يكوّر فلسطينيون "جفت الزيتون" كنوع من الحلول البديلة لإشعال النار، مع استمرار قطع "إسرائيل" إمدادات الوقود وغاز الطهي عن قطاع غزة للشهر الثالث على التوالي، وبعضهم وجدوا في هذه الصناعة مصدرا للرزق.
وباتت "الجفت" الناتجة عن عملية عصر الزيتون، سلعة يقبل عليها سكان غزة لطهي الطعام وتلبيه احتياجاتهم اليومية، مع انقطاع التيار الكهرباء المتواصل منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على القطاع في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
مهنة "التجفيت"..
وبين ضغط الجفت في قولب، وتكويره باليدين يقضي طارق مخللات وعائلته يومه في حقل زراعي في رفح جنوب قطاع غزة، رغم أزيز طائرات المراقبة الإسرائيلية المتواصل وأصوات القصف والانفجارات بين الفينة والأخرى.
ويقول مخللات وهو يضع لوحا مصفوفا بالجفت تحت الشمس "زي (مثل) ما أنت شايف (ترى) من الصبح نشتغل بالجفت ووقت الظهر نضعه من أجل أن يجف".
ويضيف مخللات (33 عاما) لـ "وكالة سند للأنباء": "ما في غاز ولا حطب من أجل إشعال النار. ظروف الحياة صعبة ومعقدة في ظل الحرب واستمرار القصف".
ويوضح أن كرة الجفت الصغيرة تساعد في الإبقاء على اشتعال النار بين خمس إلى عشر دقائق، وأنه يبيع كرتين وأحيانا ثلاثة مقابل شيكل واحد (الدولار 3.8 شواكل)".
ويشتري مخللات وآخريين الجفت وهو مخلفات الزيتون بعد استخراج الزيت منه من المعاصر في مدينة رفح. ويباع شوال الجفت ويزن ما بين 40-50 كيلو جرام مقابل 5 شواكل فقط.
وعائلة مخللات نزحت بعد قصف الطيران الحربي منزلها وسط مدينة غزة إلى جنوب القطاع، وتقيم منذ ذلك الوقت لدى أصدقاء لها في رفح المتاخمة للحدود مع مصر.
ويشير مخللات إلى أنه مثل آلاف أرباب الأسر الذين فقدوا مصدر رزقهم اليومي جراء الحرب والقصف، لكنه لم يستسلم ووجد في صناعة الجفت مصدرا لرزق جديد.
ويتابع:" اليوم ما في أحد يصرف علينا، وحتى ما تعطينا إياه وكالة الغوث (أونروا) محدود وقليل؛ لذلك أعمل حتى المساء لتحصيل القليل من النقود ".
أزمة إنسانية..
ويعيش قطاع غزة أزمة إنسانية غير مسبوقة، إذ تسببت الهجمات الإسرائيلية المستمرة للأسبوع التاسع في تدمير واسع النطاق للبنية التحتية والخدمات الأساسية، مما أدى إلى عودة الفلسطينيين إلى حياة بدائية.
وحسب التقديرات فإن قرابة 1.9 مليون شخص في غزة أو ما يقرب من 85 % من السكان أصبحوا نازحين داخليا.
وتم تسجيل قرابة 1.2 مليون من هؤلاء النازحين في 156 منشأة تابعة للأونروا في جميع أنحاء القطاع منهم حوالي مليون مسجلين في 99 ملجأ للأونروا في الجنوب.
أفران الطينة..
وفي مشهد بات مألوفا في غزة منذ بدء الحرب، يباع الحطب والجفت والأفران الطينية في الشوارع والأسواق مع اعتماد معظم السكان عليهم بشكل رئيسي لطهي الطعام وغلي المياه والاستخدامات المعيشية.
وتوقفت الحياة في المطابخ النموذجية النابضة بالحياة داخل الشقق، وأصبح معظم السكان يشعلون مواقد النيران أمام المنازل وفي الشوارع أو الحقول من أجل تجهيز الطعام لأسرهم.
فأمام معظم المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء في جنوب قطاع غزة وداخلها، يطهو الفلسطينيون الطعام لأسرهم في الصباح والمساء على مواقيد النار.
وقال الطفل سامي عصفور: "إنه وعائلته التي تقيم في رفح لا يتوقفون عن تكوير الجفت وصناعة الأفران الطينية، وأنهم وجدوا في تلك الصناعة مصدر دخل للعائلة".
وأضاف عصفور وهو يسكب الشاي في كوب زجاجي أنه يبيع الفرن الصغير المصنوع من الطين مقابل 15 – 20 شيكلا.
ويوجد في مدينة رفح ثلاثة معاصر حديثة، دمرت إحداها جراء غارات إسرائيلية استهدفتها في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
واستغل المواطنون الهدنة الإنسانية المؤقتة التي شهدها قطاع غزة التي استمرت أسبوعا، لقطف ثمار الزيتون من أراضيهم تالتي يمكن الوصول لها نهاية الشهر الماضي.
وعادة ما يبدأ موسم قطف الزيتون في الأراضي الفلسطينية بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول، ويستمر 40 يوما، حيث يجنى المحصول الذي يترقبه الفلسطينيون على مدار عام كامل، بينما كانت أكوام الجفت ترتفع خلف المعاصر بانتظار نزحها.
وقال خالد قشطة ويمتلك معصرة زيتون حديثه في رفح "موسم الزيتون كان ضعيفا هذا العام والعدوان دمره... وفي الهدنة استقبلنا كميات من الزيتون لعصرها".
وأضاف قشطة وهو يشير لساحة ينزح منها مشترو الجفت "بالعادة هذا الجفت كان يملأ هذه الساحة، حتى نزحه وترحيله، لكن في السنوات الأخيرة أصبح له مشترون.
ولا يمكن الحصول على الجفت إلا في الخريف أو بدايات الشتاء بعد موسم قطف الزيتون وعصره وهو ما تزامن مع أطول وأضخم هجوم إسرائيلي على القطاع، وأسفر عن استشهاد وإصابة وفقدان أكثر من 70 ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء.