تتفاقم معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في قطاع غزة بسبب النزوح المتكرر، إثر الحرب الإسرائيلية المستمرة وما ينتج عنها من قصف جوي وهجوم بري لا يفرق بين مدني أو عسكري، ولا مريض أو سليم، في الوقت الذي تزداد فيه أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة يوماً بعد يوم بفعل إصابتهم برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ويفيد الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين، في بيان له في شهر ابريل/نيسان الماضي، بأن عدد الأفراد من ذوي الإعاقة في قطاع غزة بلغ نحو 58 ألف فرد، أي ما نسبته 2.6% من إجمالي سكان قطاع غزة.
نزوح تحت أزيز الرصاص
ويواجه الشاب يوسف أبو عميرة (28 عاماً)، من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، والذي ولد من دون أطراف، صعوبات بالغة بعد أن اضطر إلى النزوح إلى مدينة رفح جنوب القطاع في اليوم السابع من الحرب على القطاع، بعد أن أبلغهم جيش الاحتلال بضرورة إخلاء المخيم تمهيداً لاجتياحه.
ويبين أبو عميرة، في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء"، أن عملية النزوح استغرقت معه عدة ساعات حيث أجرى عشرات الاتصالات في سبيل توفير وسيلة نقل له ولعائلته البالغة 12 فرداً ولكن دون جدوى بسبب نزوح عدد كبير من المواطنين، ما اضطرهم للمشي عدة كيلومترات برفقة والدهم المريض والذي يبلغ من العمر (80 عاماً)، إلى أن وجدوا أخيراً مركبة تنقلهم.
ويتابع، أن هول المشهد وشدة القصف على المخيم والأحزمة النارية التي شنتها طائرات ودبابات الاحتلال الإسرائيلي لم تجعله يفكر بأخذ كرسيه الكهربائي المتحرك ذي الجودة العالية، وقد جلب كرسياً متوسط الجودة، وكان جل تفكيره بكيفية النجاة بنفسه وعائلته تحت شدة القصف.
ويلفت أبو عميرة، الذي يقطن حالياً في إحدى خيام النزوح بمدينة رفح، إلى الصعوبات البالغة والمعاناة اليومية التي يواجهها بسبب اهتراء كرسيه المتحرك بفعل وعورة الطرق وصعوبة التنقل في الشوارع المدمرة بفعل القصف الإسرائيلي، ما يضطره للاعتماد على مساعدة الآخرين له في عملية التحرك والتنقل من مكان لآخر، وكذلك، عدم توفر وسائل النقل بسبب أزمة الوقود والغاز، ما يدفعه للتنقل في أغلب الأحيان على عربة "الكارو".
مبادرات خيرية رغم الألم
ورغم الصعوبات التي يواجهها الشاب أبو عميرة، وإحساساً منه بهموم المواطنين المكلومين بفعل الحرب، يحاول جاهداً توفير المساعدات المالية والعينية والتخفيف قدر المستطاع عن أصحاب الحاجة.
ويقول أبو عميرة: "بدأت بالمبادرة الخيرية الأولى على حسابي الشخصي، وبعد ذلك دفعتني حاجات الناس المتكررة ومناشداتهم لأن أتواصل عبر السوشال ميديا لجمع التبرعات لسد احتياجات المواطنين"، معرباً عن أمله أن يزداد ويتطور هذا العمل لمساعدة وتلبية جميع المناشدات التي تصل إليه.
حلمي أن أنجو
ولم تكن إعاقة الشاب يوسف يوماً من الأيام عائقاً أمام حياته الاجتماعية، حيث أكمل دراسته الجامعية وتخرج في تخصص (الشريعة والقانون) من الجامعة الإسلامية في غزة، وتزوج قبل الحرب بشهرين، والآن جل ما يأمله أبو عميرة هو النجاة بحياته وعائلته الصغيرة، والعودة للأيام التي كانت قبل الحرب.
ويضيف أبو عميرة "أتمنى في الوقت الحالي الخروج من قطاع غزة، وانتهاء الحرب حيث الجميع معرض لخطر الموت والإصابة، ولكن نحن ذوي الاحتياجات الخاصة معاناتنا أصعب حيث يعرقل القصف المستمر وصول ذوي الاحتياجات الخاصة إلى أماكن وجود متطلباتهم التي قد يتغير مكانها باستمرار نظراً لتغير الأوضاع السريع بسبب الإخلاءات القسرية، وصعوبة الحصول على مستلزماتنا الضرورية".
خسائر فادحة واتفاقيات لا معنى لها
من جانبها، أوضحت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن القصف والحصار والهجوم البري الكبير من جانب الاحتلال الإسرائيلي على غزة يتسبب في خسائر فادحة في صفوف المدنيين الفلسطينيين ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أنهم يواجهون صعوبات أكبر في الفرار من الهجمات وتلبية الاحتياجات الأساسية والحصول على المساعدات الإنسانية التي هم في أمس الحاجة إليها.
وعلى عكس ما يجري على أرض الواقع في قطاع غزة، لا تأبه "إسرائيل" ولا تراعي "اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"، التي دخلت حيز التنفيذ في 3 أيار/مايو 2008 حالات الخطر والطوارئ الإنسانية.
وتتعهد الدول الأطراف وفقا لمسؤولياتها الواردة في القانون الدولي، بما فيها القانون الإنساني الدولي وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان، باتخاذ كافة التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالة تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النـزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية.