الساعة 00:00 م
السبت 27 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.79 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

حصل على الماجستير الثاني في الأسر..

الأسير القيادي عباس السيّد.. حبٌّ للعلم وهمة تناطح أسوار السجون

حجم الخط
الأسير القائد عباس السيد.
طولكرم - علا مرشود – وكالة سند للأنباء

لم تقف أسوار السجن عائقًا في يوم ما أمام أسير حالم في حياة يرسمها كما يريد، وليس كما يريد سجانه، فرغم حرمان الاحتلال للأسرى من مقومات الحياة الطبيعية داخل السجون، إلا أن من اختار درب التضحية، قادر على مواصلة المسير رغم وعورة الطريق.

وفي مشهد كان حلمًا، تحقق أمل الأسير القيادي المهندس عباس السيد من طولكرم شمالي الضفة الغربية، بانتزاع الفرح بحصوله على درجة الماجستير الثانية من داخل أسره، والتي جاءت حول العملات الافتراضية المشفرة.

لم يكن الطريق الذي سلكه "السيد" لنيل هذه الشهادة معبدًا بالورود، فحجم الصعوبات التي يواجهها الأسرى في سبيل إكمال دراستهم داخل الأسر بكل مستوياتها، أشبه بالمستحيل، إلا أن "السيد" جعل شعاره الحديث النبوي الشريف: "مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ".

شهادة ماجستير.jpg
 

رفيقة الألم والأمل والفرح وكل سنوات الأسر "أم عبد الله"، زوجة الأسير عباس السيد، تقول إن  الدافع وراء مواصلة زوجها البحث والدراسة رغم الأسر، هو حبّه للعلم، وسعيه الدائم لتطوير نفسه.

وتضيف في حديثها لـ "وكالة سند للأنباء": "السجن لا يشكل عائقًا بالنسبة لعباس وباقي الأسرى، فطالما يملكون العقل سيواصلون ابتكار الأساليب لإكمال مسيرة العلم والدراسة".

وتمضي بالقول: "تتفاوت قدرات الأسرى في هذا المجال، هناك الكثير من الأسرى الذين أمضوا سنوات طويلة في الأسر ولم يتمكنوا من إكمال دراستهم وتطوير أنفسهم؛ لصعوبة الظروف التي يعيشون فيها، مردفةً: "رغم كل العقبات والتحديات التي يصعب وصفها إلا أن زوجي استطاع تحقيق إنجازات عظيمة".

وعن وعورة الطريق التي سلكها أسيرنا، تحدثنا "أم عبد الله": "إدخال الكتب والمراجع كانت أكبر صعوبة"، وتستذكر بعضا من تلك اللحظات قائلةً: قمنا بمحاولات مريرة لإدخال كتاب مهم له علاقة وثيقة بالدراسة، وفي كل مرة كان يمنع الاحتلال إدخاله".

وتكمل: "في فترات معينة تتعنت إدارة السجن في إدخال الكتب إذا وصل عددها 10 كتب، وبهذه الحالة كان الأهالي يتعاونون معنا في إدخال الكتب، كل أهل أسير أخذ جزءًا".

أما عن الكتب التي تتحدث عن العملات الرقمية، ذات العلاقة بدراسة "السيد"، فكانت الصعوبة في إيصالها له أكبر، تردف: "كنا نوزع الكتب على أهالي الأسرى من كل الضفة؛ حتى نستطيع إدخالها، ومرات أخرى عن طريق القدس، وفي إحدى المرات تجوّل أحد الكتب كل الضفة الغربية حتى تمكنا من إدخاله أخيرا مع أهل أسير من قلقيلية".

تحدي المستحيل..

ولا تنضب محاولات وأساليب الأسرى وعائلاتهم في تحدي قوانين الاحتلال العنصرية، وتضرب "أم عبد الله" مثالًا على ذلك: "إذا كان الكتاب سميكًا تمنع إدارة السجن دخوله، فنعود للمطبعة ونغيّر شكله أكثر من مرة حتى نتمكن من إدخاله".

وتلفت ضيفتنا إلى أن التحصيل العلمي والإنجاز على مختلف الأصعدة ينعكس إيجابًا على نفس الأسير ومعنوياته، ومشاركة الأهل في حفلات التخرج والتكريم تدخل الفرح على قلب الأسير.

وبمشاعر الفرح والفخر تقول: "في المرة الأولى التي حصل فيها عباس على درجة الماجستير كان حريصا على أن لا يتعبنا، ولكننا أصررنا على حضور حفل التكريم واستلمنا الشهادة أنا وأخته وابنه عبدالله، وهذه الأجواء انعكست عليه على الرغم من التعب والتأخير إلا أننا فرحنا جميعا وفرح هو بنا وارتفعت معنوياته".

واستمرت محاولات الأسرى الفلسطينيين بالتعليم داخل السجن، قبل 15 عامًا للسماح لهم بالانتساب لجامعات فلسطينية أو غير فلسطينية، حيث مرّت العملية التعليمية داخل السجون بمراحل تاريخية متعددة إلى أن وصلت إلى شكلها الحالي بنضالات الأسرى وطرقهم الخاصة غير المعلن عنها.

نموذج ومنارة..

من جهتها، تقول المتحدثة باسم نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة إن السنوات الأخيرة شهدت إقبالًا كبيرًا من الأسرى داخل السجون على التعليم، وتحديدا في رحلة ما بعد انتفاضة الأقصى، حيث تزايد الاهتمام بالتعليم.

وتضيف "سراحنة" لـ "وكالة سند للأنباء": "التخصصات التي يدرسها الأسرى معظمها أو كلها علومًا إنسانية، ينتسبون لها عن طريق الجامعات الفلسطينية، مثل الخدمة الاجتماعية أو العلوم السياسية أو الدراسات الإسرائيلية أكثر من الحقول الأخرى".

وتفسّر ذلك: "ربما لسهولة هذه التخصصات وإمكانية دراستها بطريقة التعليم عن بعد أو إمكانية إدخال بعض المراجع".

وعما حققه الأسير عباس السيد، تتحدث "ضيفة سند": "الأسير عباس السيد نموذج ومنارة، ليس فقط للتعليم والنضال، إنما أسّس لأفكار كثيرة تتعلق بالتعليم، وأفكار خلّاقة لتجاوز فكرة السجن".

وتُردف: "في فترة جائحة كوورنا عندما كان القطاع الصحي بحاجة لمهندسي أجهزة تنفس، كنا نستحضر  دائما الأسير عباس السيد، وهو الحاصل على أحد أهم شهادات الهندسة التي نحتاجها في هذا العصر".

والأسير عباس السيد،  حاصل على شهادة في الهندسة الميكانيكية، كما تخصص لاحقًا قبل اعتقاله في هندسة أجهزة التنفس الاصطناعي، وحصل قبل سنوات قليلة على شهادة الماجستير بتخصص الدراسات الإسرائيلية من جامعة أبو ديس، ومؤخرًا الماجستير الثاني الذي حمل عنوان: العملات الافتراضية المشفرة "ماليتها-حكم تعدينها"، من كلية الدعوة الجامعية للدراسات الإسلامية.

وتلفت "سراحنة"، إلى أن نسبة مرتفعة من الأسرى حصلوا على شهادات بكالوريوس ودراسات عليا خلال السنوات القليلة الماضية، وأن الغالبية العظمى من الأسرى المحررين متعلمين، الأمر الذي يشكل إضافة كبيرة لمسيرة الحركة الوطنية الاسيرة في سجون الاحتلال.

وتعقّب: "هذا يعني وجود جزء كبير من خيرة أبناء فلسطين على المستوى النضالي والمستوى المعرفي في الأسر"، متابعةً: "هذا التحول الكبير أنتج مفكرين داخل السجن وروائيين وأدباء، وأن الإنتاج المعرفي للأسرى عالٍ جدا، وأكبر نموذج لذلك الأسير وليد دقة الذي أصبح الآن مفكرًا عالميًا، وكتاباته تنشر على مستوى العالم".

وتختم: "الأسرى يحاولون تحطيم الأسوار عبر التعليم، واليوم لدينا أصوات أسرى تخرج من داخل أسوار السجن، حتى قد يتفاجئ البعض أن هناك كتبًا تصدر حديثا من السجن أكثر من الخارج المتاح له المنصات الالكترونية والمكتبات".

ويعدّ الأسير عباس السيد أحد أبرز قادة الحركة الأسيرة الفلسطينية، وأحد كبار قادة حركة "حماس" وذراعتها العسكري كتائب القسام في الضفة الغربية.

واعتقل "السيّد" عام 2002، وحكم عليه الاحتلال بالسّجن المؤبد المكرر 35 مرة، إضافة إلى 150 عامًا، وحينما اعتقل كانت ابنته (مودة) تبلغ من العمر ثلاث سنوات، وابنه (عبد الله) عام وسبعة أشهر.