الساعة 00:00 م
الخميس 18 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.72 جنيه إسترليني
5.35 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.04 يورو
3.79 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

مكتبة المعمداني من رُكن ثقافي إلى مقر إيواء للجرحى والمرضى!

بالفيديو والصور الصابون النابلسي.. إرث فلسطيني ثمين يكافح من أجل البقاء

حجم الخط
صابون نابلسي
نابلس - وكالة سند للأنباء

بشكله المكعب، ورائحة زيت الزيتون المنبعثة من قطعه الكبيرة، اشتهر الصابون النابلسي منذ عقود طويلة، فلم يخلُ بيت فلسطيني منه، قبل أن تبدأ صناعته بالاندثار شيئا فشيئا أمام زخم منافسة المئات من أصناف المنظفات الحديثة المحلية والمستوردة.

وعلى الرغم من تلك المنافسة، لا تزال مدينة نابلس كبرى مدن شمال الضفة الغربية، تفتخر بأنها مهد صناعة الصابون البلدي، وتسعى لإبقاء "المصابن" القليلة المتبقية، متشبثة بإرثها الوطني والتراثي، وصامدة أمام رياح المعيقات والمتغيرات.

وسط المدينة وعلى بعد أمتار قليلة من مداخل البلدة القديمة بنابلس، تبرز بناية "مصبنة طوقان" الشهيرة، والتي تستقطب اهتمام الإعلاميين والباحثين والسيّاح، إلى جانب "مصبنة الشكعة" الواقعة بالجهة الغربية من البلدة القديمة، في حين أغلقت الكثير من مصانع الصابون النابلسي أبوابها خلال السنوات الماضية.

ومن داخل مصبنة "طوقان"، يقول أحمد دويكات، والذي يعمل فيها منذ العام 1990 بعد عودته من الكويت، إن "الاستمرار بهذا العمل له شعور طيب، كونها صناعة وطنية تراثية محببة للناس، وهي المهنة والمكان الذي عمل فيه والدي أيضا".

284758079_1965517263635530_5127835505062220856_n.jpg
 

ويلفت "دويكات" في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء" إلى أن المصابن بنابلس، كانت تستوعب عددًا كبيرًا من العمال عندما كان هناك أكثر من خمسين مصبنة، أما الآن فتعمل مصبنتان رئيسيتان وهما طوقان والشكعة، وأصبح عدد العاملين فيها محدود جدا.

ويفخر بأن لديه شاحنة كبيرة من الطراز القديم تنقل الصابون إلى الأردن، مردفًا: "من يشاهدها يستذكر سنوات الستينات، عندما كانت آلية نقل البضائع من الضفة للأردن ودول الجوار، ومنها نحو الخليج والعراق".

أما مدير مصبنة طوقان نائل القُبّج، فيسلّط الضوء على العقبات التي أدت لتراجع عمل المصابن وإغلاق القسم الأكبر منها، رغم أنها تعود لمئات السنين، موضحًا أن: "الاحتلال يفرض رسوما باهظة على المواد الخام إضافة للارتفاع الكبير في أسعار تلك المواد".

284664995_569273587875636_6140794687753445253_n.jpg
 

ويضيف "القبج" لـ "وكالة سند للأنباء" أن "إجراءات السلطة الفلسطينية من ضرائب وجمارك ساهمت في رفع تكلفة الإنتاج، مما أدى إلى رفع الأسعار، فبدأ المستهلك يبحث عن البديل الأرخص دون النظر لطبيعة المنتج المستورد ومكوناته".

وفي الإطار يدعو مدير المصبنة السلطة "لبذل جهدها لدى الجهات الإسرائيلية لتقليص فترة أخذ الموافقات على تخليص البضائع من الموانئ الإسرائيلية"، مسهبًا: "على السلطة إلغاء الضرائب والجمارك على هذه الصناعة حتى يتمكن أصحاب المصابن المتبقية، المحافظة على هذه الصناعة التقليدية".

284758079_1965517263635530_5127835505062220856_n.jpg

285361130_407351657961367_6713627751080729578_n.jpg
 

ويتحدث "القبج" عن أن حجم الطاقة الإنتاجية لمصبنة طوقان لوحدها تزيد عن 450 طن سنويا، لكن نتيجة عقبات الاحتلال وإجراءات السلطة، انخفضت إلى 200 طن بالسنة، ثلثيها يصدّر للأردن والثلث الباقي للأسواق المحلية.

ويُشير إلى أن نسبة قليلة من الصابون تصدّر للأسواق الخارجية للدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا وأسواق دول الخليج.

اندثار عشرات المصابن

أما صاحب مصبنة "أبو سير" في نابلس أيمن أبو سير، والذي أمضى أكثر من 35 عاما من العمل في صناعة الصابون، فيقول إن قطاع المصابن بنابلس كان يحتل الصدارة بين المدن الفلسطينية التي تشتهر بزراعة الزيتون، والذي يعد المادة الأساسية في إنتاج الصابون.

ويردف "أبو سير" لـ"وكالة سند للأنباء": "كانت نابلس تحتضن قرابة 53 مصبنة، تمتلكها العائلات الكبيرة والمشهورة بالمدينة، ويعمل بها عشرات العمال وقُدّر عددهم آنذاك بـ400 عامل يعيلون أسرهم".

