الساعة 00:00 م
الجمعة 17 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.68 جنيه إسترليني
5.21 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.02 يورو
3.7 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

نبيل خلف .. عائد من جحيم التعذيب فقد عائلته بمجزرة المعمداني

تعرّف على تطور مساره..

الاعتكاف في "الأقصى".. الوسيلة التي أثبتت جدواها بردع الاحتلال

حجم الخط
الاعتكاف في الأقصى
بيان الجعبة - وكالة سند للأنباء

ما زال اعتكاف الفلسطينيين قائمًا في باحات المسجد الأقصى المبارك، لصدِ أي اقتحامات تُنفذها شرطة الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون، وقطع الطريق أمام محاولات ذبح "قربان" عيد الفصح العبري أو أي طقوسٍ أخرى مشابهة.

وفي ظل التضييق على المصلين عبر الاعتقال والإبعاد، إلى جانب عرقلة دخولهم إلى المسجد، خاصة خلال فترة الأعياد اليهودية، انتهج المقدسيون الاعتكاف (سواءً خلال النهار أو في ساعات الليل)، كأسلوب مقاومة تطور عبر السنوات الماضية تدريجيًا، رفضًا لكل الإجراءات الرامية لخلق واقعٍ جديد في "الأقصى" لمصلحة الرواية الإسرائيلية.

وفي الأيام الأخيرة التي تشهد توترًا في ساحات "الأقصى" ومحيطه تزامنًا مع احتفالات عيد الفصح (بدأ مساء الجمعة الماضي ويستمر أسبوعًا)، برزت وسائل جديدة استخدمها المعتكفون لمواجهة الاقتحامات أهمها، الإرباك الصوتي، ونثر الزجاج والحجارة شرقي المسجد، ونصب المتاريس الحجرية والخشبية.

276326108_657767858651949_3029553882306397202_n.jpg

هذه الوسائل _على بساطتها_ مكنّت المعتكفون، من تأخير الاقتحامات وتغيير مسارها والتعجيل في إنهائها، واقتصارها على الفترة الصباحية فقط (من السابعة صباحًا حتى الحادية عشرة ظهرًا)، وفق مختصون ومتابعون لما يجري في باحات المسجد الأقصى مؤخرًا.

خلفية تاريخية..

وبالعودة إلى المصادر التاريخية، فإن سلطات الاحتلال منعت الاعتكاف في المسجد الأقصى مع استكمال احتلالها لـ "الشق الشرقي" من مدينة القدس عام 1967، وبسبب هذا القرار كانت تُغلق أبواب المسجد طوال ليالي شهر رمضان الكريم (بما فيها ليلة 27 رمضان).

استمر منع الاعتكاف في "الأقصى" حتى عام 1970، حين عُيّن رئيس الهيئة الإسلامية العليا، وزيرًا لـ "الأوقاف الإسلامية" في المملكة الأردنية الهاشمية، الأمر الذي عزز الإدارة الهاشمية على "الأقصى" وحسمت هويته الإسلامية؛ ومنذ ذلك الحين أصبح الاعتكاف في المسجد مسموحًا ليلة واحدة فقط في رمضان، وهي ليلة السابع والعشرين.

مع انتهاء انتفاضة الحجارة الشعبية (الأولى) عام 1995، وما تبعها من تغيرات على الواقع السياسي الفلسطيني، أصبح الاعتكاف في الليالي العشر الأواخر من رمضان متاحًا، مع وجود تضييقات إسرائيلية في محاولة للتغنييص على المصلين خلال الأيام المباركة.

تطور مسارات الاعتكاف..

في عام 2013 لجأ المقدسيون للاعتكاف كأداة مقاومة أساسية لحماية المسجد الأقصى والدفاع عنه، لاسيما في الأوقات التي تكثر فيها دعوات الجماعات الاستيطانية لتكثيف الاقتحامات وتأدية طقوس دينية لـ "إثبات" أحقيتهم الدينية في المسجد.

عن ذلك يتحدث الباحث في شؤون القدس زياد إبحيص: "في 2013 شدد الاحتلال الخناق على المقدسيين، وصعد من إجراءاته القمعية ضد الرباط المنظم، وحلقات ومصاطب العلم؛ ما أوجد ضرورة للبحث طرق جديدة تتصدى للانتهاكات المتصاعدة بالأقصى، فكان هو الحل الأمثل".

ويقول "إبحيص" لـ "وكالة سند للأنباء" إن صيف ذلك العام، صادف أول اعتكاف للمقدسيين كأسلوب دفاع عن "الأقصى" وصد محاولات الاحتلال الرامية لفرض التقسيم الزماني على المسجد آنذاك.

وفي عام 2014 الذي شهد عدوانًا غاشمًا على قطاع غزة استمر لـ 51 يومًا، عمل الاحتلال على تصفية قضية الاعتكاف داخل "الأقصى"، إذ منعه طوال شهر رمضان باستثناء ليلة القدر، وشهدت حينها مواجهات عنيفة، حُرق خلالها مقرٌ لشرطة الاحتلال في صحن "قبة الصخرة" ما كبّده خسائر مالية وأمنية فادحة.

ويعتقد "إبحيص"، أن هذه المواجهة انعكست على برنامج الاعتكاف في العام التالي (2015)، حيث سمحت سلطات الاحتلال بالاعتكاف طوال شهر رمضان، مشيرًا إلى أن ذلك هو العام الوحيد الذي شهد اعتكافًا دائما في المسجد الأقصى منذ احتلاله.

في الأعوام الثالثة اللاحقة (2016، 2017، 2018) تراجع الاحتلال عن قرار الاعتكاف طوال رمضان، واقتصره مجددًا على العشر الأواخر، ما استدعى خوض معركة جديدة عام 2019.

