الساعة 00:00 م
الجمعة 19 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.72 جنيه إسترليني
5.35 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.04 يورو
3.79 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

"بدي إمي" "مش متذكر".. وصرخات أخرى!

الأسرى "الأشبال" في سجون الاحتلال.. أطفال مع وقف التنفيذ

حجم الخط
الأسرى الأطفال
لبابة ذوقان - وكالة سند للأنباء

"مش متذكر" من منّا نسي صراخ صاحبها! الكلمة التي اخترقت مسامع العالم، فأصم أذنيه وأعمى بصيرته أمام مشهد طفل خائف في غرفة التحقيق، تُوجه له التهم وسط إهانة وأصوات عالية من المحققين لإجباره على الاعتراف بما لم يقترفه.

إنه أحمد مناصرة الذي أسره الاحتلال طفلًا لا يتجاوز عمره الـ 12 عامًا، واليوم صار شابًا في العشرين، لتُصبح قصته دليلًا حيًّا على ما يتعرض له الأطفال الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

وتزامنا مع يوم الطفل الفلسطيني، الذي يصادف اليوم الثلاثاء (5 نيسان/ ابريل)، تعود قضية الأسير "مناصرة" ومعه الأطفال الأسرى إلى الواجهة من جديد.

واعتُقل "أحمد" بعد دهسه وتعرضه للضرب على أيدي مستوطنين متطرفين، وحُكم عليه بالسجن 12 عامًا، قضى منها 7 سنوات، تعرض فيها للضرب والتعذيب النفسي والعزل الانفرادي، كل ذلك جعله يُعاني من اضطرابات نفسية _تبعًا لعائلته_ عدا عن كسورٍ في الجمجمة.

ويعيش "أحمد" اليوم حياته في زنزانته وحيدًا محرومًا من حقه في العلاج، رغم حاجته لحاضنة وعلاج نفسي خاص.

1.jpg
 

اضطراب نفسي شديد

المتحدث باسم هيئة الأسرى حسن عبد ربه، يقول: "إن مناصرة يعيش حالة صحية نفسية وعقلية صعبة جدا، نتيجة الاعتداءات التي تعرض لها خلال اعتقاله والتحقيق معه وإصابته بالرأس، ما سبب له مضاعفات نفسية وعصبية كبيرة".

ويُشير "عبد ربه" في حديثه لــ "وكالة سند للأنباء: إلى أن "عزل أحمد في زنزانة منفردة وفصله عن بقية الأسرى فاقم الوضع النفسي والصحي لديه، ما أدى لإصابته باضطراب نفسي شديد"، مؤكدًا أن الجهود للإفراج عنه لم تتوقف لكنّها لم تنجح حتى الآن.

تعذيب وأحكام مركبة

ويتعرض الأطفال من لحظة الاعتقال الأولى للتعذيب والإيذاء الجسدي الوحشي والضغط العصبي، وللصفع على الوجه والرأس والتحقير وتوجيه الشتائم والألفاظ النابية، بحسب "عبد ربه".

ويوضح "ضيف سند" أن الأطفال يحرمون خلال التحقيق من النوم ومن قضاء الحاجة، ويتم التحقيق معهم بمعزل عن المحامي أو أحد أفراد العائلة كما ينص عليه القانون.

وبعد الانتهاء من التحقيق يُجبر الطفل الأسير على التوقيع على الإفادة المكتوبة باللغة العبرية دون معرفة ما هو مكتوب فيها، ما يشكل إدانة قانونية ضده أمام المحاكم الإسرائيلية.

ويُنبّه أنه عند إصدار الأحكام بحق الأطفال تكون أحكاما مركبة، بحيث يتم فرض غرامات باهظة بآلاف الشواكل إلى جانب الحكم الفعلي، وهذا يشكل عقابًا جماعيا للطفل وعائلته.

