربية لتقديم عروضهما، فيقول" منعنا جيش الاحتلال من دخول الضفة وقطاع غزة بعد اندلاع الانتفاضة وهو ما أثر على أداء عروضنا، فمعظم المسرحيات كانت تقدم في ذلك الوقت في الضفة وغزة".

وتضيف منيرة " يعرقل الجيش مسيرتنا باتجاه المدن الفلسطينية المختلفة، بتوقيفنا على الحواجز وإنزال الديكور وتفتيشه، وهو ما يؤخر موعد عرض المسرحية، وقد تستغرق الرحلة من القدس لرام الله ساعتين، في حين تستغرق ربع ساعة بالوضع الطبيعي".

ذكريات

وتعود بذاكرتها لعام 2000، فتقول" ذهبنا لقطاع غزة للسفر خلال مطاره لتقديم عرض مسرحي بالمغرب، ولكن الاحتلال قام بإنزالنا من الطائرة، وإخضاعنا للتحقيق، قبل أن يسمح لنا بالذهاب عبر معبر رفح وهو ما تسبب بتأخير عرضنا في المغرب لمدة 3 أيام".

وتشير منيرة إلى أنه خلال عرضهم لإحدى المسرحيات بمدينة نابلس، حل ضيف غير مرحب به من قبل الجميع، حيث اقتحم جنود الاحتلال العرض المخصص للأطفال، وأوقفوا العرض، قبل أن يغادروا المكان.

209301988_10226275806140415_8580029256858237707_n.jpg
 

ويرفض راضي تلقي الدعم من مؤسسات الاحتلال التي تفرض الضرائب على المسرح الجوال. فيقول" لا أبيع ولائي وانتمائي للاحتلال، الذي يريد فرض سياساته على المسرحيات خلال دعمه ففضلت التنازل عن الشهرة والوقوع في ضائقات مالية بدلاً من تلقي الدعم".

ولذلك يتجه الزوجان لعمل مسرحيات تكلفتها المادية قليلة ويعتمدون على العنصر البشري لإظهارها بتلك القوة.

وتنتاب الزوجان أحيانا مشاعر تدعوهما لترك العمل بالمسرح الذي نال من عمرهما حقبة من الزمان، ولكن منيرة تقول" بعد كل عرض لنا، ينهمر علينا التصفيق والتشجيع من الصغار قبل الكبار، فينسف تلك الأفكار التي تتسلل إلينا حينما يبلغ منا التعب منتهاه منا".

59285358_10219203779984181_7559598454817685504_n.jpg
 

وتضيف " أن الجو الإبداعي وحس الفكاهة للفن المسرحي يدفع الزوجان للاستمرار بتقديم المسرحيات رغم تقدمهما بالسن".

وترفض منيرة الدعوات التي تطالبها بترك العمل بالمسرح كونها تخطت الستين عاما فتقول" عملي مع فئة الأطفال بمسرح الدمى، يدعمني في كل مرة بطاقة وأمل لأكمل المرة القادمة وبنفس الشغف".

راضي ومنيرة هما صورة الإنسان الفلسطيني، تنتابهما أحياناً حالات من اليأس، ولكنهما يريان الأمل في ضحكات الصغار، ويستلهمان الإصرار من براعم الزيتون التي تنبت بين الصخور، ومن الأشجار التي اقتلعها الأعداء، ويضحكان بسخرية، كما يضحك تراب فلسطين من قرع نعال الأغراب، الذين هم لا محالة زائلون.

208984576_10226275800500274_3328657705970310391_n.jpg
166844028_10159260157773945_3183644079409510010_n.jpg