الساعة 00:00 م
الأربعاء 01 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.67 جنيه إسترليني
5.27 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
3.99 يورو
3.73 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

معروف: معلبات مفخخة يتركها الاحتلال بمنازل غزة

السلاح الأنجح لردع الاحتلال..

معركة الأمعاء الخاوية في عيون أسيرين خاضا التجربة مسبقًا

حجم الخط
سجون الاحتلال
مجد محمد - وكالة سند للأنباء

من جديد، يستخدم الأسرى الفلسطينيون أمعاءهم الخاوية، كسلاح في مواجهة الظلم الواقع عليهم من سجانيهم، عبر خوض إضرابات عن الطعام، وهذا الأمر ليس جديدًا، إنما يعود إلى نكسة عام 1967.

هذه الإضرابات التي قد تمتد إلى أشهر، يمتنع فيها الأسير عن تناول الطعام والسوائل، باسثتناء الماء، وبعضهم يتوقف عن شربه لأيام، كما يرفض غالبيتهم تناول أي فيتامينات أو مدعمات غذائية، حتى تحقيق مطالبه.

وعادةً ما تهدف الإضرابات إلى تحقيق مطالب قد تكون جماعية أو فردية، أو لتحسين الأوضاع داخل السجون، وأحيانًا يكون الإضراب احتجاجًا على ممارسة معينة.

وأول من استشهد نتيجة الإضرابات، كان الأسير عبد القادر أبو الفحم، الذي ارتقى في 11 يوليو/ تموز 1970، خلال إضراب في سجن عسقلان.

ومع مرور السنوات تحوّلت فكرة الإضرابات من جماعية يخوضها مجموعة من الأسرى موحدين، إلى إضرابات فردية، كان آخرهم، الأسير خليل عواودة (40 عامًا) من الخليل الذي يخوض إضرابًا عن الطعام منذ نحو 6 أشهر، ولا زال مستمرًا حتى اليوم.

ويعيش "عواودة" في غرفته بمستشفى "آساف هروفيه" الإسرائيلي، بظروف صحية صعبة، إذ انتشرت له صورًا قبل يومين تُظهره بمظهر يشبه الهيكل العظمي، لكن دون استجابة من إدارة السجون لمطالبه، ولذلك أصرَّ على مواصلة إضرابه عن الطعام لحين إنهاء اعتقاله.

هيكل.jpg
 

في حين يستعد ألف أسير فلسطيني في معتقلات الاحتلال، لبدء إضراب مطلع أيلول/ سبتمبر القادم، ضمن خطوات احتجاجية استأنفها الأسرى مؤخرًا، بعد تنصل إدارة السّجون من التفاهمات التي تمت في شهر آذار/ مارس الماضي، وبعد أن أبلغت الأسرى أنها ستبدأ بفرض إجراءات التضييق على المؤبدات من خلال عمليات النقل المتكررة من الغرف، والأقسام، والسّجون التي يقبعون فيها.

وللحديث أكثر عن تجارب اقتربت من الموت بسبب معركة الأمعاء الخاوية، استضافت "وكالة سند للأنباء" الأسيرين المحررين محمد علان، ومحمد القيق، اللذين خاضا إضرابين منفصلين عن الطعام حتى خضعت إدارة السجون لمطالب كل واحد منهما.

كيف يتم الإضراب؟

المحرر محمد علان من مدينة نابلس، خاض تجربة الإضراب عن الطعام في شهر حزيران/ يونيو من العام 2015، واستمر فيه لـ65 يوماً رفضا لاعتقاله الإداري.

ويصدر أمر الاعتقال الإداري من دون لائحة اتهام أو محاكمة -حتى 6 أشهر قابلة للتمديد دون حد أعلى- عن القائد العسكري الإسرائيلي لمنطقة الضفة الغربية بموجب ملف سري يمنع الأسير أو المحامون من الاطلاع عليه.

يقول "علان" إن الأسير يُخبر إدارة سجنه، عندما يُقرر الذهاب لخطوة الإضراب، فالهدف من هذا الإجراء، هو الاحتجاج على أمر معين، كما أنه يتم إشعار مسؤولي القسم المتواجد فيه من الأطر التنظيمية لإسناده ودعمه.

ويلفت إلى أنه خلال فترة الإضراب تستمر مفاوضات إدارات السجون، مع الأسير المضرب، بأساليب الترهيب تارة وبالترغيب تارة أخرى.

وتتخذ إدارة السجن "العزل الإنفرادي" خطوةً أولى بحق الأسير المضرب، ويُردف "علان": "هنا تبدأ جميع أصناف العذاب بالنسبة للأسير، حيث يتم نزع كل مقومات الحياة منه، من خلال منع إدخال الملابس، أو أي وسيلة للتواصل كالراديو وغيرها".

