الساعة 00:00 م
السبت 27 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.79 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

في اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء..

بالصور جثامين الشهداء المحتجزة.. جرحٌ فلسطيني مفتوح وصرخة الأمهات تطالب باستردادها

حجم الخط
اليوم الوطني.
رام الله/ الخليل – يوسف فقيه – وكالة سند للأنباء

ما أصعب أن يكون ابنك وحيدك في ثلاجة، لا أنت قادر على رؤيته، واحتضانه، أو حتى دفنه وفقًا للشريعة الإسلامية وزيارة قبره بين فينة وأخرى(..) معاناة بدأت مع عوائل فلسطينية منذ أعوام، ولم تنتهِ فصولها بعد؛ لأنّ من يحكم الأرض احتلال غاصب تجرّد من كل معاني الإنسانية.

فهذه أسرة يوسف صبح (15 عامًا) أصغر الشهداء المحتجزة جثامينهم في ثلاجات الاحتلال الإسرائيلي، لم تذق طعم النوم الهانئ، منذ نحو عامين، أي منذ أن استشهد في مدينة جنين، شمال الضفة الغربية.

تقول والدة يوسف، إنّ جثمان نجلها، محتجز لدى الاحتلال، منذ تاريخ السادس والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر 2021، وتعيش من ذلك الحين واقعًا صعبًا، يزداد سوءًا كلما مرّت عليه الأيام وهو في صقيع الثلاجات، دون أن تتمكن من طبع قبلة أخيرة على جبينه، ودفنه في قبرٍ صغير يضمّ جسده الغض!

وفي اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء والكشف عن مصير المفقودين، الذي يحييه الفلسطينيون في 27 أغسطس/ آب من كل عام، ويُصادف اليوم الأحد، تسبق دموع أم يوسف كلماتها، وآمالها: "ليس لدي أمنية سوى أن أودّع ابني، وأدفنه (..) بعدها ستهدأ النار في قلبي".

استرداد الجثامين.jpg
 

ولم يسمح الاحتلال لعائلة "صبح" أو لأي جهة حقوقية وقانونية برؤية "يوسف"، فقط أخبر الاحتلال، العائلة المكلومة عبر اتصالٍ هاتفي، بنبأ استشهاده، ومنذ ذلك الحين، لم تؤتِ أي وسيلةٍ كانت، مع عائلته للاطمئنان عليه ومعرفة مصيره.

تساؤلات تحرق القلب!

وتُضيف بصوت تخنقه الدموع، خلال حديثها مع "وكالة سند للأنباء": "لا أستطيع النظر إلى الثلاجة، أتخيل كلما فتحت أبوابها ملامح يوسف الجميلة وضحكته الوادعة، وأتساءل بحسرةٍ وقهر، هل يشعر حبيبي بالبرد؟ هل تجمدت أطرافه بِفعل الثلج؟ كيف يكون حاله في الشتاء؟ (..) يخنقني الشعور، ولأجله أكره كل شيء بارد".

وتؤكد والدة يوسف أنّ الاحتلال يسعى عبر احتجاز جثامين الشهداء، لقهر عوائلهم، وإيلامها بوسائل تتجرد من كل معاني الإنسانية والرحمة، مستدركةً: "لكن وبالرغم من كل الوجع الذي نعيشه، إلا أنني فخورة بيوسف الذي ارتقى مدافعًا عن بلده وأهله في برقين".

وفي الوقت الذي تنتقم سلطات الاحتلال من عوائل الشهداء، تشكو ضيفتنا من ضعف الدور الذي تُمارسه المؤسسات الرسمية والحقوقية في هذه القضية، موضحةً: "لا أحد يطرق بابنا، نحن (عوائل الشهداء المحتجزة جثامينهم) من نذهب إلى المؤسسات ونُخبرهم عن حالنا وقهرنا، وننظم الوقفات والفعاليات للمطالبة باسترداد الجثامين".

"انتظرته كثيرًا لأزفه عريسًا قبل أن أغادر الدنيا، لكنّ القدر اختاره شهيدًا، وكل ما أتمناه اليوم أن أجد آذان صاغية لوجعي (..) أريد قبرًا يأوي جسد فلذة كبدي" بهذه الكلمات خاطبت ضيفتنا الجهات الحقوقية والفلسطينية ذات العلاقة.

