الساعة 00:00 م
الخميس 02 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.3 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.03 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

معاناة الفلسطينيين تتفاقم في ظل غياب نظام وطني لإدارة الكوارث

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

6 سنوات على استشهادهم..

براء وعادل وأسامة.. ثلاثة أصدقاء عاشوا معًا واستشهدوا فداءً للمسجد الأقصى

حجم الخط
الشهداء
رام الله - فرح البرغوثي - وكالة سند للأنباء

في باحات الأقصى تعاهدوا، وانطلقوا في طريق الشهادة وحبّ الوطن، مدافعين عن ثرى مسجدهم وقدسهم، فبعد أن جمعتهم صداقة العمر، وأيام الرباط، جمعتهم الشهادة، ثم ثلاجات الموتى لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

ستُ سنواتٍ مرّت على استشهاد الشُبّان براء صالح، وأسامة عطا، وعادل عنكوش، وما زالَ الألمُ يعتصرُ قلوبَ عائلاتِهم، التي تأمل أن تشعرَ أجساد أبنائها الباردة بالدّفء، في تُراب الوطن، وأن تُمارس حقها الطبيعي بإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليهم، بعد شهورٍ وسنوات من الحسرةِ والانتظار.

الشبّان براء وعادل (18 عامًا) وأسامة (19 عامًا)، ثلاثتهم من قرية دير أبو مشعل شمال غرب رام الله، وسط الضفة الغربية، استشهدوا في الـ16 من حزيران/ يونيو عام 2017؛ عقب تنفيذ عمليةٍ مزدوجة في مدينة القدس، أسفرت عن مقتل مُجندة إسرائيلية وإصابة جُندييْن آخرين بِجروح.

عقدوا نيتهم ببذل الدم والروح رخيصة دفاعًا عن الأقصى، سارعوا الخطى من قريتهم، لتنتهيَ حياتهم في أجمل بقاعِ الأرض وأولى القِبْلتين، ففي ظهر يوم الخميس، الذي سبقَ تنفيذهم العملية، توجّه الشبّان إلى القدس، تناولوا وجبة إفطارهم الأخيرة معًا، وأمضوا ليلتهم في باحات المسجد الأقصى.

وقبل دقائقٍ قليلة من موعد إفطار يوم الجمعة (الحادي والعشرين من شهر رمضان)، ارتقى الشبّان صائمين؛ ليكونوا من بين المُرابطين الذين لبّوا نداء الدفاع عن مسرى الرسول، ونالوا شرَف الشهادة في سبيل الوطن.

الشهداء الثلاثة.jpg


وتمر الذكرى السادسة على استشهاد الأصدقاء الثلاثة الذين بذلوا أرواحهم فداءً للأقصى، تزامنًا مع دعوات الرباط المكثفة التي يطلقها المقدسيون والناشطون خاصة في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة بدءًا من تاريخ 19 حزيران الجاري.

وتؤكد الدعوات على ضرورة الرباط وتكثيف التواجد في باحات  "الأقصى"؛ لتفويت الفرصة على الاحتلال للاستفراد به في ظل محاولات تقسيمه مكانيًا وزمانيًا وقضمه بشكل صامت، وعبر إجراءات تدريجية مدعومة من حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو.

أصدقاءٌ وشهداء..

يقول علي عنكوش، شقيق الشهيد "عادل" إن الشهداء الثلاثة عاشوا معًا أيام حياتهم، وكانوا في مُقتَبَلِ أعمارهم، يقضون معظم يومهم في العمل بجدٍّ وكدّ.

وعن يومهم الأخير، يروي في حديثه مع "وكالة سند للأنباء": "عندما ذهبوا للاعتكاف والرباط في المسجد الأقصى، تصرفوا بشكلٍ اعتيادي، ولم نشعر بأيّ شيء، حزموا أمتعتهم وانطلقوا نحو القدس".

هؤلاء الشُبّان مُهذّبون، يتمتّعون بالأخلاق والهدوء، وطيبة القلب، ويحبّهم كلَّ من يعرفهم، حسبما يصفهم "عنكوش"، لافتًا إلى أن شقيقه "عادل" الواعي رغم صغر سنه، كان يواظب على زيارة "الأقصى" والرباط فيه بشكلٍ سنوي.

ويُبيّن أن قوات الاحتلال لاحقت عائلات الشهداء الثلاثة عقب استشهادهم، وهدمت منازلهم، عقب شهرين من ارتقائهم عام 2017.

قلوبٌ مكلومة وانتظار..

منذ ذلك الوقت، احتجز الاحتلال جثامين الشهداء الثلاثة، ولم يسمح لعائلاتهم برؤيتهم؛ لتبقى في قلوبِهم حسرةً وجراحًا لا تَبرأ مهما مرّت الأيام، وكلّما تذكروا أن أجساد أبنائهم في ثلاجاتٍ باردة، أو رُبما شوّهت أعضائهم، تشتعلُ بداخلهم نار القهر، وتتجمدُ الكلمات في حلوقِهم.