ولا يستثنى الأطفال من أساليب العقاب التي تفرض على الأسرى البالغين، كـ "العزل الانفرادي والحرمان من شراء حاجياتهم من الكنتين، إضافة لحرمانهم ومنعهم من زيارة الأهل أو المحامين".

2.jpeg
 

الحبس المنزلي

ولا يقتصر الأمر على زج الأطفال في غياهب السجون، فقد حوّل الاحتلال منازل عشرات الأطفال لسجون حقيقية، باتباع سياسة الحبس المنزلي التي يفرضها على الأطفال المقدسيين على وجه التحديد.

عن ذلك يُحدثنا "عبد ربه": "يصبح المنزل بمثابة سجن حقيقي للطفل، يمنع من مغادرته لأي سبب، ما يحرمه من أبسط حقوقه، مثل الذهاب لمدرسته، العلاج، الزيارات العائلية أو مقابلة أصدقائه، وفي حال حدوث أي تجاوز أو مخالفة تفرض عليه غرامات باهظة جدا يدفعها ولي الأمر".

ويسبب الحبس المنزلي الذي قد يستمر شهورا طويلة، آثارا نفسية صعبة جدا للطفل وعائلته.

وسنويا، يتعرض عشرات الأطفال المقدسيين للحبس المنزلي، بعد توجيه تهم "غير منطقية"، منها الدخول إلى المسجد الأقصى، أو تكبيره في الشارع، أو ارتدائه الكوفية الفلسطينية، مروره بجانب حاجز عسكري، أو مشاركته في اعتصام"، بحسب ناشطين مقدسيين.

إلى ذلك، يصف "عبد ربه" قرار الحبس المنزلي بـ "غير نظامي"، وهو يُشبه بالاعتقال الإداري لا تحدّه مدة معينة، كما أنه لا يحتسب من مدة أي حكم فعلي قد يضاف للطفل لاحقا.

اعتقال منتصف الليل

"نحن لا نربي أطفالنا على عشق الدم والإرهاب، وإنما على النضال المشروع وحب الوطن"، كلمات قالها مراد اشتيوي بعد أن خطف الاحتلال نجله "خالد" (16 عامًا)، باقتحام منزله بقرية كفر قدوم قرب قليلية، في الثلاثين من آذار/ مارس الماضي.

ويكمل "اشتيوي" لـ "وكالة سند للأنباء" "استيقظنا على صوت جنود الاحتلال وهم يحاصرون منزلنا، قيّدوا خالد وأغمضوا عينيه، وتم تحويله للتحقيق، ومنذ تلك اللحظة لم يسمح لنا ولا للمحامي بزيارته".

وسابقا، تعرض "خالد" للإصابة بالرصاص الحي بالفخد، ما تسبب له بإعاقة وقصر في قدمه، كما أصيب عدة مرات بالرصاص المطاطي، في المواجهات التي تندلع في قريته أسبوعيا ضد الاستيطان.

ومع حلول شهر رمضان المبارك، تفتقد عائلة "اشتيوي" ابنها، كما هو حال عائلات الأسرى عامة، والأطفال خاصة، يُحدثنا والده: "الاحتلال يتعمد سرقة أي فرحة من الفلسطينيين، وقد سرق منا خالد قبل يومين من شهر رمضان".

"بدّي إمي"!

"لن أنسى مشهد أحد الأطفال الذي جاؤوا به بعد منتصف الليل إلى السجن باكيا رافضا الدخول للقسم ويصرخ بأعلى صوته "بدّي إمي"، بعد تنهيدة يتذكر الأسير السابق لؤي المنسي هذا الموقف لأحد الأطفال الأسرى.

وأمضى "المنسي" خمسة عشر عاما في سجون الاحتلال، سبعة منها قضاها ممثلا للأسرى الأشبال في سجن عوفر.

ويُسهب في سرد مشهد الطفل الباكي: "لقد جاء الطفل بحالة هستيرية من الخوف والاضطراب، يلقي بنفسه على الأرض باكيا ويصرخ طالبا أمه، حتى جاء الضابط وطلب مني إقناع الطفل بأن يدخل للقسم، وإلا سيتم تحويله للعزل الانفرادي".