275986226_564562624844602_8186618276377063640_n.jpg
 

وفي ذلك العام بدء المقدسيون اعتكافهم من الأسبوع الأول من شهر رمضان؛ ما تسبب بحدوث مواجهات ليلية يومية في "الأقصى" ومحيطه، لكنّ "إبحيص" يلفت إلى أن رمضان انتهى حينها دون حسم المعركة.

ويورد أن الأعوام من 2013 حتى 2015، إضافة إلى عام 2019 أثمرت في تصعيد مسار الاعتكاف ليصبح عنوان معركة.

إلى ذلك، يذكر الناشط وأحد المعتكفين الدائمين في "الأقصى"، إبراهيم خليل، أن ظروف الاعتكاف تغيرت بشكلٍ كليّ عما سبق، قائلًا: "قبل 10 سنوات كان الاعتكاف مقتصرًا على بقاء المصلين داخل المصلى القبلي وإغلاقه عليهم طوال الليل ولا يُفتح إلا مرة واحدة يُسمح فيها الذهاب إلى المراحيض وتجديد الوضوء؛ أما اليوم فقد أصبح، بعد مراوغات كثيرة، مسموحاً في ساحات الأقصى ولم يعد القبلي محكم الإغلاق".

ويعتبر "خليل" في حديث مع "وكالة سند للأنباء" أن فتح أبواب المسجد للاعتكاف هذا العام، منذ اليوم السادس من شهر رمضان، هي سابقة لمصلحة المقدسيين في هذه القضية.

278410013_437811228115554_7266028790026243126_n.jpg
 

وعن أعداد المعتكفين؛ يلفت "خليل" إلى أن الأعداد تزداد سنة بعد أخرى، بل أصبح الاعتكاف لدى عشرات الشبان كالأمر الواقع والشيء المفهوم ضمناً، فتجدهم يرابطون في ساحات "الأقصى" طوال الوقت.

ويؤكد أن الاعتكاف من أبرز الوسائل التي يُمكن من خلالها صد الاقتحامات خاصة في أعياد اليهود، التي يُفرض خلالها قيودًا مشددة على الوافدين من الفلسطينيين إلى "الأقصى".

يتفق "إبيحص" مع الناشط "خليل" حول جدوى الاعتكاف، قائلًا: "ما حدث فجر الجمعة، إثبات لكون الاعتكاف أسلوب مقاومة، فلولا الحشود التي تواجدت منذ ساعات الليل، لتمكنّ المستوطنون من تحقيق أهدافهم وذبحوا القرابين كما هو مخطط له، وبالتالي كسر إرادة المقدسيين".  

إرباك صوتي ووسائل أخرى

وتميّزت وسائل المعتكفين هذا العام لصدّ الاقتحامات، باستخدام الإرباك الصوتي، حيث بث المصلون يوم الأحد (أول أيام الاقتحامات) عبر مكبرات المسجد خطابات تحفيزية، ونداءات استغاثة، ما دفع الاحتلال لقطع الكهرباء عن المآذن.

ثم تطور الأمر، فإلى جانب القرع على الأبواب الداخلية للمصلى القبلي، بث المعتكفون أصوات صفارات الإنذار المسجلة، والمفرقعات النارية، بأرجاء المسجد، بالإضافة لقراءة القرآن بصوتٍ عالٍ في الساحات، ورفع أصوات التكبير بشكلٍ متكرر أثناء الاقتحامات.

أيضًا نثر المصلون الزجاج والحجارة شرقي المسجد الأقصى، ونصبوا متاريس خشبية وحجرية لمنع مرور المستوطنين من المكان، علمًا أنهم اعتادوا قبل الشهر الفضيل الوقوف في الأماكن وتأدية الصلاة فيها وطقوس دينية أخرى.

ووفقًا لدائرة الأوقاف الإسلامية، فإن أعداد المقتحمين لـ "الأقصى" منذ الأحد الماضي وحتى صباح اليوم الأربعاء بلغت 2900 مستوطن، وهذا العدد قليل مقارنةً بالأعوام الماضية، التي كانت تشهد اقتحامات للمسجد خلال الأعياد بما يزيد على 2500 مقتحم باليوم الواحد، وليس على مدار أيام.

278555091_4991839884271882_6482077346497587447_n.png
 

فعالية الاعتكاف بالردع

المختص بشؤون المسجد الأقصى عبد الله معروف، يفيد بأن الاعتكاف أثبت بوجه قطعيّ أنه من أكثر الوسائل فعالية في الدفاع عن "الأقصى" لما يُشكله من حاجز بشري ضد محاولات الاحتلال الرامية لبسط السيطرة عليه وتهوديه.

يرى "معروف" في حديث مع "وكالة سند للأنباء" أن الضابط الأساسي في قضية الاعتكاف ليس الاحتلال إنما الإرادة الشعبية والكثافة العددية؛ فالاحتلال يعلم بحساسية "الأقصى" بالنسبة للفلسطينيين، ويشعر بوجود ردع ورفض كبير، إذا ما تم المساس به، وهذا ما يجب البناء عليه فلسطينيًا.

ويُشدد أن الأصل في الاعتكاف عدم حصره بشهر رمضان، مستطردًا: "الثابت تاريخياً أن الاعتكاف كان سمة أساسية لطريقة التعبد في الأقصى، حيث كان المسجد مفتوحاً طوال العام للمصلين وقلما يخلو منهم، أما في وقتنا الحالي، الاحتلال هو من جعله مقتصرًا على العشر الأواخر".