الساعة 00:00 م
السبت 27 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.79 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

"بعد كل ذلك نموت جوعًا؟"..

فيديو "أي وصف لن يعبر عمّا عشناه".. شهادة مروّعة على إبادة غزة ترويها نور حميد

حجم الخط
432459308_941155720753928_7846308718069596713_n.jpg
غزة - آلاء المقيد - وكالة سند للأنباء

منذ اليوم الأول لحرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال على قطاع غزة، رفضت الشابة نور حميد وزوجها فكرة النزوح من قلب المدينة إلى الجنوب، وعاشا منذ ذلك الحين رفقة طفلتهما "أيلول" ليالٍ دامية وقاسية، دُمر منزلهم، قُصفت العمارة التي لجأوا إليها، ثم حُوصِروا أكثر من ثلاث مرات، سقطت القذائف الإسرائيلية على بعدٍ أمتارٍ منهم، انهال الرصاص على آخر غرفة تحصّنوا بها، وكانت جثث الشهداء مبعثرة حولهم، ليخرجوا أحياء شاهدين على المحرقة، وبعد ذلك كله تتساءل: "هل نُترك لنموت جوعًا؟"

في شهادةٍ إنسانية جديدة تروي نور حميد من مدينة غزة، لمراسلة "وكالة سند للأنباء" معاناة عائلتها وما عاشته من فَزعٍ وأوضاع صعبة للغاية خلال الشهور الماضية؛ جراء الحرب وما فعله جيش الاحتلال بالمدنيين من أطفال ونساء وكِبار سن، واصفةً العالم بأنه "ثَمِل ووقح" يرى موت الغزيين ولا يحرك ساكنًا، ثم تركوهم للجوع ينهش أرواحهم المتبعة وأجسادهم الضعيفة!

نور حميد أم لطفلة في الرابعة من عمرها تستهل حديثها معنا بالقول: "منذ السابع من أكتوبر، تجاوز عدد الشهداء الـ 32 ألفًا، يرانا العالم أرقامًا فقط، بينما نحن آباء وأمهات وأطفال، أجداد وجدات، أطباء ومهندسين وموظفين وعمّال، لديهم أحلامهم.. لكنها ذهبت وذهبوا معها".

432979306_1646064459476125_3950396177478037794_n.jpg
بدأت قصّة نزوح "نور" وعائلتها من منزلهم في 27 أكتوبر/ تشرين أول الفائت، إذ خرجوا منه بعد ليلة دامية اشتد فيها القصف الجوي حولهم، تقول: "ليلتها تمسكنا ببعضنا البعض ووضعنا بجانبنا حبّات تمر ومياه، تشاهدنا كثيرًا ودعونا الله أكثر، حتى طلعت شمس اليوم التالي، خرجنا أحياء وكان البيت لا يزال قائمًا، لكن الاحتلال كان قد وصل إلى حدود المنطقة".

تنقلت عائلة نور حميد داخل مدينة غزة أكثر من مرة، وفي كل مرّة كانوا يخرجون من فم الموت بأعجوبة، تحكي لنا عن ذلك: "في منزل قريبٍ لنا بمنطقة النصر غرب غزة، انهالت علينا الصواريخ بحزام ناري مخيف، كان يفصلنا عن الموت منزلٍ واحد، احتمينا بأبعد مكان في البيت وانتظرنا شروق الشمس مرةً أخرى".

في اليوم التالي ذهبوا إلى بيتٍ يبتعد عن الأول بشارع فقط، كانوا يعتقدون أنه أقل خطرًا وأن هذه الأيام ستنتهي قريبًا، لكنّ حيّ النصر صار تحت مرمى القصف، وبدأت فيه عملية برية شرسة، ما دفعهم للانتقال لشقة أخرى في أحد الأبراج السكنية.

"هنقدر نعيش يا ماما؟"

لم تُمهلهم الحياة أكثر من أسبوع في الشقة الجديدة، حيث قُصفت الطوابق العليا من البرج، واشتعلت النيران وحاصرتهم من جميع الجهات، دون أن تتمكن الطواقم الطبية والدفاع المدني من الوصول إلى المكان؛ ولا سبيل للخروج ليلًا بسبب انتشار القناصة الإسرائيلية على مفترقات الشوارع.

سألناها ما سرّ النجاة ليلتها؟ فكانت الإجابة: "جلسنا بجانب طاولة السفرة باعتبارها المكان الآمن، وبقينا ندعو الله وقلوبنا ترتجف خوفًا، حتى سقط المطر بغزارة وأُطفأت النار المندلعة في البرج، ومرة ثانية انتظرنا طلوع الشمس، وخرجنا نركض في الطرقات من فوق الركام، ولم يكن في شوارع المنطقة الغربية غيرنا".

"في يهود هون يا ماما؟ هنقدر نعيش؟" سؤال تردد على لسان "أيلول" لوالدتها طوال فترة الركض في الشوارع متجهين نحو منطقة النفق شرقًا، بينما تحاول الأم المفزوعة تهدئة رَوع طفلتها: "سننجو يا حبيبتي، بالفعل نجونا وجلسنا قرابة الشهر في بيت أهلي".