ويُكمل لـ "وكالة سند للأنباء": "ذهبت إليه وتوسلت إليه وأقنعته بأن يدخل للسجن! كان موقفا قاسيًّا ومتناقضا لدرجة لا أستوعبها، أن أقنع طفلا بأن يدخل إلى السجن".

ممثلو الأشبال

ويقوم الأسرى البالغون في سجون الاحتلال بفرز عدد منهم ليقيموا بأقسام الأسرى الأشبال لمتابعتهم والاعتناء بهم وتمثيلهم أمام إدارة السجون، ومرافقتهم خلال خروجهم من غرفهم خلال الزيارات، خوفا من تعرضهم لأي انتهاك.

ويشير "المنسي" إلى أن ممثلي الأشبال كانوا يواجهون حالات البكاء يوميا من قبل بعض الأشبال، خاصة الجدد منهم، إلا أن أكثر من قد يؤثر على الطفل الأسير الجديد ويهدئ من روعه، هو طفل أسير آخر مضى على اعتقاله فترة أطول حتى لو كان أصغر منه عمرًا، فيرفع من معنوياته، ويعطيه من تجربته.

ويتابع: "من الصعب على الطفل الذي وجد نفسه في جو غريب عنه، بعيدا عن والديه وأخوته ومحيطه، أن يتقبل واقع السجن بسرعة، لذلك فإن قدوم طفل جديد للقسم مسؤولية كبيرة علينا".

ويؤكد "المنسي" أنهم يحرصون على توفير احتياجات الأسرى الأشبال ومتابعتهم أولا بأول، وتنظيم حياتهم داخل الغرف، وتنظيم برنامج يومي لهم يبدأ من الاستيقاظ في الثامنة صباحا حتى النوم الساعة الحادية عشرة مساء.

3.jpg
 

دموع وتوسل!

من جانبها، تصف المحامية هبه مصالحة حالة الأطفال الذين تزورهم في سجون الاحتلال بـ"الصعبة والقاسية"، فالطفل لا يعرف أين هو وما الذي ينتظره، وكيف يمكن أن يواجه هذا الواقع؟

وتضيف "مصالحة" لـ"وكالة سند للأنباء":"عندما أقابل الطفل من خلف الزجاج، تكون الدمعة في عينيه، يشتاق لأهله، يقول متوسلًا أنا لم أفعل شيئا أخرجيني من هنا، يظن أن القرار بيدي!".

وعن تواصل الأسرى الأشبال بعائلاتهم، تذكر أن القابعين في سجن الدامون يسمح لهم بالاتصال مع عائلاتهم ثلاثة مرات أسبوعيا لمدة ربع ساعة، وفي سجن مجدو يسمح لهم بالاتصال مرة واحدة كل أسبوعين لمدة عشر دقائق.

وتلفت إلى أن الأطفال المقدسيين هم الأكثر عرضة للانتهاكات والضرب خلال نقلهم للمحاكم ورؤية أهلهم داخل قاعات المحكمة، ففي حال أشار الطفل بيده لأهله أو حاول الاقتراب منهم يتم سحبه لغرفة لا يوجد بها كاميرات مراقبة ويتعرض للضرب الوحشي.

وحول محاكمة الأطفال، تقول "ضيفة سند":"تكون المحكمة شكلية وصورية بأنها مخصصة لطفل، ففي الحقيقة لا يكون هناك أي مراعاة أو استثناء لطفولتهم، فالقاضي هو نفسه والنيابة هي ذاتها للأسرى البالغين".

وبحسب نادي الأسير الفلسطيني، فقد اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيليّ، أكثر من تسعة آلاف طفل وطفلة منذ عام 2015، وحتّى نهاية شهر آذار/ مارس المنصرم، ويقبع حاليًا في سجونها 160 طفلا موزعين في سجون الدامون ومجدو وعوفر.