سجون الاحتلال 3.jpg
 

ويُشير إلى أن إدارة السجون توفر فقط "فرشة نوم" واحدة، أما الغطاء فهو غير متواجد بشكلٍ دائم في غرفة العزل.

ويتعرض المضرب لعمليات تفتيش مذلة ومهينة في محاولة للضغط على نفسيته وإرادته للعدول عن خطوة الإضراب، وعليه فإن كل عشر دقائق، يُجبر الأسير على خلع ملابسه، وغطاء الفراش، وأن يقوم من مكانه، وإيقاظه من النوم بشكل مستمر ومفاجئ، وإزعاجه على مدار الساعة، وفق "علان".

حياة المضرب اليومية..

ولا يتناول الأسير المضرب، الطعام بأشكاله، والسوائل، باسثتناء الماء، ولتعذيبه _تبعًا لضيفنا_ يُحرم في فصل الصيف من شرب الماء البارد، وبعد 14 يومًا من الإضراب، تبدأ إدارة السجون بعرض الأملاح والسكريات عليه.

ويسترسل: "إذا كان الإضراب فولاذيًا بمعنى أنه خال من السكر والملح والمدعمات، يرفض حينها الأسير تناول أي فيتامينات أو مدعمات غذائية، وفي كان من الإضرابات طويلة الأمد يمكن للأسير تناول الملح والسكر".

لكن لا يتناولها بكميات كافية، إنما "رشة واحدة على الإصبع فقط خلال اليوم" وبالتالي فهو لا يُعتبر كسرًا أو إنهاءً للإضراب.

وخلال فترة الإضراب أيضًا يرفض الأسير، أي نوع من الفحوص الطبية حتى لا يعرف الأسير وإدارة السجون على حدٍ سواء، طبيعة وضعه الصحي، وبالتالي تظلّ الأخيرة تائهة ومتخوفة من أي تطورات متعلقة بصحة المضرب.

ومن تجربة "علان" فإنه بعد مرور أسبوع لـ 10 أيام على الإضراب، تبدأ آلام الجوع تظهر على الأسير، وتقوى حاسة الشم لأن الدماغ يعطي إشارات للجسم بتقويتها، حيث يظن الدماغ أنه في مجاعة، ويشتم أي راحة طعام في المكان.

ويحكي أن الأسير في هذه الحالة يبدأ بشمّ الطعام عن بعد مئات الأمتار، لكن سرعان ما تخف حدة الجوع بعد 10 أيام فصاعدًا، وتبدأ المعدة حينها بالانكماش، لافتًا إلى أن الجسم في هذه المرحلة يتغذي على الدهون الذاتية.

بعد مرور الـ 40 يومًا على الإضراب، وإن كان المضرب مصرًا على المواصلة، هنا تبدأ أعراض صحية أخرى تظهر عليه، يحدثنا عنها "علان": "يشعر بأنه غير قادر المشي، ثم التقيؤ وإخراج المادة الصفراء من المعدة، أوجاع بالكلى، وعدم وضوح في الرؤية، وتراجع بضربات القلب وغيرها".

ويعود بذاكراته إلى أيام الإضراب مستذكرًا من المواقف الصعبة التي مرّ بها: "تخيّل أن تتقيأ في اليوم 15 مرة، وفي كل مرة يظن أنه قد فارق الحياة وخرجت روحه".

أسرى.jpeg
 

ويعتبِر الأسير المحرر، الإضراب "مشروعًا طويل الأمد" لا يُمكن اختصاره بالأيام التي تُعد عبر وسائل الإعلام، مؤكدًا أن الأسير "لا يعود كما كان عليه إلا بعد عامين أو ثلاثة أعوام من التجربة، وقد لا تعود أعضائه الداخلية والخارجية للعمل، وقد يُحِدث الإضراب مشكلة صحية دائمة لديه".

وفي سؤالنا عن أقصى مدة لتجربة الإضراب؟ يُجيب: "لا يُمكن تحديدها حقيقة؛ فتحمل الأجسام للجوع وانعكاساته، تختلف من شخص لآخر، ولا يمكن لأي جهة علمية أن تحدد هذا الأمر".

رسالة للأسرى..

ويرى "علان" أن الإضرابات الطويلة لا تصلح إلا بشكل نخبوي، في حين أن الإضرابات الفردية بمثابة عملية فدائية أو استشهادية، ولا تصلح للأسرى المرضى، وهذه الإضرابات تؤلم الاحتلال وتمرغ أنفه بالتراب.