وكانت نابلس تصدّر الصابون للعالم، حيث كان يُعرض في الدول العربية والأوروبية إضافة للسوق المحلي، واستمر ذلك حتى بداية تسعينات القرن الماضي، إلى أن بدأت الغسالات الكهربائية ومواد التنظيف الكيماوية تغزو الأسواق، مما أدى إلى تراجع عمل المصابن بنابلس، واضطرار بعضها للإغلاق، تبعًا لـ "أبي سير".

ويورد أن ما تبقى من مصابن بنابلس يقدّر بنحو خمس مصابن فقط، وهي "طوقان والشكعة وكنعان وأبو سير وطبيلة"، وتقتصر أسواقها حاليا على الأردن والسوق المحلي، خاصة مدينة الخليل وغزة، بعدما كان يصدّر عبر القطار إلى الحجاز وأمريكا وأوروبا والعراق والدول الإسلامية والكويت.

285300789_5108278679209361_2947440700744368946_n.jpg
 

ونظرا لمكوناته الطبيعية الغنية بالفوائد، يحافظ الصابون النابلسي على سلامة البشرة والشعر، بعكس المواد الحديثة التي يغلب عليها المحتوى الكيماوي، ناهيك عن عدم معرفة مكوناته وما يحتويه وكيفية صناعته، ولكن رخص أسعاره جعله ينافس بقوة الصابون البلدي، وفق "أبو سير".

أجواء تراثية

وعن الأجواء التي كانت تعج بها المصابن قديما، يستذكر "أبو سير" الأجواء التراثية التي كانت تصاحب "يوم البسط" المتعارف عليه بالمصابن، عندما يتم سكب حلّة طبخ الصابون في ساحة المصبنة المعدة لها، حيث كانت فرحة العائلات المالكة لها كونها ستدر ربحا وفيرا، حيث يتم تقديم الطعام للعمال وتوزيع الكنافة النابلسية على الحاضرين وسط أجواء البهجة.

ويحدثنا ضيفنا عن مراحل صناعة الصابون، قائلًا: "يقسم العمال لمجموعات، تعمل المجموعة الأولى في الطابق الأرضي بالمصبنة، وتضم أربعة عمّال منهم رئيس ينادوه بـ "الريّس" يقوم بالإشراف وتحديد أسلوب العمل وتقدير الكميات ومراقبة طبخ الصابون".

ثم تنقل المهمة إلى مجموعة تضم من 5-8 عمال، ينقلون الصابون من "الحلّة" في الطابق الأرضي للطابق العلوي، ويقوم رئيس الفريق بتسوية سطح الصابون المفروش بأداة تسمى "المالج".

أما المجموعة الثالثة فهي متخصصة بالتقطيع وتشييك الصابون، ثم المجموعة الأخيرة تعمل على لف الصابون بالورق وتجهيزه ونقله وتحميله.

صاحب مطحنة ومتحف بريك بالبلدة القديمة بنابلس باسل عبد الفتاح بريك، يشير في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء" إلى أن الإقبال على الصابون البلدي أضحى بشكل أكبر من قبل المغتربين والسائحين الأجانب، أو للاحتفاظ به كنوع من التراث لدى فئة من المواطنين المحليين.

ويتابع: "بالسابق كان الاعتماد على الصابون البلدي بالاستحمام وغسيل الملابس وتنظيف الأواني، لكن الآن تراجع الطلب عليه، وهو في حالة انقراض بعد أن أصبح التوجه نحو المنظفات الكيماوية".

وفي دراسة متخصصة أعدها الباحث الفلسطيني حسام عبود الشريف، حول صناعة الصابون النابلسي العريق، أكد أن مدينة نابلس نالت شهرة كبيرة بصناعة الصابون منذ زمن الاحتلال الصليبي.

284817264_546000473859113_2281219421197216896_n.jpg
 

وآنذاك، كان الملك مسؤولا عن هذه الصناعة التي كانت بمثابة احتكار ملكي، حيث كان من المحظور ممارسة المهنة إلا بعد أن يمنحهم ملك بيت المقدس عقداً بالسماح بالعمل.

وتشير الدراسة إلى أن صناعة الصابون انتشرت في إنجلترا في القرن الرابع عشر، فيما كان تجار نابلس آنذاك يجوبون أرجاء الوطن العربي لبيع الصابون الذي كان ضرورة ملحة عند العرب في حين كان متعة المترفين في إنجلترا، ولم يستخدم إلا في الحمامات العامة.

وبلغ عدد المصابن في نابلس حسب دراسة "الشريف" إبان الحرب العالمية الأولى 29 مصبنة، تنتج 2640 طناً من الصابون، إلى أن بدأ اضمحلال صناعتها بعد عام 1930.

ويعزو "الشريف" أسباب اضمحلال تلك الصناعة، لعدم وجود نقابة لأصحاب المصابن لتنظيم العلاقة بينهم، إضافة للضريبة الجمركية التي فرضتها مصر عام 1930م بإيعاز من حكومة الانتداب، إلى جانب سماح السلطات البريطانية باستيراد الصابون الأجنبي وتشجيعها لليهود على إنشاء مصانع للصابون.