وعن ذلك، يتحدث "عنكوش": "نحنُ نريدُ جثامين أبنائنا وكافة الشهداء.. نريدُ إكرامهم ودفنهم في القبور المُخصّصة لهم في مُقبرة القرية".

في المسجد الأقصى، التقى براء، يوم الجمعة، بالعديد من أبناء قريته، وطلب منهم أن يسلموا على الجميع

أما براء صالح المحبوب لدى كل من يعرفه، هو أسير محرر أمضى شهوراً عدة في سجون الاحتلال، وحرص برفقة "عادل" و"أسامة" على التواجد الدائم في باحات "الأقصى" في الفترة الأخيرة التي سبقت استشهادهم.

والدة الشهيد براء صالح، ليس لها سوى أمنيةً واحدة بالدنيا، أن تودّع نجلها وتُقبّلهُ، وتنثرَ الورد حول قبره علّها تُطفئ النار التي شبّت في جسدها منذ لحظة إبلاغها باستشهاده.

وتحكي لـ "وكالة سند للأنباء" متألّمة: "كُلّ ما أحلم به في هذه الدنيا قبل وفاتي، أن أدفن براء وأُكرمه.. أن أذهب لقبرِه وأزوره كما تفعل الأمُهات مع أبنائها!".

وتضيف: "ست سنوات مرّت ونحنُ لم نعلم لغاية هذه اللحظة أين جثامين أولادنا، هل هي في الثلاجات، هل تشوّهت وسُرقت أعضائهم.. فقط تأكل أرواحنا الحرقة وقهر الانتظار".

تصمتُ قليلًا وتُردّد والدموع حبيسةً بعينيها: "والله هذه ليست حياة.. تمرّ أيامنا وسنواتنا ونحنُ ننتظر عودتهم.. لا يوجد راحة بال دون وداع أبنائنا ودفنهم وإكرامهم".

وتلفتُ "صالح" إلى أنّ ذوي الشهداء يُعانون من ألم وحسرةِ حرمانهم من استرداد جثامين أبنائهم، دون مساندةٍ أو وقوفٍ من أيّ جهةٍ مسؤولة، قائلةً: "نُنادي بشكلٍ دوري، ونُنظم الوقفات الاحتجاجية في كافة مُدن الوطن دون أيّ استجابة أو تلبية نداء.. حسبنا الله ونعم الوكيل".

الشهيد أسامة عطا كذلك جرب الأسر قبل سنتين من استشهاده، وعُرف عنه تعلقه الشديد بالمسجد الأقصى والرباط فيه.

وكان عناق والدته الحار، آخر ذكريات "أسامة" في المسجد الأقصى، حيث كان يُسلّم عليها سلام المودّع، بينما لا تعرف هي السر، طلبت منه العودة معها إلى المنزل، لكنّ أخبرها أنه سيلحق بها، ليُزف إليها شهيدًا دون أن تتمكن من وداعه؛ لأن الاحتلال أراد الانتقام منهم واحتجاز جثمانه.

سياسة عقاب..

ومنذُ عودة سياسة احتجاز الجثامين عام 2015، يحتجز الاحتلال 129 جثمان، بينهم 11 طفلًا، وسيّدة واحدة، و12 أسيرًا، إضافةً إلى 256 جثمان في مقابر الأرقام، وفق منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، حسين شجاعية.

ويؤكّد "شجاعية" في حديثه مع "وكالة سند للأنباء "أنّ الاحتلال يمارس هذه السياسة كـ "أسلوب عقاب وردع للشعب الفلسطيني، وانتقام من عوائل الشهداء وحرمانهم من حقهم الأساسي في دفن أبنائهم ووداعهم وزيارة قبورهم".

ويردف: "الاحتلال أيضًا يتّبع هذه السياسة الجائرة، في محاولةٍ منه لاستخدام الشهداء كأوراق ضغط ومساومة في ملف "تبادل" مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة التي تأسر 4 جنود لديها منذ عام 2014.

ويوضح "شجاعية" أنه كان هناك ردودًا رسمية من محكمة الاحتلال العليا على بعض الالتماسات التي تقدّم بها محامي الحملة ومركز القدس لاسترداد جثامين الشهداء، تؤكّد على هدفهم هذا.

وعند سؤاله عن المطلوب فلسطينًيا؟ يرد: "يجب وضع هذه القضية على سُلم أولويات الكلّ الفلسطيني، بما فيها السلطة والفصائل الفلسطينية، وأن تكون حاضرة في كافة المحافل والفعاليات الوطنية، إلى جانب مساندة عائلات الشهداء في مناطق تواجدهم".

أما دُوليًا، يُطالب "شجاعية" المؤسسات الدولية الفاعلة بالتحرّك من أجل الضغط على الاحتلال بالإفراج عن جثامين الشهداء المحتجزة، مُشدّدًا على أنّ هذه السياسة تتنافى مع الأعراف والمواثيق الدولية التي تتبعها الدول الغربية والمؤسسات.