اعتاد الفلسطينيون على وجود الحواجز العسكريّة الإسرائيلية الثابتة أوالفجائية المتنقلة في مداخل قرى ومدن الضفة الغربية والقدس، لكنّهم لا يفضلون المرور عبرها إلا مضطرين، فبعد أن فرضتها إسرائيل على روتين أيامهم، تحولت إلى "مصائد موت" لأرواح الشباب، والشيوخ والنساء والأطفال.
على هذه الحواجز التي لا يُمكن لأحدٍ تجاوزها إلا بقرار إسرائيلي، قتل جنود الاحتلال على مدار السنين الماضية، الكثير من الفلسطينيين ولاحقوهم، وابتزوا آخرين مستغلين حاجتهم الحتمية للعبور، كل ذلك يتم بـذرائع "أمنية" واهية.
آخر جرائم الجنود على هذه الحواجز، كان في 10 نيسان/ أبريل الجاري، حين أعدموا المواطنة غادة إبراهيم سباتين (45 عاما)، وهي أرملة فلسطينية وأم لستة أطفال، قرب بيت لحم جنوب الضفة.
ولم تكن الضحية تشكل أي تهديد لجنود الاحتلال، إذ نقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مصدر في الجيش إنه لم يُعثر بحوزتها على سكين ولا ذخيرة، فأيّ ذنبٍ قُتلت؟
"سباتين" واحدة من حالات قتلٍ نفذها جنود الحواجز بحق الفلسطينيين بذريعة "تهديد أمنهم"، فعائلة "رواجبة" شرق نابلس، ذاقت المرارة ذاتها في شهر في نوفمبر/ تشرين ثاني من سنة 2020، عندما أُعدم ابنها بدمٍ بارد أثناء توجهه لعمله.
تقول مها رواجبة: "ذهب أخي بلال لعمله بمدينة رام الله، وبعد دقائق من خروجه من البيت تفاجأت العائلة بأنه بين الحياة والموت، ثم أُعلن عن استشهاده لاحقًا، بعد إطلاق النار عليه على أحد الحواجز".
ومنذ تلك الحادثة، تعيش عائلة "رواجبة" في ظروفٍ نفسية صعبة، بحسرةٍ تتحدث "مها" لـ "وكالة سند للأنباء" عن مشاعر عائلتها عند رؤية الحواجز العسكريّة: "أصبحت كابوسا يُلاحقنا، فكلما مررنا بحاجزٍ تذكرنا مصيبتنا في شقيقي، وكيف يُمكن أن يُقتل إنسان بدمٍ بارد دون مساءلة؟".
وبحسب معطيات فلسطينية فإنه ينتشر في شوارع ومداخل الضفة الغربية، قرابة 520 حاجزا عسكريّا، بعضها على شكل بوابات حديدية، أو سد ترابي، أو مكعبات، أو أبراج مراقبة.
عودة لسياسة التصفية..
الباحث الميداني في مركز أبحاث الأراضي رائد موقدة، يذكر أن هناك زيادة مطردة في تصفية الفلسطينيين على الحواجز العسكريّة خلال الأشهر الأخيرة، مشيرًا أن ذلك يعني العودة لسياسة متبعة منذ بداية الاحتلال وتعززت خلال الانتفاضتين الأولى والثانية.
ويردف "موقدة" لـ "وكالة سند للأنباء" أن الحواجز أصبحت مصيدة للشباب سواء كانوا "مطاردين أناس عاديين"، ومع الوقت تحولت إلى وسيلة للتحكم بحركة الفلسطينيين وللتضييق عليهم، إضافة إلى كونها مركزا للانطلاق نحو تنفيذ عمليات خاطفة تنتهي إما "بالاغتيال، أو الاعتقال".
"مبررات قتل واهية"
ويلفت إلى أن 80% من عمليات التصفية التي يُنفذها جنود الاحتلال على الحواجز، لا يوجد لها أي "مبرر أو مسوغ أمني" يُفسر سببها.
وتتنوع مبررات جنود الاحتلال تجاه من يتم تصفيتهم بين محاولتهم تنفيذ عمليات طعن، أو إطلاق الرصاص، أو الدهس بالسيارة، أو الاشتباه بحملة مواد أو أحزمة ناسفة لتفجير نفسه بجنود الحاجز.
ويتحدث "موقدة" عن رفض سلطات الاحتلال لإفساح المجال للجهات الحقوقية للاطلاع على تسجيلات كاميرات المراقبة المحيطة بمواقع الأحداث، للوقوف على تفاصيل عمليات القتل التي تتم بادعاء ارتباطها بأمورٍ أمنية".
ويُشير إلى أن كل الملفات التي تم فتحها للتحقيق لقضايا الشبيهة، أغلقت لاحقًا من قبل النيابة العسكريّة الإسرائيلي دون مسوغ قانوني.
من جانبه، يؤكد المتحدث باسم منظمة "بتسليم" الحقوقية الإسرائيلية كريم جبران، أنه بناءً على تحقيقات المنظمة هناك استهتار في إطلاق الرصاص خاصة في الهجمات التي لا تشكل خطورة على الجنود أو المستوطنين.
ويعتبر "جبران" في حديث مع "وكالة سند للأنباء" هذا النوع من القتل والتصفية "خارج نطاق القانون وغير مبرر"، مردفًا: "الكثير من حالات القتل، كان بالإمكان السيطرة عليها، دون اللجوء إلى إطلاق النار المباشر".
ويستحضر "جبران" خلال حديثه على حوادث عديدة من برزت فيها سياسية "الاستهتار" ما جرى مع الشهيدة غادة سباتين مؤخرًا، إذ تم تصفيها، دون أي مبرر كما أنها لم "تُشكل أي خطر على حياة الجنود".
استفزاز وإذلال..
بدوره يقول مدير دائرة المناصرة في مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان عبد الله حماد، إن الحواجز العكسريّة بمثابة "أماكن للاستفزاز وبيئة للإذلال، وفي كثير من الحالات تُشكل خطورة كبيرة على المارة".
وينبّه إلى أن حاجز زعترة جنوبي نابلس من أكثر الحواجز "دموية"، إذ تم على جانبيه تصفية العشرات من المارة من بداية الانتفاضة الأولى وحتى يومنا هذا.
ويوضح أنه منذ عام 2015، وما تبعه من أحداث هبة القدس خلال 2021، زادت إجراءات الاحتلال المشددة على الحواجز، وقادت في كثير من الأحيان إلى تنفيذ عمليات تصفية.
ويُتابع: "إن بعض حالات التصفية التي تم توثيقها، تُظهر أنه كان بالإمكان تحييد الشخص دون تصفيته، وكان يمكن اعتقاله خاصة إن اطلاق النار صوب بعض الأشخاص كان يتم عن بعد أكثر من 20 مترا وفي حالات كثيرة، لم تكن تشكل خطرا على حياة الجنود".
ويختم "ضيف سند" حديثه أن "الهدف من التصفية على الحواجز إضفاء أجواء من الرعب بين الفلسطينيين أثناء المرور على الحواجز، ونقاط المراقبة العسكرية".