فقدت نور حميد منزلها كبقية مئات آلاف الغزيين، تمكنت من زيارته خلال أيام الهدنة المؤقتة التي بدأت في 24 نوفمبر/ تشرين ثاني وامتدت لـ 8 أيام، تُضيف: "كل أعمدة البيت وأساساته سقطت، تبقى لنا بعض الصور وألعاب وفساتين أيلول وكل ذكرياتنا الجميلة فيه(..) خرجنا مقهورين والحزن يأكل أرواحنا لكن ما هوّن علينا إنها أجت بالمال ولا بالعيال".

كر وفر.. لا ملجأ آمن

بعد أن انسحب جيش الاحتلال من المناطق الغربية، متجهًا نحو الشرق في توغله، عادت عائلة "نور" إلى البرج الذي نجوا منه بأعجوبة في غرب المدينة، ومكثوا فيه ثلاثة أيام، ثم صار ما لم يتوقعوه!

تحكي لنا: "قُصِفت الشقة المجاورة لنا وتناثرت الشظايا علينا، لم نستطع الخروج ليلتها وحين استيقظنا في اليوم التالي وجدنا الجيش أسفل المنزل بدبابته وجنوده، حاصرونا ستة أيام، لم نكن نتوقع فلم نُجهِز أنفسنا، لا نملك مياهاً كافية ولا طعاماً".

وتشير إلى أنّهم تداركوا الأمر بتقسيم الطعام والمياه المتوفرة، فالوجبة الواحدة كانت عبارة عن نصف رغيف خبز، وفنجان ماء للشرب، أما الوضوء فكان بالتيمم، مردفةً: "كنا ننام ونصحو على أصوات القنابل، والمدفعية، يرافقها تجريف متواصل للطرق، وإطلاق نار كثيف من الكواد كابتر".

432459308_941155720753928_7846308718069596713_n.jpg

الحدث الأبشع: استغاثة عالقين ولا مجيب!

في ليلة من ليال الحرب القاسية، كان احتمال نجاة نور حميد وعائلتها الصغيرة صفر بالمئة، بعد أنّ قصفت طائرات الاحتلال "فيلا" بجوار المنزل الذي كانوا يسكنونه، وكانت تأوي عددًا كبيرًا من عائلة سالم.

إلى جانب ما خلّفه القصف من شهداء وجرحى وعالقين، خُلعت شبابيك منزل "نور" وأبوابه، وتصاعد الدخان الكثيف حولهم، فلم يتمكنوا من رؤية بعضهم.

تصف الحدث بأنه "الأبشع والأصعب والأسوأ"، مستطردةً: "سمعنا أصوات استغاثة وصراخ من عالقين تحت أنقاض الفيلا، تبعها تقدم لجرافات الاحتلال التي قامت بإلقاء رمال فوق الركام، لتقتل من بقي حيًا منهم(..) من هَول المشهد لم نذق طعمًا للنوم تجمدنا بأماكننا وعانقنا بعضنا علّها اللحظة الأخيرة".

وبمساعدة والد زوجها تمكنوا من الخروج من الشقّة، من وسط النار وتحت الحصار _ والكلام لها_ "لم نصدق أننا ما زلنا أحياء انتقلنا إلى بيتٍ آخر وسط الرمال بقينا فيه قرابة الـ 40 يومًا، حتى رجعنا مرة أخرى إلى بيت أهلي الذي يأوينا الآن".

"بعد كل هذا تُركنا للجوع؟"

بعد انسحاب جيش الاحتلال من بعض الأماكن في الشمال، استطاع الناس التحرك قليلاً في المناطق التي تعتبر آمنة وبعيدة عن تمركز آلياته وجنوده، وبعد كل هذا التعب والإرهاق والعناء بدأت رحلة الناس مع توفير الطعام والدقيق، في ظل شح الموارد الغذائية، وارتفاع أسعار المتوفر منها بالأسواق.

وتؤكد نور حميد أنّ الحصول على الطعام في شمال غزة، بات أمرًا صعبًا، كما أصبح يُكلفنا كيس الدقيق أرواحنا، قائلةً: "بتنا نطحن القمح والشعير والذرة لنحاول صنع الخبز، نحنُ هنا لا نملك رفاهية الاختيار فالطعام الموجود هو العدس والأرز والخبيزة والقرع".

وفي إجابتها على سؤالنا: "بعد كل هذه المعاناة هل فكرتم بالنزوح إلى الجنوب؟" تقر بأن قرار البقاء في غزة صعب، "لكن اتخذناه ووكلنا أمرنا لله، وهذا هو الأمر الطبيعي، لن نخرج ولو كلفنا الأمر موتنا".

وتختم حديثها: "لا أُخفي عنكم انعكاسات الحرب والتنقل من بيت لآخر تحت القصف والرصاص على نفسيتنا جميعاً وخاصة على ابنتنا أيلول، ولكنها قدرة الله أن نبقى على قيد الحياة لنروي ما حلّ بنا هنا، ولعل ما نرويه جزء يسير مما حدث في تفاصيل الكارثة".

ومنذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر الفائت، تتفاقم معاناة سكان قطاع غزة ولا سيما منطقتي الشمال الذي يأوي نحو 700 ألف مواطن؛ جراء حصار مشدد جعل الغذاء شحيحا حتى باتوا على حافة مجاعة حقيقية.

وزهقت أرواح المئات من الفلسطينيين في استهدافات متعمدة يُنفذها جيش الاحتلال لتجمعات منتظري وصول المساعدات، واستشهد آخرون حين وقعت صناديق المساعدات من الجو على رؤوسهم.