بصوتها الطفولي وأمنيتها باحتضان أمها بعد غياب طويل، أخذت الطفلة "آية" تردد:"طلعنا وقهرنا السجان" وهي تقف على الحاجز؛ بانتظار وصول والدتها الأسيرة شروق البدن (28 عامًا)، إلا أن آمال الطفلة ومشهد اللقاء الذي رسمته في مخيلتها تلاشى بقرار احتلالي جائر بتمديد الاعتقال الإداري لوالدتها للمرة الرابعة على التوالي.

أيام وشهور صعبة عاشتها آية (6 أعوام) الطفلة الوحيدة للأسيرة شروق من بلدة تقوع شرق بيت لحم، كان أصعبها الأيام التي كان من المقرر الإفراج عنها بعد انتهاء مدة حكمها الإداري، وانتظار عائلتها على الحاجز لاستقبالها، وفق سلوى البدن والدة شروق.

وفي الرابع من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، كان من المقرر أن تفرج سلطات الاحتلال عن الأسيرة "البدن"، وذلك بعد انتهاء حكمها الإداري، لكن قرار التمديد يسبق للمرة الرابعة قرار الإفراج.

معاناة شروق البدن، وهي واحدة من ثلاث أسيرات رهن الاعتقال الإداري، جزء مما تتعرض له الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث يعتقل الاحتلال في سجونه 33 أسيرة فلسطينية، يعانين من انتهاكات تثقل كاهلن.

ليلة الاعتقال

لحظات مرعبة عاشتها شروق وعائلتها ليلة الاعتقال، فعند الساعة الثالثة من فجر الثامن من ديسمبر/ كانون أول 2021، اقتحمت قوات الاحتلال منزل شروق وانتزعوها من جانب طفلتها الوحيدة "آية".

وعن تلك اللحظات تخبرنا والدة شروق:"أيقظت شروق وأخبرتها أن الجيش الإسرائيلي يحاصر المنزل، وفجأة جاءت 5 مجندات ورفعوها من السرير وقمن بتفتيشيها وضربوها ضرباً حتى سالت الدماء من أنفها".

"كان منظر جنود ومجندات الاحتلال مرعبا داخل المنزل، ومدججين بالأسلحة حتى أن ابنتها آية اختبأت تحت السرير، تقول الأم.

وتضيف:"قيدوا أيدي شروق وعصبوا عيونها، وهي ترتدي ملابسها البيتية ورفضوا السماح لها بتوديع ابنتها أو توديعي".

وفي مشهد يدمي القلب، تصف الجدة مشهد إخراج ابنتها من المنزل أمام طفلتها "آية" وتقول:"عند خروج شروق من المنزل صرخت طفلتها:يا ماما كل مرة بتروحي وتتركيني وتخليني أروح على المدرسة لوحدي، الأمر الذي فطر قلبها شروق بهذه الكلمات".     

وتعاني "آية" وهي طالبة في الصف الأول من قلة التركيز وتشتت التفكير في المدرسة رغم محاولة جدتها توفير الأجواء اللازمة لها ولكن من فقد أمه لا شيء يعوضه "وفق "البدن".

 

وتردف:"تعاني آية من أثر صدمة اعتقال والدتها، وتختبئ خلفي عن رؤيتها للجنود الإسرائيليين من بعيد".

وتحاول جدتها وأخوالها توفير جو عائلي لآية للتخفيف عنها ولكن في الكثير من الأحيان تفشل في رسم الابتسامة على وجه آية.

ظروف صعبة

وتعرضت الأسيرة "البدن" للاعتقال لأول مرة في الـ15 من يونيو/تموز 2019، وأمضت عاماً رهن الاعتقال الإداريّ، وأُعيد اعتقالها في شهر سبتمبر/أيلول 2020، وأمضت 8 شهور كذلك، وأُفرج عنها في شهر مايو/أيّار 2021، ثم أُعيد اعتقالها في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2021.

وجددت قوات الاحتلال الاعتقال الإداري لشروق البدن 4 مرات، وقضت ما مجموعه 4 سنوات من خلال اعتقالات متعددة في سجون الاحتلال.

وتقبع في سجن "الدامون" 33 أسيرة فلسطينية بينهن ثلاث معتقلات إداريّاً وهنّ: بشرى الطويل، وشروق البدن، ورغد الفني.

وعن ظروف اعتقالها تقول والدة شروق، "إنها تعاني من قلة الأدوية والأغطية المتوفرة، وعندما تطلب شروق الأغطية ترفض سلطات الاحتلال إدخالها لها عند إحضارنا لها".

مدير مركز حريات للحقوق المدنية الحقوقي حلمي الأعرج، يقول إن الأسيرات الفلسطينيات المعتقلات إداريا يعشن ظروفا قاسية، من حيث الواقع الصعب للاعتقال الإداري وتجديده.

وعن مدى نجاع الجهود القانونية في وضع حد للاعتقال الإداري يقول "الأعرج" لـ "وكالة سند للأنباء":"محاكم المعتقلين الإداريين هي محاكم عسكرية، تابعة للمخابرات الإسرائيلية، فالقضاء فيها غير مستقل، كما أنها محاكم صورية، القرار يتبع فيها لجهاز المخابرات الإسرائيلي، لذلك تتم مقاطعتها من قبل الأسرى المعتقلين إداريا".

ويرى "الأعرج" أن المتابعة  القانونية لمحاكم الاعتقال الإداري لا تفضي إلى نتيجة، بل تعتبر شكلا من أشكال الاعتراف بها، وتكرّس الشرعية أن هناك محكمة في ظل غياب تهمة واضحة يمثل أمامها المعتقل.

ووثقت مراكز تعنى بالأسرى 6 آلاف حالة اعتقال لدى الاحتلال الإسرائيلي، منذ بداية العام، منها 141 حالة بحق نساء و739 ضد الأطفال، وسجلت القدس أعلى نسبة اعتقالات بـ 2700 حالة.

وأصدرت محاكم الاحتلال العسكرية منذ بداية العام 1829 أمر اعتقال إداري، وكانت أعلى نسبة في أوامر الاعتقال الإداريّ خلال شهر أغسطس/آب الماضي، حيث بلغت 272 أمرًا.