وتُشدد في ختام حديثها على ضرورة التحرك الفعّال، للاهتمام بقضية الشهداء المحتجزة جثامينهم، فهذه قضية إنسانية بحتة، وعلى الجميع فصائليًا ورسميًا وحقوقيًا، أن يُولي لها اهتمامًا كبيرًا، ويضعها على سُلم أولوياته.

جثامين الشهداء.jpeg
 

"قتلونا مرتين"

وجع الانتظار يعيشه أيضًا بسام حماد، والد الشهيد أنس حماد من بلدة سلواد شرقي محافظة رام الله، الذي احتجز الاحتلال جثمانه فور استشهاده في العام 2015، حيث كان والده يقبع في الأسر.

حماد وهو عضو لجنة "استرداد الجثامين المحتجزة لدى الاحتلال" يبدأ حديثه مع "وكالة سند للأنباء" بالتساؤل عن حجم الازدواجية الدولية في التعامل مع المعايير عند احتجاز جثمان الإسرائيلي.

ويقول بحسرة: "هناك 141 عائلة فلسطينية تعاني وجع الانتظار وألم الفراق منذ سنوات، دون أن يتمكنوا من احتضان جثامين أولادهم ويواروها الثرى بطريقة شرعية، بعد الصلاة عليها"، متابعًا: "نريد الاطمئنان على فلذات أكبادنا، والتأكد إذا ما سرق الاحتلال أعضائهم، وهل تتناسب ثلاجاتهم مع المعايير الإنسانية".

ويشعر حماد بتقصير غير مبرر من الجهات ذات العلاقة، مستطردًا: "كنّا نطالب بـ 80 جثمانًا، لكنّ حالة الصمت وعدم الاهتمام الكافي، أعطت الضوء الأخضر للاحتلال، ليُضاعف العدد، حتى باتت كل قرية فلسطينية تعيش هذا الألم".

مقابر الأرقا.jpeg
 

ويصف ما تمارسه سلطات الاحتلال بحق الشهداء المحتجزة جثامينهم بأنه "مس بجوهر النفس الإنسانية، واعتداء على البشرية برمتها واستهتار بها"، لافتًا إلى أنّ الاحتلال يقتل عوائل الشهداء مرتين، الأولى حين توجه لصدور أولادهم رصاصات غادرة، والثانية حين تُسرق جثامينهم.

ويرى حماد أن الاحتلال يهدف من خلال عمليات احتجاز جثامين الشهداء إلى الانتقام من أصحابها وذويهم، وخلق حالة من الردع لكل أبناء الشعب الفلسطيني، لكنّ هذه السياسية أثبتت أنها لم تعد تجد نفعا.

ليسوا أرقامًا..

ووصل عدد الجثامين المحتجزة على مرّ العقود إلى قرابة 398 جثماناً في مقابر الأرقام أو ثلاجات الموتى، من بينهم 142 شهيدًا منذ العام 2015، وفق ما أورده منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال حسين شجاعية.

ويوضح شجاعية لـ "وكالة سند للأنباء" أنّ من بين إجمالي الشهداء المحتجزة جثامينهم 11 أسيرًا، استشهدوا داخل سجون الاحتلال؛ بفعل الإهمال الطبي المتعمد، بالإضافة لـ 14 طفلًا، و5 شهيدات.

اليوم الوطني لاسترداد الجثامين.png


والحملة الوطنية، حملة شعبية، أُطلقت في العام 2008؛ بهدف إلزام سلطات الاحتلال، بالإفراج عن جثامين محتجزة في مقابر الأرقام وثلاجات الموتى، كما تهدف إلى تحديد مصير مفقودين تنكر "إسرائيل" وجودهم لديها.

وتقوم الحملة أيضًا بمتابعة المرافعات القانونية، أمام محاكم الاحتلال الخاصة بهذه الملف، لكنّ جهودها تصطدم بتعنت من الاحتلال بالإفراج عن جثامين الشهداء، وربط هذا الملف الإنساني بملف سياسي يتعلق بالجنود الإسرائيليين الذين تأسرهم حركة "حماس" في قطاع غزة منذ عام 2014، وفق حسين شجاعيّة.

فعاليات الحملة تنطلق من نابلس..

ومن المقرر أن تطلق الحملة الوطنية فعالياتها هذا العام، عبر مؤتمرٍ صحفي تعقده في مدينة نابلس صباح اليوم، إلى جانب وقفة وجنازة رمزية، تحمل عددًا من توابيت شهداء المحافظة التي تصدرت النسبة الأكبر في عدد الجثامين المحتجزة لدى الاحتلال (75 شهيدًا).

وإلى جانب مؤتمر الانطلاق، ستشهد مدينة غزة وقفة غدًا الاثنين أمام مقر الصليب الأحمر، كما ستُنظم فعاليات يوم الثلاثاء القادم تتضمن وقفات وجنائز رمزية، بحسب ما ذكره حسين شجاعيّة.

ويؤكد أنّ الهدف من هذه الفعاليات هو تسليط الضوء على هذه القضية، والضغط على سلطات الاحتلال لاسترداد جثامين الشهداء والوقوف إلى جانب عائلاتهم.

لماذا يُبقي الاحتلال جثامين الشهداء لسنوات في ثلاجات أو مقابر أرقام؟

من ناحيته اعتبر مدير مركز القدس للمساعدة القانونية، عصام العاروري أن "احتجاز الجثامين جريمة حرب يحاسب عليها القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، مشيرًا إلى أنّ "إسرائيل" لم تتقيد بالمعايير الدولية منذ احتلالها أرض فلسطين، بل وتحظى بالحماية والدعم لكل سياستها بما فيها هذه القضية.

ويقول العاروري لـ "وكالة سند للأنباء" إن العديد من القضايا والمراسلات تؤكد بأن سلطات الاحتلال لا تحتفظ بجثامين الشهداء في ظروفٍ مناسبة، أو طريقة منظمة.

ووثقت تقارير من لجان إسرائيلية بعضها دُقق في المحاكم، أنه تم حفر بعض القبور، واتضح لاحقًا أنها خالية من الجثامين، وهناك قبور تضم أشلاءً لأكثر من شهيد، كما جرى الإبلاغ عن عدم إمكانية العثور على 14 جثمانًا من المحتجزة في مقابر الأرقام قبل عام 2015، وفق العاروري.

ويلفت إلى أن ظروف احتجاز الجثامين في ثلاجات الاحتلال، لا تقل قسورة عن ظروف قبور الأرقام، حيث يحتجز الجثمان في الثلاجات تحت درجة حرارة منخفضة جدًا وفي الحالات التي جرى تحرير الشهداء كانوا عبارة عن ألواح ثلجية.

ويزيد: "بعض الجثامين تحول لونها إلى الأسود وبالكاد تم التعرف عليها، كما تُجبر العوائل على دفن الجثمان قبل أن تتأكد من هوية نجلها عبر التحليل الطبي"، وإلى جانب ذلك ترفض سلطات الاحتلال منح عائلات الشهداء شهادات الوفاة، ما يُلحق بهم الأذى النفسي.

مقابر الأرقا.jpeg
 

وينوه الى أن الملف تعقد أكثر من خلال محاولة الاحتلال، الابتزاز والمساومة وهذا ما يرتقي إلى جريمة الاتجار بالبشر، حيث يتم احتجاز الجثمان والمطالبة بمقابل للإفراج عنه، وهذه بحد ذاتها جريمة ضد الإنسانية.

ويوضح أنّ أبواب "القضاء" الإسرائيلي باتت مؤصدة بعد صدور قرارات آخرها عام 2019، وتم تكرارها بإجازة المحاكم للمستوى السياسي والعسكري، باحتجاز الجثامين ودفنهم مؤقتا لاستخدامهم مستقبلا كأوراق تفاوضية، وتحقيق أهداف سياسية وحالة ردع للفلسطينيين.

ويشير في ختام حديثه إلى حالة التلكؤ من الجهات الدولية وصمت من الأمم المتحدة، مضيفًا: "لم يصدر أي موقف عن المدعي العام لجرائم الحرب، رغم تقديم كتاب خطاب لهذه المحكمة عن جريمة احتجاز الجثامين".