ويدعو في الختام، الأسير المضرب لعدم التوجه لإنهاء إضرابه، قبل الحصول على قرار نهائي من محكمة العدل الإسرائيلية برعاية المحامي، لإلزام مخابرات الاحتلال، في احترام الصفقة المبرمة بين إدارة السجون، والأسير.

تقصير فلسطيني..

من ناحيته، يقول الأسير المحرر محمد القيق من الخليل، والذي خاض تجربة الإضراب لـ 94 يومًا في عام 2015، إن الاحتلال يصر على إهانة الأسرى وإذلالهم قبل تحقيق مطالبهم، متحدثًا عن وجود "تقصير فلسطيني واضح" مع قضيتهم وخاصة الأسير خليل عواودة.

ويصف "القيق" الأمر بـ "خطير جداً"، في ظل حالة التضامن الخجولة، مردفًا: "قد تخرج الأمور عن السيطرة، بعد الصور القاسية التي أظهرته على شكل هيكل عظمي".

ويقر ضيفنا بأن قرار الإضراب ليس سهلًا، فقد "تموت دون أن يدري بك أحد" لكن لا خيار أمام الأسير سوى الإضراب لوقف "نزيف عمره داخل السجن، فالاعتقال الإداري هو مقبرة توضع بها حتى تموت بقرار من ضابط المخابرات، وقد يمتد لعامين أو ثلاثة".

وفي إجابته على سؤال "ما القوة التي تدفع أسيرًا للامتناع عن الطعام والشراب لشهور؟" يتحدث "القيق" بصوتٍ مملوء بمعنويات عالية: "إنه التعطش للحرية، وحاجتنا لممارسة الحياة الطبيعية خارج أسوار السجون، تدفعنا لانتزاعها من أنياب الاحتلال".

ويُكمل: "بعد مرور شهر على الإضراب يدخل الأسير مرحلة الخطر، وعلى إثرها يُصاب بخلل في وظائف أعضائه (..) هنا يُصبح غير مبالٍ بشيء، باستثناء الانتصار على سجّانه سواءً بالشهادة أو بإصدار قرار الإفراج".

وبعد فكّ الإضراب، يحتاج الأسير إلى نحو أسبوعين كي يعود لممارسة حياته بشكلٍ طبيعي من أكل وشراب، ويتفق "ضيفا سند" أن الإرهاق والتعب يرافق الأسير لفترة ليست بسيطة، حيث يكون بحاجة إلى تواصل دائم مع الطبيب؛ لمعالجة وظائف الأعضاء الحيوية التي تضررت بفعل الإضراب، كالكلى والقلب والكبد.

الإضراب الجماعي..

وعن فكرة "الإضراب الجماعي" في السجون، يعتبرها "القيق" مرهقة جدًا لإدارة السجون؛ فهي بمثابة ثورة جماعية عارمة، يُعلن على إثرها الاستنفار على مدار الساعة، تُلغى فيها الإجازات، والمناسبات، بالإضافة لاستنفار عام لدى الطواقم الطبية، والمستويات السياسية والأمنية.

ويصدر جهاز "الشاباك" تقريرًا شبه يومي في هذه الحالة، إلى جانب تقريرين آخرين من "استخبارات السجون"، والسفارات الإسرائيلية في العالم؛ لتقييم الوضع من جميع الجوانب واتخاذ القرار المناسب من المستوى السياسي.

وعادةً ما تكون نتائج الإضرابات إيجابية للأسرى، ويُكسر فيها الاحتلال أمام إرادتهم وتوحد موقفهم، خاصة في الإضراب الجماعي.

زيارات الأسرى.jpg
 

ومن أبرز هذه الإنجازات: "وجود التلفزيون، الكانتينا (المتجر)، الزيارات، لقاءات المحامين، إخراج أسرى معزولين، وعلاج أسرى مرضى، وغيرها".

ويُبيّن أن الحركة الأسيرة تسعى لإعادة هيبة الإضراب من خلال التوحد، أما على صعيد الإضرابات الفردية ضد الاعتقال الإداري، فهذا تتحمل مسؤوليته طواقم لجان "الإداري" في السجون، التي لم تُجِمع حتى اللحظة على أي قرار موحد ضده، ويبقى الأمر متروكاً للأسرى بشكلٍ فردي.

يُشار إلى أن 4650 أسيراً يقبعون في سجون الاحتلال، منهم 30 امرأة، و180 قاصراً، و650 معتقلاً إداريًّا، ومئات الأسرى المرضى، منهم 23 أسيراً مصابون بالأورام والسرطان بدرجات متفاوتة، أصعبها حالة الأسير ناصر أبو حميد.