أبرز موقع (Axios) الأمريكي التعمق غير مسبوق للانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي وسط تزايد مؤشرات ضعف الجيش في خضم حرب الإبادة المستمرة في غزة والتصعيد الدراماتيكي مع حزب الله في لبنان.
وأشار الموقع إلى ما شهدته دولة الاحتلال من "ساعات من الفوضى العارمة" يوم أمس الاثنين بعد أن اقتحم متظاهرون من اليمين المتطرف، بتشجيع من سياسيين قوميين متطرفين من الائتلاف الحاكم، قاعدة عسكرية يحتجز فيها أسرى من غزة وقاعدة أخرى تستضيف المحكمة العسكرية لجيش الاحتلال.
وذكر الموقع أنه "لمدة 12 ساعة، انغمست (إسرائيل) في الاضطرابات بينما كانت شبكات التلفزيون تبث على الهواء مباشرة من مكان الحادث وكانت المؤسسة الدفاعية والنظام السياسي يتعاملان مع الأحداث المتكشفة".
واضطر القادة العسكريون الإسرائيليون إلى تحويل تركيزهم من الاستعداد لضربة محتملة ضد حزب الله والتي قد تشعل فتيل الحرب على جبهة أخرى إلى حماية قاعدتهم من الاضطرابات الداخلية.
تفاقم الأزمة الداخلية
قال الموقع إن احتجاجات أمس تمثل "أخطر عنف سياسي في (إسرائيل) منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ومن المرجح أن تؤدي إلى تفاقم الأزمة الداخلية التي تمر بها (إسرائيل) منذ شكل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حكومته اليمينية في عام 2022".
وبدأت الأحداث عندما اعتقلت الشرطة العسكرية التابعة للجيش يوم الاثنين تسعة جنود احتياطيين خدموا في وحدة "القوة 100" في قاعدة "سدي تيمان" العسكرية.
كانت قاعدة "سدي تيمان" تستخدم كمكان احتجاز لأسرى من غزة، وركزت عدة تقارير في الصحافة الإسرائيلية والدولية على انتهاكات حقوق الإنسان في القاعدة، التي أطلقت عليها بعض منظمات حقوق الإنسان اسم "جوانتانامو الإسرائيلية".
وذكرت صحيفة هآرتس أن أكثر من 30 أسيرا لقوا حتفهم في المنشأة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وكانت القوات الإسرائيلية قد بدأت في إغلاق مركز الاحتجاز في الأسابيع الأخيرة بعد أن واجهت انتقادات دولية كبيرة. كما تقدمت منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية بطلب إلى المحكمة العليا بشأن الانتهاكات المزعومة في القاعدة.
بدأت تحقيقات الشرطة العسكرية في تصرفات جنود الاحتياط التسعة قبل عدة أسابيع بعد أن تم نقل أحد الأسرى الذي كان محتجزا في المنشأة إلى المستشفى بعد نزيف من أحد أجزائه الحميمة، حسبما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن جنود الاحتياط اعتقلوا فيما يتصل بانتهاكات بحق الأسرى، شملت الاعتداء الجنسي والاغتصاب.
وعند وصول وحدة الشرطة العسكرية إلى القاعدة، واجههم عدد من عناصر الاحتياط ورفضوا الحضور للاستجواب.
دور وزراء اليمين المتطرف
بعد نشر التقارير الأولية ومقاطع الفيديو لمداهمة الشرطة العسكرية على وسائل التواصل الاجتماعي، أصدر الوزراء القوميون المتطرفون إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش وعدة وزراء من حزب الليكود بزعامة نتنياهو بيانات تدين الاعتقالات.
وقالوا إن قيادات عليا في الجيش أهانت الجنود، وأخبروا أنصارهم أنهم قادمون إلى القاعدة في جنوب دولة الاحتلال للاحتجاج على الاعتقالات.
وبعد فترة وجيزة، وصل مئات المحتجين إلى القاعدة، ومن بينهم العديد من النواب من حزب بن جفير وسموتريتش اليميني المتطرف، واقتحموا القاعدة.
وقد غادر هؤلاء القاعدة بعد عدة ساعات عندما اتضح أن جنود الاحتياط الذين تم اعتقالهم لم يعودوا هناك.
وانتقل المتظاهرون بعد ذلك إلى قاعدة عسكرية أخرى على بعد 30 دقيقة شمال تل أبيب، تضم مقرًا للشرطة العسكرية ومركز احتجاز تابعًا لجيش الاحتلال، ومحكمة عسكرية.
وقد اقتحموا المحكمة وحاولوا اقتحام مركز الاحتجاز لإطلاق سراح جنود الاحتياط.
وانضم العديد من أفراد الوحدة التي كان جنود الاحتياط جزءًا منها إلى المتظاهرين وهم يرتدون الزي العسكري ويحملون السلاح ويرتدون أقنعة الوجه.
وبحسب مسؤولين في الجيش فإن الشرطة الإسرائيلية، التي تخضع لسلطة الوزير بن جفير، ظلت سلبية نسبيا خلال أعمال الشغب ولم تعتقل أيا من المتظاهرين في القاعدتين.
وألغى رئيس أركان الجيش "هرتسي هاليفي"، مساء الاثنين، اجتماعات كان يحضرها بشأن ضربة محتملة للجيش ضد حزب الله في لبنان، ووصل إلى مقر الشرطة العسكرية الذي حاصره المتظاهرون.
وعندما وصل هاليفي إلى القاعدة، هتف عدد من المتظاهرين بشعارات ضده ودعوه إلى الاستقالة.
وقال الجيش إنه اضطر إلى استدعاء وحدات قتالية متمركزة بالقرب من الضفة الغربية لحماية قاعدة الشرطة العسكرية. وغادر المتظاهرون المنطقة حوالي منتصف الليل.
ووصل متظاهرون من اليمين المتطرف إلى منزل النائبة العامة للجيش الإسرائيلي ووصفوها بالخائنة.
انقسام قيادي حاد
لم يعلق نتنياهو على الحوادث باستثناء بيان من سطر واحد أصدره مكتبه بعد ساعتين من اقتحام القاعدة الأولى قال فيه إنه يدين اقتحام القاعدة ويدعو إلى الهدوء الفوري.
ولم يندد بالهجوم على القواعد سوى وزيرين اثنين: وزير الجيش يوآف غالانت ووزير الداخلية موشيه أربيل. أما بقية الوزراء في الحكومة فقد أيدوا جنود الاحتياط وهاجموا المستشار القانوني للجيش أو التزموا الصمت.
تشير الحوادث الفوضوية إلى مدى الجرأة التي اكتسبها القوميون المتطرفون في دولة الاحتلال في ظل حكومات نتنياهو، وخاصة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وهذا أيضًا علامة على تفكك سلسلة القيادة في الجيش والقانون والنظام الداخلي للجيش، وهو ما شجعه السياسيون القوميون المتطرفون الذين أطلقوا على الجيش لسنوات اسم مؤسسة "ليبرالية" وقالوا إنه جزء من "دولة عميقة" يجب تفكيكها.